السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

فلسفة وجوهر عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعالج الفكر الاقتصادى العالمى مسألة توفير مقدمات التنمية بطريقة تحاول فى نظرنا تكريس التخلف والتبعية. وهذا أمر طبيعى من جانبه. غير أنها تُقدم أحيانا فى صور جذابة تلقى صدى حتى لدى بعض الفئات الاجتماعية فى البلدان النامية نفسها. إن بعض الاقتصاديين يرون مثلاً أن الإصلاح الزراعى كأحد قطاعات الاقتصاد وإن يكن يوفر زيادة فى المنتجات الزراعية نتيجة اعتماده على التكنولوجيا المتطورة فى مجال الزراعة والتى يترتب عليها الاستغناء عن الأيدى العاملة فى هذا المجال، وهو بذلك يزيد عدم المساواة فى التنظيم ويعدم الإحساس بالأمن فى المعيشة -هذا الأمر كان يوفره النظام الاقتصادى والاجتماعى التقليدى. وهو يعنى ما يترتب على الإصلاح الزراعى عادة من ازدياد التمايز الاجتماعى والبطالة فى الريف، وهى نتيجة حقيقية. لكنها يجب أن ترتبط بعملية التنمية الشاملة التى لا تلبث أن تستوعب بالصناعة فائض العمالة الذى (تحرر) فى الريف.
وبالفعل فإنه يكون من شأن عملية التنمية التى تعتمد على التصنيع تفريغ الهيكل الإنتاجى وتغييره تغيراً جذرياً. فعملية التصنيع تتخطى فى الواقع حدود بناء الصناعة. إنها تحدد بالتدريج عمليات إعادة بناء القطاعات الرئيسية وإنشاء القاعدة المادية والتكنيكية للاقتصاد. ويدخل فى ذلك عملية تشكيل الهيكل الاجتماعى وتصحيح مكان ودور الاقتصاد القومى فى إطار الاقتصاد العالمى.
فالتصنيع هو جوهر عملية التنمية وهو فى الوقت ذاته محور السعى للاستقلال الاقتصادى. ولقد يقال إن جوهر التصنيع هو إعادة بناء الاقتصاد القومى على النحو الذى يكفل تحويله إلى أساليب الإنتاج الآلى. لكن الأدق أن يقال إن تطوير وسائل الإنتاج، وبشكل خاص صناعة الآلات هو جوهر التصنيع. فإن تطوير الصناعة وخاصة قطاع التجهيز بالمعدات، هو الجانب الأساسى فى عملية التنمية، ومن ثم فإن جوهر التصنيع يتمثل فى تعبئة الموارد القومية لتطوير الهيكل الاقتصادى حول قطاع تحويلى ينتج كلاً من وسائل الإنتاج وسلع الاستهلاك. غير أن الوزن النوعى المرتفع نسبياً للصناعات التحويلية فى الناتج الاجتماعى لا يضمن بذاته نمواً سريعاً فى المستقبل.
فالواقع أن عدم التناسق الهيكلى القائم فى الاقتصاد النامى كما يتمثل فى الحفاظ على الاتجاه نحو تصدير الخامات وعلى بقايا العلاقات الزراعية القديمة، لا بد أن يؤدى إلى عدم ثبات عملية النمو الاقتصادى. ومن ثم تبدو الحاجة لتأمين معدلات عالية لنمو الاقتصاد القومى بأسره. أى تبدو الحاجة لتوفير قاعدة مادية للصناعة. وذلك لتطوير إنتاج الوقود والحديد وبناء الآلات والصناعات الكيماوية والإلكترونية.
مع إيجاد القاعدة الصناعية لإنتاج وسائل الإنتاج. وهذا كله يعنى قيام صناعة متكاملة محلياً. فإن كل مشروع صناعى لا يمكن أن يعمل بنجاح إلا إذا توافر وجود جملة من المشروعات المتصلة بنشاطه تزوده بالخامات والوقود والسلع الوسيطة أو تعيد تصنيع منتجاته وتكفل له وسائل نقلها ما يعنى أن بناء مشروع صناعى واحد يتطلب عملياً وجود مجموعة متكاملة من المشروعات.
من هنا، كانت عملية التصنيع متعددة الجوانب. فهى تعيد تشكيل الهيكل الاقتصادى من خلال إعادة النمو المتوازن لفروع الإنتاج. وهى تعيد بناء القاعدة المادية والتكنيكية للاقتصاد القومى. كما تعيد تشكيل الهيكل الاجتماعى، من خلال إعادة تشكيل العلاقات الاجتماعية. ومن ثم فإنها تعيد تحديد مكانة الاقتصاد القومى داخل الاقتصاد العالمى. من خلال إعادة النظر فى نمط التخصص فى الإنتاج والتعاون الدولى.
