الإثنين 18 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مش آسفين يا مبارك "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نحن نعانى بالفعل، كل الطبقات فى مصر الآن تشكو من ضيق الحال، وتردى الأحوال، يتخبط الجميع فى مناخ الإحباط العام، غالبية الشعب يشعر بقلة الحيلة تجاه صعوبة الحياة، يختنق الناس بغلاء فاحش يقهرهم ويشعرهم بعدم الأمان، ولكن من العبث بمكان أن نجهل السبب الحقيقى وراء هذا وذاك، قد تكون السلطة الحالية ليست لديها الخبرة الاقتصادية والحنكة السياسية الكافية لطرح روشتة العلاج، قد تكون متخبطة هى الأخرى ولا تتخذ القرار المناسب فى الوقت المناسب، بل إنها تجهل القرارات المناسبة أصلًا، ولكن آفة حارتنا النسيان بالفعل، وهو ما جعل البعض يقول «فين أيامك يا مبارك؟» وأيام مبارك هذه يا سادة هى السبب المباشر لما نمر به الآن من اختناق، وقد تحدثنا عن سياساته الاقتصادية والزراعية والصناعية فى الحلقة السابقة، واليوم التعليم والثقافة.
التعليم فى عهده أصبح فى الدرك الأسفل من اهتمام الدولة ـ دولة بحجم مصر ـ فقد أهمل «مبارك» مع سبق الإصرار والترصد ملف التعليم، وأصبح التعليم الحكومى فى انهيار تام، رغم أن التعليم الحكومى فى السابق هو الذي أخرج لنا العلماء والأدباء والمثقفين الذين نفتخر بهم الآن، وفى كل أنحاء العالم التعليم الحكومى على درجة عالية من التقدم والقوة لدرجة أن الدول المتقدمة من النادر أن تجد فيها من يلجأ للتعليم الخاص.
مزق «مبارك» المجتمع وقسّمه من خلال التعليم، بعد أن أصبح هناك تفاوت كبير جدًا بين الأغنياء والفقراء بسبب مدارس «الإنترناشيونال» والمدارس «الحكومية»، أصبحت لدينا طبقتان فى المجتمع تبعدان عن بعضهما بعد السماء عن الأرض بسبب ذلك، من يرد أن يكتشف بنفسه تكفيه نظرة واحدة على تلاميذ مدرسة الإنترناشيونال ومدرسة حكومية، وعلى المدرسين أيضًا ونظام المدرسة، لم يدعم نظامه التعليم بتاتًا، بل إنه أمعن فى إضعافه، فأصبحت مدارس الحكومة مجرد أماكن عشوائية مثل نظامه كله، تربى البلطجية والخارجين على القانون، كما تحوى متطرفين دينيًا بسبب المدرسين الذين يبثون جهلهم كل يوم فى غياب تام للرقابة من وزارة التعليم، وبسبب المناهج التى تحتوى على مواد كافية لتحويل الأذكياء إلى أغبياء، والنوابغ إلى متخلفين.
فى عهد مبارك لم تكن لدينا لا تربية ولا تعليم، فعندما أراد «محمد علي» باشا أن يجعل من مصر دولة قوية ومتحضرة اهتم أولًا بالتعليم، وأنشأ المدارس وأرسل المصريين للتعلم فى أوروبا، واستقدم المدرسين من الخارج لتعليم أبناء المحروسة، وهو ما جعل مصر فى عهده دولة ذات ثقل فى كل الجوانب، بالإضافة لاهتمامه بالجيش، وهو ما جعل مصر فى عهده فى مصاف الدول المتقدمة ذات الريادة، وأصبح هو مؤسس مصر الحديثة.
أما خلال الثلاثين عامًا التى قضاها مبارك فى الحكم، انهار التعليم تماما وخاصة ما قبل الجامعي، وخرّج لنا جيلًا جاهلًا من الطلاب والمدرسين، حال المعلم أيضًا أصبح يرثى له، وفاقد الشيء لا يعطيه، انتشرت المدارس الخاصة التى تستنزف القوت اليومى للمصريين، لأنها تغالى فى المصاريف الدراسية دون أدنى رقابة من الوزارة والمسئولين عن التعليم، وللأسف فإن غالبية الطبقة الوسطى لجأت لهذه المدارس لأنها أفضل حالًا من المدارس الحكومية، بل إن الأهالى يخشون على أبنائهم من المدارس الحكومية التى أصبحت سيئة السمعة.
