السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

هل أتاك حديث ترامب؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن أبدا مثل غيره من الصباحات، كان صباحا ترامبيا بامتياز، صباحا ستليه صباحات كثيرة مثله، إنه الجمال الأمريكى يا حضرات، الجمال المصنوع بحرفية وما هو إلا قبح. 
سيدة أمريكا الأولى فى السابق والمرشحة الخاسرة حاليا السيدة كلينتون كانت وجه أمريكا الجميل الذى نزل للسباق بتأييد أصحاب الياقات البيضاء، والذين تعد خسارتهم هم قبل خسارتها هى الآن تجسيدا حيا صريحا لأزمة الشرعية السياسية التى تعانى منها البرجوازية الأمريكية ونخبتها الفاسدة التى تثرثر كثيرا، لذلك اعتبرها أهل الريف سيدة ذات قناع ونبرة متعالية.
تماما، كما استفز أوباما الرجل الأبيض الذى أراد استعادة أرضه من الغزاة المهاجرين واستعادة هويته التى فقدت وسط الكم الهائل من الأجانب قاطنى نيويورك وكاليفورنيا التى تطالب بالانفصال الآن. 
صُدّر لنا أوباما حاملا نفس مواصفات الجمال الأمريكى المصطنع، فَهُو الأمريكى من أصول إفريقية الذى زارنا وألقى علينا تحية الإسلام والسلام ففرحنا به وباركنا خطواته وشجعناه على المضى فى خداعنا وتدمير بلادنا بمنتهى الأريحية والرضا، وبعد انقضاء ولايته اتضح لنا قبحه الذى بدى لنا فى السابق أخاذا، وقد فطن له الناخب الأمريكى وسبقنا إلى فهمه. 
كل تلك المقدمات وجميع مفردات الجمال الأمريكى القبيح أدت لنتيجة شديدة الفجاجة لكنها صادقة صادمة معبرة عن انحيازات واحتياجات العامة والدهماء وانتصرت ديكتاتورية البروليتاريا لرجل الأعمال. 
البليونير المتهرب من الضرائب الديماجوجى القبيح الفج الميزوجينيك المتحرش اليوجينى الذى كانت حركاته وخطبه مادة للسخرية والملهاة كمهرج كبير تسعد بمشاهدته ويسليك عندما تنتفخ رأسك وتمتلئ بالأفكار وتحتاج لفاصل من مونولوجيست لتواصل. 
هذا هو ترامب العنصرى الأخاذ من فرط قبحه حديثه يأسر السامعين تماما كحديث حازم صلاح أبوإسماعيل الذى كانت له جحافل من المريدين كنمل الأرض يعشقون قبحه وعنصريته وخطابه الديماجوجى فصاروا له «حازمون»، وصدروا لنا هؤلاء بقبح وديكتاتورية مقيتة مضحكة متبجحة نظرية «لازم حازم». 
قد يتعجب القارئ فى البداية من تلك المقارنة، ولكن بعد تفكير قليل سنجد أن عنصرية ترامب ضد المختلفين معه مثلها مثل عنصرية حازم ضد الإسلام شخصيا. 
فإن أراد ترامب اليمينى القضاء على الغير فى المطلق، فقد نجح الحازمون فى القضاء على الإسلام وجعله سبة يستحى منها حاملو الديانة، وصارت أوراقهم الثبوتية وصمة عار عليهم التخلص منها. 
وجوه مثل ترامب والحازمون وآخرين كثر، وجوه قبيحة لكنها مسلية تمثل عملات رديئة صارت لها قيمة فى زماننا. 
عرق الريف فاز فى الانتخابات الأمريكية على روائح المدن، تماما كما انتخب مرسى العياط فى مصر أهل الأرياف وأصحاب الأيديولوجيات المعتمة العطنة وفاز الفقراء والأثرياء على أبناء الطبقة المتوسطة. 
انتصر الخوف من الإرهاب على حلم الحرية اللا محدود واللا متناهى. 
انتصر الذكورى على الفيمينست، وانتصر البيض على الملونين، المواطن الشعبوى تغلب على دجل وزيف النخب، وانحرف الكوكب كله وانحاز يمينا، وأصبحت الغلبة للعواجيز على الشباب، تيريزا ماى أصبحت نموذجا وقدوة، ومارى لوبان فى الطريق إلى فرنسا، والنازيون الجدد للنمسا، العالم يغُربل ويعاد تشكيل قيمه من جديد بناء على معطيات جديدة حتمتها ظروف وتراكمات أدت لهذه النتيجة، والمشهد لمن يتباكى اليوم على ما كان، لم يكن جميلا، لقد كان قبحه يتوارى أمام منظومة قيم نظرية صدرتها نخبة كاذبة فاسدة جعلت الناخب يكفر بها، ويكفر بمؤسسة الحكم التى صنعتها لينحاز اليوم لرجل ذكورى جاء إليهم من خارج المشهد تماما، ومن خارج منظومة الحكم الفاسدة المثرثرة، جاء ثائرا عليها متمردا معاديا للطبقة الحاكمة بل ومعاديا أيضا لحزبه الذى يحتقر كل واحد منهما الآخر، وفاجأ الناخب الأمريكى الجميع بانحيازه لذلك النموذج. 
أراد الناخب تغييرا وخروجا عن المألوف فرفض المنظومة الزائفة المعدة له سلفا، أراد هدما لكل ما كان.. أيا كانت التبعات أو النتائج.. أراد قبحا صريحا.. أراد ذكوريا فجا يبصق فى وجه الجمال الأمريكى، لقد قال الرجل الأمريكى الأبيض كلمته.. لن تخدعونا بعد اليوم، وإن جئنا إليكم بكابوس، بلدوزر القبح الترامبى أقرب إلينا من جمالكم المصنوع بقبح، أما بالنسبة لأهل الربع الخالى المنتظرين خيرا من رعاة البقر، هل أتاكم حديث ترامب؟ علام العجلة؟ استعجال الخير أو استعجال الشر.
ترامب سيجركم لحصن الديكتاتورية المنيع تحتمون فيه من أيديولوجيات الظلام إن أردتم إلى ذلك سبيلا، وتسولتم الدخول للقفص الذهبى الحصين منبطحين سعداء راغبين فى ذلك بإخلاص منقطع النظير شاكرين له مهللين.
أما إن أردتم غير ذلك، فمن غير المستبعد أن تجبر محاولاتكم ترامب المتوعد أن يجنح ناحية الاعتدال ولو قليلا بدلا من الإفراط فى الغلو. للخوف كلفته.. وللاختيارات أيضا كلفتها.