وما دام الهدف الأساسى للتنمية هو سعادة الإنسان ورفع مستوى معيشته أكثر من كونه مجرد التقدم المادى، فإن برامج ومشروعات التنمية يجب أن تحاول إلى أبعد مدى ألا تخرق النظم الاجتماعية القائمة على السلام الاجتماعى والعدالة الاجتماعية وتكافئ الفرص بين فئات المجتمع وأفراده. بحيث يتوفر للفرد الفرصة للانتقال من طبقة اجتماعية إلى طبقة اجتماعية أعلى فى السلم الاجتماعى. الأمر الذى يتطلب من الدولة من أجل إعادة الاستقرار فى المشاعر أن تعيد تغيير بعض النظم الاجتماعية التى جرحتها الأفكار الأجنبية المنحرفة والغريبة على النظم المحلية النقية وأيضاً مواجهة الآثار التى سببتها الثورات الإرهابية بمبادئها الدينية والاجتماعية والسياسية التى فجرت الصراعات الدينية والعرقية كما حدث على سبيل المثال فى الوطن العربى من ثورات الخراب العربى التى دمرت كل شيء حسن فى هذا الوطن. وأول شيء هو الأخلاق والمبادئ والأمن. وفى هذه البيئة الاجتماعية المسمومة تصبح عملية التنمية أكثر صعوبة ويصبح وجود ما يسمى بالحافز النفسى لقبول التغيير الاقتصادى أو عملية التنمية لا يرتبط بالأساليب التكنولوجية والتكنوقراطية والإرادة السياسية وحدها. بل يجب أن تصطحب عملية التنمية وجوهرها الصناعة تحقيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الدخل القومى ويلقى الاعتراف به من قبل الجماهير. وإلا فإن الفشل فى مثل هذا التحول سوف يكون ملموساً بشكل حاد من قبل أكثر الفئات فقراً وخاصة فى الريف وفى صعيد مصر بالذات بالنسبة لحالة مصر. وهى الفئات التى تتلقى بشك وحذر شديدين كل دعوة لتحطيم نظام العلاقات الاقتصادية والاجتماعية التى مر على وجودها عقود طويلة، وإن لم تتبين جدوى النظام الاجتماعى الجديد وتحس بالفائدة التى ستعود عليها من ورائه.ولما كان اقتصاديات الدول النامية تتميز بتفاوت مستويات نمو فروعه وخاصة الصناعة. ويتضح التخلف الصناعى ليس فقط فى مستوى إنتاج المنتجات الصناعية والزراعية وإنما أيضاً فى مستوى استهلاك هذه المنتجات، وعلى سبيل المثال فإنه بينما تستهلك الدولة النامية من المنتجات الصناعية (ثُمن) ما تستهلك من المنتجات الغذائية، فإن استهلاك الفرد من الطعام فى الدولة النامية يعادل (خمس) مثيله فى الولايات المتحدة الأمريكية. ومعنى هذا أن استهلاك المواطن فى الدولة النامية من السلع الصناعية يمثل الربع من استهلاك المواطن الأمريكى منها. ومن هنا، فإن عملية التصنيع ترمى لأول وهلة لتصحيح الاختلالات الهيكلية فى الاقتصاد القومى: من سيادة الاقتصاد الطبيعى والتفاوت فيما بين إنتاج محاصيل التصدير والمحاصيل الغذائية، واحتياجات الغذاء المتزايدة وعجز الزراعة عن تلبيتها بوضعها الراهن وأيضاً نقص الخامات الزراعية اللازمة للصناعة، وذلك مع عجز الصناعة بدورها عن تقديم مستلزمات الإنتاج ومنافذ التسويق للزراعة. ولذلك، فإن نجاح التصنيع يتوقف بالدرجة الأولى على تطوير الزراعة وإعادة النمو المتوازن المتكامل لفروع الإنتاج مثلما يتوقف بالدرجة الثانية على بناء قاعدة أساسية من رأس المال تضاعف إنتاجية الصناعة بالمقارنة بالزراعة. ومعنى هذا أنه ينبغى التصدى لمهمتين فى آن واحد، الأولى هى إعادة بناء الهيكل الإنتاجى، والثانية هى إعادة تشكيل الهيكل الأساسى المتنوع سواء كان ذلك فى مجال خدمة الإنتاج مثل الطرق والمواصلات والموانئ أو كان فى مجال خدمة السكان مثل المساكن والمستشفيات والمدارس وكل ما يتعلق بخدمة القوى العاملة، أو كان فى مجال الأمن. ولقد نجح الرئيس عبدالفتاح السيسى فى التصدى لبعض هذه المهام اللازمة لتحقيق عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويحاول جاهداً دفع الحكومة بكل الوسائل للتصدى لبقية هذه المهام من خلال الاجتماعات المتكررة الذى يعقدها الرئيس مع الحكومة للتصدى لكل المهام اللازمة لعملية التنمية وتحقيق مطالب وآمال الشعب المصرى العظيم.. والله الموفق وعليه قصد السبيل.