السلفيون: بدعة لا أصل لها.. والأزهر والإفتاء: مشروع.. والصوفية: عادة إسلامية
أتباع «برهامى»: الاحتفال حرام شرعًا.. والحاكم الفاطمى أول من ابتدعه
المؤسسة الدينية: مستحب بالكتاب والسُنة واتفاق علماء الأمة
المشيخة العامة: مسيرة مليونية زاحفة من «الجعفرى للحسين» للرد على المتشددين
تظل ذكرى المولد النبوى الشريف، كل عام، موعدًا أساسيًا للحرب بين الصوفية والسلفيين بصفة خاصة، حيث يحرم السلفيون قيادة الصوفية الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، زاعمين أنه «بدعة» لا أصل لها فى الشريعة الإسلامية!
ويأتى على رأس الرافضين للاحتفال بالمولد النبوى الشريف، من القيادات السلفية، ياسر برهامى، نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية بالإسكندرية، والذى يُفتى كل عام، على موقعه الرسمى، والمعروف باسم «أنا السلفى»، بعدم جواز الاحتفال بالمولد النبوى الشريف ولا شراء الحلوى فيه، معتبرًا إياها بدعة، ليست من الشرع في شىء.
ويشارك «برهامى» الرأى؛ مصطفى العدوى، كأحد أبناء المدرسة السلفية، والذى يقول فى فتواه، إن الرسول (صلى الله عليه وسلم)، لم يحتفل بيوم مولده، ولم يحتفل صحابتُه بعد وفاته بيوم مولده، ومن ثم فإنه «لا يجوز الاحتفال بالمولد النبوى الشريف»؛ معتبرًا أن«الاحتفال بالمولد بدعة ابتدعها الفاطميون، عندما حكموا مصر لما يقرب من ٣٠٠ عام».
أما مدرسة السلفية العلمية؛ والتى يقودها أبو إسحاق الحوينى، فقد اتفقت مع المدرسة السلفية بالإسكندرية، والتي يقودها برهامى، والسلفية المداخلة التى يقودها محمد سعيد رسلان، بشأن تحريم الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، وشراء الحلوى فيه.
وبعيدًا عن مدرسة برهامى؛ فإن باقي المدارس السلفية في مصر تتفق على تحريم الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، وتتضمن قائمة المحرمين للاحتفال بالمولد النبوى الشريف من السلفيين أيضًا، الداعية السلفى الشهير محمد حسان، الذى اعتبر أن هذا الاحتفال مجرد سهرة لا تمت للسُنة ولا الفضيلة بأى صلة.
وأضاف «حسان» فى فتواه عن المولد، «لا يستطيع أحد على وجه الأرض أن يدعى أو يزعم أنه يحب الرسول، حبًا يفوق حب أبوبكر وعمر وعثمان وعلي، رضى الله عنهم أجمعين للرسول، فهل خصص هؤلاء الأفاضل يومًا في كل عام للاحتفال به؟، لا والله ما فعلوا هذا قط، وأقول يا مسلمون هل مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم في قلوبنا أن نحتفل به يومًا فى عام؟، إن الصادق والمحب يحتفل بالرسول مع كل نفس من أنفاس حياته».
كما يجدد ناصر رضوان، مؤسس ائتلاف «أحفاد الصحابة وآل البيت»، هجومه على الاحتفال بمولد النبي، قائلًا: «اختزال محبة النبي صلى الله عليه وسلم، في حلوى ومنكرات ومخالفات، لا أصل لها في دين الإسلام، بدعوى الاحتفال بمولده، تحريف للشريعة، وتحريف لمعنى محبة الله ومحبة رسوله، لأن محبة الله والرسول تكون باتباع سنته ظاهرًا وباطنًا».
وتابع «رضوان»، قائلًا: «العروسة والحصان ليس لهما علاقة بالمولد، بل هما تخليد للشيعى، أحد حكام الدولة العبيدية، المسماة زورًا بالدولة الفاطمية، المسمى بالحاكم بأمر الله وزوجته، التى تقوم عقيدتهم على سب ولعن وتكفير الصحابة وأمهات المؤمنين، لما خرج فى موكبه هو وزوجته، وأمر صناع الحلوى بعمل تماثيل له وزوجته من الحلوى».
من جانبه؛ رفض سامح عبدالحميد حمودة، تلميذ «برهامى»، فتاوى مشايخ الطرق الصوفية، التى تجيز الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، معتبًرا إياها من باب «التخاريف التي لا أساس لها في الشرع الحنيف»؛ حيث قال على صفحته بموقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، قبل المولد بشهر كامل: «الاحتفال بالمولد النبوى الشريف بدعة أجمع عليها علماء الأمة».