فى الولايات المتحدة الأمريكية، إن التعليم الأساسى يحظى باهتمام كبير ويعد من أولويات الدولة، لدرجة أن أساتذة الجامعات هم المعنيون بالتدريس للتلاميذ فى هذه المرحلة، أى أنهم يدرسون للأطفال، لضمان تأسيس التلاميذ بدرجة عالية وتأهيلهم للتعليم الجامعي، وعن طريق هذه المرحلة يستطيعون التقاط النوابغ والتركيز معهم بشكل خاص، لأنهم علماء الغد وهو ما يحدث فعلًا.
وفى ألمانيا، يفرزون التلاميذ من خلال المرحلة الابتدائية، من لديه مواهب فى الهندسة والرياضيات، ومن لديه نبوغ فى المواد العلمية والطب، وكذلك الأدب والشعر والفن، ومن لديه ميول يدوية أى يصلح أن يكون عاملًا ماهرًا، وبعد الفرز كل مجموعة تكون دراستها حسب ميولها، فلا يتم إهدار وقت واستنزاف طاقة التلاميذ فى مناهج ودراسة لا يستفيدون بها فيما بعد.
ولدينا تجارب الدول الفقيرة أيضًا، فى النهوض بالتعليم مثل «ماليزيا» وأمريكا الجنوبية وشرق أوروبا وشرق آسيا، لأن هؤلاء لديهم وعى بأهمية التعليم وبأنه الأساس المتين الذى يبنى أى دولة وينتشلها من التخلف والضياع والفقر.
وبسبب إهمال مبارك للتعليم دخل الإخوان على الخط، وأنشأوا مدارس إسلامية تفرض الحجاب على الأطفال، وتخلقهم فى شأن آخر، وهو التطرف والكبت وبث السموم والأفكار الشاذة فى النشء الجديد.
وإذا كان هذا هو حال التعليم فى عهده، فإن الثقافة أيضًا طالها العبث، الفكر والتنوير تم القضاء عليهما باقتدار، حيث تم استبدالهما بالفكر المتطرف الوهابي، وفرشت الأرض بالورود ومهدها لدعاة الإرهاب، فى الجامعات والنقابات والمساجد وأيضًا فى سيناء والصعيد، وشهد عهده انتشارًا «للجمعيات الشرعية» فى الصعيد والمناطق الفقيرة فى كل مكان، وفى قلب العاصمة، وكانت هى التى تنفق على الناس وتتولى أمورهم، فلم يكن تدينًا بل تطرفًا، وأصبحت الإسكندرية مدينة الثقافة والفن معقلًا للسلفيين، والصعيد والوادى الجديد للجماعات الإسلامية، والقاهرة وباقى المدن ابتلعها الإخوان، وحتى الأزهر فإن أى فكر تنويرى يتم تهميشه بل وتكفيره، فقد تراجع دور الأزهر وتبدلت أحواله خلال عهد مبارك، ولم يعد تلك القلعة التى نباهى بها الأمم. 
ولأن مبارك كان معاديًا للمثقفين، فإن حتى السينما كان تشوه المثقفين وتهين الثقافة بشكل عام، فقدمت الأفلام المثقف على أنه شخص بوهيمى حاقد «ريحته وحشة» و«مبيستحماش» لتشويه شكل وشخصية المثقف، وأصبحت الثقافة وكأنها عار ولفظ مثقف «شتيمة»، 
وقد أدركنا جميعًا النتيجة، نتيجة أن يكون عندك شعب جاهل وغير مثقف، وكانت الفترة التى أعقبت ثورة يناير كاشفة للثلاثين عامًا من الجهل، استغل فيها الإخوان جهل الشعب بجدارة، وهى كافية لنعرف ماذا فعل بنا «مبارك»، وللحديث بقية.