كم من صفعات، أو صدمات، أو فضائح مُذْهِلَة فى حياتى، أعتز بها جدًا؛ ربما لأنها قدرى الغرير، أو وجهى الجميل، أو تكوينى الأثير؛ أو لأنها تسكننى دومًا بشجن تفاصيلها، وأطياف شذراتها، المختزنة فى سحارة ذاكرتى المغلقة، وعقلى المثقل، وقلبى العاشق، وروحى الهائمة.
الفضيحة الأولى هى صفعة خالى «الطبيب» القوية، وأنا طفلة لم تتجاوز ست سنوات، أثناء شرحه لى واجباتى المدرسية، ليقول لوالدتى : البنت ذكية جدًا، لكنها دومًا تائهة، شاردة.
الصفعة الثانية من والدتى، وأنا فى ذات العمر، حين تجرأت على كتابة خطاب لخالى المغترب فى «السعودية»، لأصف له كم نحبه، ونفتقده، بلغة شاعرية، رومانتيكية، مُتْرَفَة، لم تفهمها، لتستهزئ بحروفى، وكلماتى، وبى.
الصفعة الثالثة من والدتى أيضًا، وأنا فى سن خمسة عشر عامًا، حينما اعْتَرضْت بصرامة على حرمان خالتى «الجامعية» من مجالسة خطيبها «المستشار» على انفراد، خارج محيط أفراد العائلة.
الصفعة الرابعة «معنوية» من شقيقى «البروفيسور» الذى يصغرنى بعام واحد، حين كنا أطفالا غارًا، لتمسكى الجبار بارتدائى «التنورة» الحمراء القصيرة، أثناء زيارتنا غير المعتادة لقريتنا الريفية، المحظور فيها ذلك، وأشياء أخرى، لم يستوعبها، أو يهضمها، عقلى، وقلبى، أو تحتملها إنسانيتى.
الصفعة الخامسة من والدى؛ بسبب دائم تمردى، وإمعانى فى مشاكسته، وتَحدِّيه، حين عارضته بسَفاهَة، وتدخلت فى شجاره الدائم، العارم مع والدتى؛ لأنها الأضعف فى مواجهته، وانحزت للحق، الذى رأيته فى جانبها.
الصفعة السادسة من مُدرِّسة «التربية الرياضية» فى المرحلة الإعدادية؛ أمام كل أساتذتى، وزميلاتى؛ لأننى تركت شَعْرى الأسود الطويل حرًا، طليقًا، ولم أعتقله فى ضفيرة عرجاء، أثناء طابور الصباح.
الصفعة السابعة من مدرسة «التربية الفنية» بالمرحلة الثانوية؛ لأننى رسمت «بيتًا» على هيئة حذاء بُنِّى، ذو رقبة طويلة «بوت»، تسكنه نوافذ ملونة، تحوطه حديقة خضراء شاسعة، تحتويها قلوب حديدية، صغيرة، متلاصقة، مفعمة بالزهور البيضاء والبنفسجية، لتداهمنى صرختها الهائجة، وتمزقنى مع كراستى، وتقذفنى بها بعيدًا، وتهدَّدنى بالصفر المَكين، إذا لم أقلد زميلاتى فى اختياراتهن المعتادة البلهاء.
الصفعة الثامنة هى قصة والدتى التعيسة والمتكررة عن ظلم، وقسوة، وبشاعة الرجال، التى لم أصدقها أبدًا، رغم مطاردة تفاصيلها فى كوابيس شبه يومية، توقظنى منها ضربات قلبى المرتعبة، المرتعشة، فى قلب الليل المظلم، لأتلفت حولى، ثم أهدأ قليلاً؛ حين أدرك أن الرحمة الإلهية الجلية، أنقذتنى من قبضة رجل مغرور، مغمور فى أجود أنواع «الشوكولاتة» بالمكسرات، ثم أعانق وسادتى الوثيرة، الأكثر دفئًا وصدقًا من حضن رجل، لا يرانى سوى رقمًا، قمرًا، فى قافلة «الحسناوات»، «العسليات»، رجلاً لا يفهم.