على الجانب الآخر؛ لم تقف المؤسسات الدينية عاجزة أمام تحريم السلفية لاحتفال المسلمين بالمولد النبوى الشريف، حيث بادرت دار الافتاء إلى إصدار فتوى رسمية تؤكد «مشروعية الاحتفال من خلال النصوص الشرعية المختلفة، واستنادًا إلى إجماع الأمة منذ القرون الأولى لها، وإلى فعل النبى نفسه»، مؤكدة أن «الاحتفال ليس بارتكاب المعاصى، كما يزعم هؤلاء، بل هو تذكير واقتداء بالسيرة العطرة للنبى».
وقال الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، إن «الاحتفال بالمولد النبوى أمر مستحب مشروع، كونه شاهد على حب وتعظيم النبى والرسول الخاتم، وله أصل فى الكتاب والسُنة، وما درج عليه المسلمون عبر العصور، واتفق علماء الأمة على استحسانه، ولم ينكره أحد يعتد به».
وأضاف «علام» فى فتواه، أن الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، ما هو إلا تعظيم واحتفاء وفرح بالحبيب المصطفى، وهو من الأمور المقطوع بمشروعيتها؛ لأنه عنوان محبته (صلى الله عليه وسلم)، والتى هى ركن الإيمان، موضحًا أن المراد من الاحتفال بذكرى المولد النبوى يقصد به تجمع الناس على الذكر، والإنشاد فى مدحه والثناء عليه (صلى الله عليه وسلم)، وإطعام الطعام صدقة لله، والصيام والقيام؛ إعلانًا لمحبة سيدنا رسول الله، وإعلانًا للفرح بيوم مجيئه الكريم إلى الدنيا.
واستندت الفتوى الرسمية، على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوى الشريف بالكتاب والسُنة، واتفاق علماء الأمة، لقوله تعالى (وذَكرهم بأيام الله)، لافتة إلى أن تلك الأيام تشمل «أيام نصره لأنبيائه وأوليائه، وأيام مواليدهم، وأعظمها قدرًا مولد الحبيب المصطفى والنبي المجتبى، وقوله تعالى أيضًا: (قل بفضل اللَه وبرحمته فبذلك فليفرحوا)؛ مشيرة إلى أن النبى هو الرحمةُ العظمى إلى الخلق كلهم.
كما استدلت الفتوى بحديث النبي (صلى الله عليه وسلم)، عن فضل صيام الإثنين، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): «ذاك يوم ولدت فيه»، مؤكدة أن فى ذلك إيذان بمشروعية الاحتفال بصوم يوم مولده.
وفيما يتعلق بإجماع العلماء؛ ذكرت دار الإفتاء ما نقله عددٌ من أئمة الأمة الإسلامية، منه ما نقله الإمام الحافظ أبو شامة المقدسى، فى كتابه «الباعث على إنكار البدع والحوادث»، والحافظ السخاوى في «الأجوبة المرضية»، والحافظ ابن ناصر الدين الدمشقى، فى كتابه «جامع الآثار فى السير ومولد المختار»، وغيرهم.
ولفتت الفتوى، إلى أن الأمة الإسلامية درجت منذ القرنين الرابع والخامس، من غير نكير، على الاحتفال بمولد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، بإحياء ليلة المولد بشتى أنواع القربات، من إطعام الطعام، والصيام والقيام وتلاوة القرآن، والأذكار وإنشاد الأشعار، والمدائح في رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
من ناحيتها؛ أكدت وزارة الأوقاف، أن ميلاد الرسول كان حدثًا فارقًا في إخراج الأمة من الظلمات إلى النور، ومن الكفر إلى الإيمان والوحدة، ومن التشتت إلى الاجتماع، ومن الجهل إلى العلم، مشددة على ضرورة التعلم من سيرة النبى محمد، واتباع منهجه القويم، وخلقه العظيم، لتستعيد الأمة مجدها.
وقال الشيخ نشأت زارع، إمام وخطيب بوزارة الأوقاف، إن تكرار هجوم السلفية وتحريمهم الاحتفال بمولد النبى، إنما هو تكرار لمحاولات نجدها كل عام، لشغل المسلمين عن مضمون الرسالة العظمى، معتبرًا أن هؤلاء شيوخ الكراهية والعدوانية، يخرجون علينا كل عام، لا يشغلهم إلا نشر الكراهية والعداء للآخر، فيقولون بعدم جواز تهنئة المسيحى، أو الاحتفال بالمولد النبوى، ليشتتوا الأفكار عن النهوض والتقدم والرسالة السامية التى أتى بها النبي للتعارف والتعايش والتكامل.
بينما أكد الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن الاحتفال بالمولد النبوى ليس بدعة، وأنه (صلى الله عليه وسلم) كان فى طليعة المحتفلين، حينما سئل عن صيامه يوم الإثنين، أجاب أنه يوم ولد فيه، فكيف بنا نتجاهل ونغفل يوم مولده الشريف.
