لا تشغلوا بالكم كثيرًا بالمسئول عن تنفيذ الحادث الإرهابي الذى وقع، أمس الجمعة، بشارع الهرم، وأسفر عن مقتل 6 أفراد من الشرطة، فلا فاصل الآن بين "حسم" الإخوان وبين مجموعات أجناد مصر، أو داعش بأرض الكنانة، أو بيت المقدس.. إلخ إلخ، فكلهم التقوا في أهدافهم، وهى محاولة تقويض النظام، وقد خدمتهم السيولة الكبيرة التي جرت عقب الثورة، حيث انفجر المخزن السلفي الجهادي الجامع لأفراد يؤمنون بالعمل المسلَّح، والذى يضم داخله تلك الأفكار المتنوعة والمتعددة، والتى تعمل بشكل تنظيمي هرمي أو عنقودي.
فى الخلفية من هذه التنظيمات يَقبع المحرِّضون والمخزن الكبير لكل هذه الجماعات، وهم: حازمون، والجبهة السلفية، والإخوان، الذين تحدثوا بوضوح عن قتال الطائفة المرتدّة، وساووا بينها وبين قتال أبي بكر لمانعي الزكاة، وهؤلاء كلهم فاعلون، حدَث المزج بينهم جميعًا، داخل الجامعات، وفى الميادين، وداخل المجموعات النوعية، والتنظيمات ذات السيولة، مثل (حازمون)، وهذا رأيناه في حادث شارع اللبيني، كما رأيناه مع خلية حلوان، وفى اغتيال النائب العام، وكيف حدَث الخلط بين جماعة أجناد مصر، والإخوان، وبيت المقدس، وكيف كان همام عطية سلفيًّا حتى النخاع، لكنه فجأة أصبح زعيمًا لتنظيم يغتال الشرطة.
المهم هنا هو: كيف تمت تلك العملية؟ وكيف تتم العمليات غالبًا في منطقة واحدة، أو شارع واحد مثل الهرم؟!
عبدالله السيد محمد السيد، من إبشواى الفيوم، وكان يسكن فى عزبة الهجانة، أول مدينة نصر، القاهرة، قال له القيادي سمير إبراهيم: إن الشرطة تقتل المتظاهرين السلميين، وتغتصب الحرائر، وعرَّفه على شخص اسمه حسام على، فى الحى 11 بـ6 أكتوبر، وحسام عرَّفه على همام عطية، وكان الأخير مستأجرًا لسوبر ماركت الهوارى، بميدان لبنان، واتخذه وكرًا يقابل فيه عناصر الخلية، وفى أول لقاءٍ سأله عن دراسته، وعن أعماله، وساعتها اختاره لكى يكون مسئولًا شرعيًّا للتنظيم، لمَّا تأكَّد أنه ليس لديه مانع من الموافقة على أعمال الجماعة التى تقوم بها، وأعطاه تليفونًا محمولًا يتواصلان من خلاله، ثم عرّفه على بلال صبحى فرحات، الذى علّمه كيف يصنع عبوة ناسفة.
بهذه البساطة تم تجنيده وتكليفه بالتفجيرات، وفي ثاني يوم فقط قال له بلال إنك ومحمد صابر ستقومان بـ(غزوة صغيرة).. هكذا يطلقون على العمليات الإرهابية (غزوات)، وبالفعل تقابلا فى الطالبية بالهرم، وزرعا القنبلة بجوار قسم الشرطة بالقرب من محطة نصر الدين.
القنبلة مرتبطة بشريحة تليفون محمول، وكان همام قد علّمهما أن يقوما بزرع القنبلة قبل العملية بيومين على الأقل، ثم يركبا سيارة ميكروباص من ميدان الجيزة، إلى آخر شارع الهرم، وبمجرد مرورهما على قسم الشرطة، يتصل أحدهما بشريحة المحمول الموضوعة داخل القنبلة، فيصبح الموجب والسالب جاهزًا، ويؤدي ذلك لـ(شرز) يفجر العبوة الناسفة، بينما مفجرها الإرهابي في الميكروباص، الذى يكون فى هذه اللحظة قد ابتعد مئات الأمتار عن موقع الحادث، بل يكون بعد دقائق قد وصل إلى المحطة الأخيرة، التي ينتقل منها بسهولة إلى محل سكنه، الذى في الأغلب يكون فى منطقة بعيدة مثل أكتوبر والشيخ زايد، أو منطقة عشوائية مثل كرداسة والوراق.
في كل مرة كانت تتم تلك العمليات الإرهابية بهذه الطريقة، أما إذا كان الهدف هو إشاعة أكبر جو من الفوضى، أو قتل عدد كبير، فإنهم كانوا يقومون بتركيب العبوة الناسفة من مادة السي فور، وهى مادة شديدة الانفجار، وفي أحيان كثيرة كانوا يقومون بلصقها في سيارة الهدف، وهى ما تسمى (القنبلة اللاصقة)، وهى التى استخدموها فى تفجير موكب النائب العام هشام بركات.
في الفترة الأخيرة نجحت معلومات الأمن في رصد بعض الكوادر الإرهابية بمختلف تنظيماتها، وأبرزها "داعش" وتنظيم "أجناد مصر" وكيف تحالفوا مع جماعة الإخوان، وتم التعامل مع تلك المعلومات وتوجيه عدة ضربات أمنية استباقية متتالية لبعض كوادرها، وآخرها منسق تلك المجموعات، محمد سيد حسين زكى، مواليد 1983 بنى سويف، حيث قتل في تبادل لإطلاق النار في محل اختفائه بمحافظة أسيوط، كما تم قتل مصطفى سيد الغزالى، يحمل اسمًا حركيًّا "عبدالله عزام" في إحدى الشقق الكائنة بمنطقة أبو زعبل محافظة القليوبية، وفي كل مرة تدعي الإخوان أنهم لا علاقة لهم بهذه العناصر، وأن تلك العناصر كانت مختفية قسريًّا!
المعادلة ببساطة شديدة هي تحرك ثابت تقوم به هذه العناصر، يبدأ بتحريض في مواقع الإنترنت والتواصل+ عمليات تجنيد+ تمويل من الجماعة الموجودة بتركيا أو قطر+ اتصال وتواصل بين الجماعات المسلحة، سواء داعش أو القاعدة داخل الجامعات، ليؤدي في النهاية إلى تنفيذ عمليات إرهابية.
المثلث الثابت ومحاور التحرك والتنفيذ هى تركيا وطلاب الإخوان الهاربون للسودان وغزة، والدخول يتم عبر الأنفاق، وعبر الحدود الجنوبية السودانية، والرسالة هي الخوف، وتوسيع دائرة الحماية للشخصيات الشرطية والعامة، وإنهاك النظام وتقويض اقتصاده.
نحن الآن في زمن جماعات التوحش الجديدة، التي كانت نتاج ما بعد الثورات، والمشكلة أن مصر لم تكن جاهزة ومستعدّة لها الآن بسبب الظرف الاقتصادي الذى تمر به.. مرحلة ما بعد سرت، ومرحلة ما بعد العراق، وسوريا، هي أشد شراسة مما نتوقع.. فلنستعد لنسخ جديدة أشد من داعش.