هذا ما جعلنى أرتكب الفضيحة التاسعة، أو أول جريمة «حب» فى حياتى، وأنفذ خطة العبقرى الماكر «توفيق الحكيم» المحكمة، فى قصته الصادمة «أريد هذا الرجل»، عمدًا، مع سبق الإصرار والترصد، ليس عن خضوع، أو امتثال، أو استسلام، أمام مشاعر الحب الجارفة، الساحقة، الماحقة؛ بل عن إيمان كامل بحقى وحدى فى الاختيار، لأقرر عازمة ألا تطلب يدى أبدًا من الرجل الذى أحبه، بل أنا من يشير عليه، ويطلب يده، بقوة، واعتزاز، وفخر، وله مطلق الحرية فى القبول، أو الرفض؛ لأننى أحترم نفسى، ومبادئ الحريات العامة، وأحكام القانون الدولى لحقوق الإنسان.
هذا ما دفعنى أيضًا لأقترف الفضيحة العاشرة، التى أصر راديو «البى بى سى» مصادفة، أثناء حديث عابر مع مسئوليه، على تقديم «الفكرة» ذاتها، وسرد «تجربتى» الخاصة، عبر أثيره على «فيسبوك» فى برنامجه الشهير «دردشة ليلية»، ثم تصويرها فى حلقة «تليفزيونية» كاملة، استغرقت ثلاثة أيام، ثم دعوتى للسفر إلى «بيروت» مؤخرًا، بعد إحرازها مركزًا متقدمًا على حلقات أخرى، تجسد تجارب غير معتادة لمائة امرأة من جنسيات مختلفة حول العالم.
أما الفضيحة الحادية عشرة، والأهم، والأخطر، فهى قطعة السكر، أو المِسْك، والعَنْبر، أو الصدفة المقصودة، والموضوعية جدًا، التى أعتز بها أكثر وأكثر، ليس لأنها نقلة نوعية فى تاريخى الجاد، المتجمد، المتعقد، أو لحفرها ومضات فريدة، وحشد بهيج فى خِدر الأمنيات؛ لكامل بلاغتها الخبيرة، المدربة؛ بل لأننى صدقتها، وصدقته.
سيدى.. هل تصورت «عبطًا» و«هبلا» أنه أنت، ولا أحد غيرك، يملك مفتاح جوهرتى الغائبة، بعد طول انهياراتى، وانهزاماتى، وارتعاشاتى، وخيباتى المتكررة؟!
سيدى.. لماذا كنت الأجمل، والأشرف، والأنبل، والأروع؟! ولماذا كنت «أنا» لأول مرة «أنا»، بلا أقنعة متحجرة؟! ولماذا أسرتنى روحك العذبة، عمق عينيك، طفولتك البريئة، ابتسامتك الحائرة، التى أحببتها، وأحببتك؟! رغم كل انتكاساتك، وانحرافاتك، وخداعاتك، وذوبانك فى عسل أفخر ماركات النساء «المهلبيات»، اللاتى التهمتك بكامل روحك، و«چيناتك»، ثم ابتلعتك من قمة شَعر رأسك حتى أطراف أصابع قدميك.
سيدى.. هل أنا «المرأة» القوية، التى أحبت «الشيطان»؟! هل أنا لا أصلح للحب والغرام، المذنب والسجان، العاجز المكبل، الذى لم يتحرك، والجاهل، الذى لم يتعلم حتى الآن؟! وهل الطريق أمامى طويلا وشائكًا جدًا غير قابل للسريان؟! وهل كان فى وسعى، أن أمنحك «القبلة» الأبدية، التى ضاعت منى، ومنك، وأهديك عمرى، يا عمرى، والله وحده هو الأعْلمَ بما كان؟!
سيدى.. هل أنت «الأُّسْطورة»، أم «الدُنْچُوان»، الذى اخترق بأعجوبة غير مسبوقة، حصون قلبى، عقلى، جسدى، وحدود الزمان، المكان، والخيال؟! ومن هو القادر على إجابة السؤال؟!