ما أحوجنا ونحن نحتفل بمولد خير البشرية، وخير من ولد على وجه البسيطة، أن نتأسى بأخلاق نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، وحسن معاملته لأصحابه ورعيته ومحاربته الفساد والإفساد فلم يظهر فى عهده شيخ فاسق.. ووزير فاسد.. وأمين شرطة قاتل.. وقاض مهرب مخدرات.. وطبيب تاجر أعضاء بشرية.. وإعلامى مضلل مخرف متطاول على سيده ورمز عصره «الشعراوى».. ونقابى محرض.. وصاحب مصنع منعدم الضمير يقتل الشعب بصلصة فاسدة.. وناشط بائع لوطنه.. وسياسى يأكل على كل الموائد!!
إننا نسأل كل لحظة أين نحن من أخلاق نبينا؟ ولماذا أصبحنا بلا أخلاق؟ فعلا.. من يريد أن يرى المسلمين ويتفحص أحوالهم عليه ألا يراهم فى المسجد ولكن يراهم فى السوق.. فمن يذهب لأى سوق أو يمشى فى شارع سيجد كل ما حذر منه الله ونبيه «أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ» هل هى موجودة؟ «وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ» هل هى موجودة؟ أين المسلمون هنا؟
تجد النبى صلى الله عليه وسلم يقول «آية المنافق ثلاث» فنتمسك بالثلاث المنافق وليس المؤمن مع الأسف، فإن آية المنافق موجودة فى كل طرقات المسلمين وفى كل أسواق المسلمين بل إنها دخلت مساجد المسلمين فإذا حدَّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر أين المؤمن إذن؟
ويقول النبى: «المؤمن ليس بسبَّاب ولا لعَّان ولا فاحش ولا بذيء فنتمسك بما نهى عنه وستسمع وتشهد كل هذا فى شوارع المسلمين المؤمن ليس بكذَّاب أين وزراء حكوماتنا ومسئولونا وإعلامنا من هذا المؤمن؟
ما أحوجنا إلى حكام ومسئولين يفعلون ما فعله رسول الله لأمته حتى عم فى حياتهم الاستقرار والسلام ونهضة الأمم بالدين الخاتم فما عرفت للحضارات فى ذلك الزمن من اسم سوى حضارة الإسلام، ولم تعرف كتب التاريخ، بعده عن ماذا تسطر فى أوراقها سوى كيف نشأ الإسلام وكيف أصبح لغة العصر وحديث الزمان؟
فقد أنشا نبينا فى بضع سنوات دولة ما عرف العصر الحديث لها مثالًا وأخذ الكافر بأسسها ومنهجها ففاز وتقدم وأصبح سيدًا على كل الأمم بينما ترك المسلم دينه وانغمس فى ظلمات المطامع والشهوات فأصبح أجهل شعوب الأرض وأذلهم!!
وإذا كانت لمقولة ثعلب الخارجية الأمريكية هنرى كيسنجر: «إذا كنت تتحكم فى الطعام، يمكنك التحكم فى شعب وإذا كنت تسيطر على النفط، فيمكنك التحكم بأمم بأكملها، وإذا كنت تسيطر على المال، فيمكنك التحكم فى العالم بأسره»، وسعى بلاده لتحقيق ذلك بالمؤامرات والحروب والفوضى.. فإن أمة النبى محمد تملك كل هذا ولكنها باتت ضعيفة العقيدة والمنهج ومنعدمة الوحدة والاعتصام بالله بعد أن فرقتها الأهواء الحزبية والطائفية والشخصية، وأصبح شعار الفرقة وتصيد أخطاء البعض هما العنوان الكبير لحكامنا!!
إن تعزيز مكارم الأخلاق واجب أصيل لوسائل الإعلام، فأينما وجد إعلام هادف، كان مجتمعًا ذا فضيلة وأخلاق سامية، وعلى العكس تمامًا فأى مجتمع له إعلام ساقط فى محتواه ورسالته التى يقدمها تجده مجتمعًا يغلب عليه الانحلال الخلقي، والبعد الدينى، والتأثر بالحضارة الزائفة، ولما كان الإعلام بهذا الخطر الشديد، استغله أعداء الأمة الإسلامية فى جعله سلاحًا يستخدمه القاصى والداني، بل جعلوه حاجة عصرية لا يستغنى عنها الإنسان، والذى يشاهده الجميع من خلال هذه الوسائل لا يجد إلا إعلامًا بعيدًا عن كل خلق وفضيلة، لا يربى إلا على إثارة الشهوات، وترك الفضائل، وتعليم الجريمة إلا ما رحم ربك.
إن من يتدبر القرآن الذى نزل على خاتم النبيين يجد فيه العلاج الشافى لعلل الأمم فلو تأملنا أن شخصًا واحدًا من قرى ثمود هو من ذبح ناقة صالح عليه السلام، قال تعالى «فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر» وأن ٩ أشخاص هم من حرضوا على ذبحها، قال تعالى: «وكان فى المدينة تسعة رهط يفسدون فى الأرض ولا يصلحون» فكان عقاب الله أن عاقب شعب ثمود أجمعين، قال تعالى: «فأخذتهم الرجفة فأصبحوا فى دارهم جاثمين».. «القاتل - والمحرض - والمخطط - والشامت - والراضى - والساكت» كلهم أخذهم العقاب وحل بهم العذاب فلنحذر من فعل المنكر وإشاعته ونشره والسكوت عليه!!.
من المؤكد أن البشر فيهم «الطيب والوسط والخبيث» وتشترك فى ذلك الأمم كلها، غير أنها تتفاضل بنسبة أهل هذه الأصناف الثلاثة بعضهم إلى بعض، والأمة التى يكثر فيها العنصر الطيب وتكون له الكلمة النافذة والتوجيه المطاع فى المجتمع تكون من أكرم الأمم ويعم فيها الخير ويستتب الاستقرار، ولهذا قال النبى فيما قرره من حقائق: «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم فى الجاهلية خيارهم فى الإسلام إذا فقهوا».
وصدق الأولون حين قالوا: «إن ساءت أخلاقنا حسنت أخلاق الخدم وإن حسنت أخلاقنا ساءت أخلاق الخدم».