تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
المتتبع لجذور الأزمة اليمنية الشائكة، والتي ما زالت تداعياتها مستمرة حتى اللحظة- ومدى تحرك المملكة العربية السعودية بشكل حاسم في هذه الأزمة، لا بد وأن يدرك أن المسألة ليست مجرد نزاع عسكري بين دولة بحجم السعودية وبين ميليشيات مسلحة، سلمت نفسها لأهواء الشيطان، مثل جماعة أنصار الله،اليمنية، أو المعروفين بالحوثيين نسبة إلى زعيمهم عبدالملك الحوثي.
فإن للأزمة أساس عقائدي تم التأسيس له من ما يزيد على ثلاثين عاما بعد نجاح ما يعرف بالثورة الإيرانية وإنهاء حكم الشاه في عام 1979م، فمنذ تلك التاريخ وإيران تحاول استعادة حلمها الفارسي للاستحواذ على دول المنطقة المجاورة وبالأخص المملكة العربية السعودية.
ولم تتوقف إيران، الدولة والمرجعية، عن تنفيذ مخطط التشيع في العالم العربي بل والعالم الإسلامي، حيث بدأت تتوسع في نشر المذهب الشيعي في عدد من البلدان الأسيوية والأفريقية كما امتد ذلك إلى أمريكا اللاتينية أيضا.
فقد استغلت الدولة الإيرانية الحاجة والعوز لبعض الفئات الفقيرة ماديًا وعقائديًا والتي رأت أنه يمكن شراؤها بحفنة من المال ليعتنقوا المذهب الشيعي، كما يحدث تماما في عمليات التنصير التي تجوب الدول الأفريقية.
وهنا استطاعت إيران أن تفرض طوقا شيعيا وأن تكون لها اليد الطولى مما أعطى لها قوة إقليمية لا يستهان بها، فقد هيمنت على العراق بشكل كامل، كما لها في لبنان ذراعا سياسيا وعسكريا متمثلا في حزب الله، كما أن سوريا حليف وثيق لإيران، ولما أرادت أن تنفذ إلى دول الخليج، فلا يخفى على أحد تدخلها الصريح في مملكة البحرين وتأليب شيعة البحرين على النظام الحاكم هناك وإثارة الفتنة من وقت لآخر، إلا أن السعودية وقفت بالمرصاد وبكل حزم تجاه هذه التحركات الإيرانية في منطقة الخليج.
وبالرغم من ذلك لم تهدأ إيران ولم تتوقف عن مساعيها بالتحرش بالسعودية، فقد اتجهت واستغلت شيعة اليمن الجارة المباشرة للمملكة؛ لتذرعهم كأيدٍ إيرانية لها في مواجهة المملكة، وبالفعل نجحت في ذلك وسيطرت على الشيعة (الزيدية) في اليمن وهي تختلف عن الشيعة (الإثنى عشرية) وهي شيعة إيران وهي الأكثر عصبية في الطوائف الشيعية.
فقد استطاعت إيران تحت إغراءات المال والعتاد العسكري العبث في الأفكار الزيدية وتحويلها إلى طائفة الشيعة الإثنى عشرية ومثل هذا الاتجاه جماعة "الحوثي" في اليمن.
ولا شك أن إيران تدعم شيعة اليمن لعدة أسباب استراتيجية، منها أنها تدعم الضغط الذي تعانيه المملكة من الشيعة الموجودة في المنطقة الشرقية بالسعودية، في الوقت الذي تتمركز فيه شيعة اليمن (الحوثيين) على الخط الحدودي بين اليمن والسعودية، ومن جانب آخر فإن إيران تحاول تخفيف الضغط على نظام بشار الأسد في سوريا التي تقف المملكة مع الشعب السوري في ثورته ضد نظام الأسد.
من هنا فإن الاعتداءات المتكررة من قبل جماعة الحوثيين ضد المملكة تقف إيران خلف الستار في تلك الأحداث.. إلا أن كل القرائن والأدلة تكشف عن تورط إيران في تقديم الدعم المادي والعسكري واللوجيستي لجماعة الحوثيين للاستمرار في معاركهم العسكرية ضد قوات التحاف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية.
ولعل الاعتداءات على نجران ومكة المكرمة بصواريخ باليستية يكشف عن مدى الأحقاد التي تدفنها إيران تجاه "السنة" من المسلمين في العالم العربي والإسلامي وفي القلب منها المملكة العربية السعودية، إذ ما معنى أن يتم استهداف مكة المكرمة وبيت الله الحرام من قبل جماعة كالحوثيين؟!!
إن مكة المكرمة وما فيها من مقدسات وأماكن مطهرة وكمدينة يقيم فيها المسلمين شعائرهم على مدار العام كيف لهؤلاء أو غيرهم التفكير في النيل منها؟!!
إن العناية الإلهية التي تسبق كل شئ هي التي تحمي مكة والمدينة أطهر بقعة عند المسلمين في كافة أنحاء المعمورة، ولما لا وقد قال جد رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالمطلب "للبيت رب يحميه".
وبالرغم من ذلك فإن الدفاعات الجوية للملكة نجحت في كل مرة التصدي لهذه الاعتداءات والتي كان آخرها في نوفمبر الماضي، حيث نجحت في إسقاط صاروخ أطلق من صعدة باليمن من قبل "الحوثيين" وتم تدميره على بعد 65 كيلو متر من مكة المكرمة.
وهنا يجب الإشارة أن من ضمن الصواريخ التي أسقطتها دفاعات المملكة صاروخا باليستيا، والصاروخ الباليستي له قدرة هائلة على إصابة الهدف بعيد المدى بأقل تكلفة وأقل وقت إذا ما قورن بالطائرات لنفس الغرض، كما أنه له أنواعا مختلفة من الرؤوس الحربية، منها الكيميائية والنووية والبيولوجية.. ومن هنا ندرك جيدا حجم الإصرار على استهداف المملكة العربية السعودية، كما ندرك جيدا أيضا لماذا تصر المملكة على المضي قدما في وجه المشروع الفارسي مهما كلفها.
ولا يخفى على كل صاحب عقل أن مكة المكرمة تمثل الرمزية التي يسعى الحلم الفارسي أن يقضي على كل ما له علاقة بالمسلمين السنة وشعائرهم، ولا يخفى على أحد المناوشات التي يقوم بها الإيرانيون في موسم الحج من كل عام للتشويش على أعظم وأكبر مؤتمر بالعالم يضم ملايين المسلمين من كافة أنحاء الكون، طوافين حول البيت الحرام، ساعين بين الصفا والمروة، واقفين على جبل عرفات.
إن العتاد العسكري الذي بيد "الحوثيين" كشف عن الوجه الإيراني الحقيقي، والذي لم يعد خافيا على أحد، فقد أصبح اللعب على المكشوف، واختارت إيران التحدي، مستغلة الأزمات التي يمر بها العالم العربي لتمثل الثغرة الكبرى لها، والمنفذ الأكبر لتنفيذ مخططها الكبير ورسم الخريطة الفارسية لها.
ومع كل ما تقدم، وبالرغم من إعلان الهدنة أكثر من مرة، إلا أن الاختراقات التي تقوم بها "جماعة" الحوثيين تضطر المملكة لمواصلة مساعيهم لفرض عدم الاستقرار وتهديد الأمن والسلم في المنطقة، رغم حرص المملكة على الحل السلمي وعودة الشرعية للبلاد.