وحول المحرمات والنواهى التى قد تقع من البعض فى ذلك اليوم، قال «هاشم»: «نحن نتدارس السيرة النبوية، ونتلو القرآن، ونشرح الأخلاق النبوية المشرفة، وكل هذا ليس فيه شىء محرم»؛ مشددًا على أن الاحتفال الذى تقيمه الطرق الصوفية، وما عليه المسلمون، يقوم على العبادة والطاعة ومجالس الذكر، وليس كما يروج هؤلاء بأنه مخالفة ومعصية».
يشار إلى أنه؛ ومع اقتراب الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، تستعد الطرق الصوفية المصرية كعادتها كل عام، للاحتفال بالمولد، من خلال فتح مقراتها بجميع المحافظات، وساحات مساجد آل البيت، وساحات مساجد أقطاب الصوفية، على مستوى الجمهورية، مثل: ساحة سيدى عبدالرحيم القنائى بمحافظة قنا، وساحة سيدى العارف بالله فى سوهاج، وساحة أبى الحسن الشاذلى بالبحر الأحمر، وساحة السيد البدوى بطنطا، وساحة أحمد الدسوقى بكفر الشيخ، وغيرها من المساجد التى بها أضرحة ومقامات لكبار مشايخ السادة الصوفية.
ويقول الشيخ جابر قاسم، وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية، إن الاحتفال بالمولد النبوى عادة إسلامية، وليست صوفية فقط، وذلك من خلال قراءة الأذكار الصوفية، ونحر الذبائح عند مساجد آل البيت، وإقامة حلقات الذكر الصوفية، والتى يأتى إليها كبار المنشدين الصوفيين، أمثال الشيخ ياسين التهامى، والشيخ أمين الدشناوى، وفرقة الإنشاد الصوفية العالمية الأخوة أبوشعر، وغيرهم ممن يمدحون فى مولد خير البرية، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم).
وأضاف «قاسم»، لـ«البوابة»، أن احتفالات هذا العام ستبهر الشعب المصرى، بمسلميه وأقباطه، على حد سواء، وذلك لأن هناك احتفالات كبرى ستشهدها كل محافظات ومراكز الجمهورية، احتفاءً وابتهاجًا بمولد الصادق الأمين، لافتًا إلى أن المشيخة العامة للطرق الصوفية، بتوجيهات من وزارة الأوقاف، ستفتح مساجد ومزارات آل البيت، أمام جموع الشعب المصرى، للاحتفال بمولد النبى الأعظم، الذى يحل علينا فى وقت نحتاجه فيه، خاصة أن بلادنا مصر تمر بأزمة حقيقية.
فى السياق ذاته؛ أوضح الدكتور علاء أبوالعزائم، رئيس الاتحاد العالمى للطرق الصوفية، أن الاتحاد بدأ الاحتفالات مبكرًا، من خلال إقامة عشرات الاحتفالات التى يأتى إليها مريدو الصوفية وغيرهم، من كل حدبٍ وصوب، للمشاركة فيها، وذلك فى عدد كبير من محافظات الجمهورية، وعلى رأسها: سوهاج، قنا، أسوان، الإسماعيلية، الإسكندرية، مرسى مطروح، السويس، العريش، المنوفية، الغربية، الشرقية وغيرها من المحافظات.
وقال «أبو العزائم»، لـ«البوابة»، إن احتفال الصوفية بالمولد النبوى يأتى فى إطار إحياء ذكرى رسول الله فى الأمة المحمدية، حتى لا تندثر ذكراه أبدًا، وهذا يجعل الأجيال تعرف من هو رسول الله، وهو ما يعود بالخير على الأمة الإسلامية، وخاصة الشباب، والأطفال الذين لا يعرفون عن النبي صلوات الله عليه، إلا القليل، وعلى ذلك فالاتحاد سيعقد طيلة أيام الاحتفال بالمولد النبوى، بعقد سلسلة ندوات تعريفية تحت عنوان: «محمد رسول الله إلى البشرية جمعاء»، وذلك بهدف تسليط الضوء على مولد النبى وأخلاقه، وكيف كانت معاملاته للناس، حتى يتعلم الجميع منه (صلى الله عليه وسلم).
في السياق ذاته؛ قال الشيخ محمد عبدالخالق الشبراوى، شيخ الطريقة الشبراوية، إن احتفالات الصوفية بمولد خير البرية لن يستطيع أحد من السلفية أو جماعات التكفير، منعها، لأن هذه الاحتفالات تقيمها الصوفية والشعب المصرى منذ مئات السنين، مشددًا على أنه لن يستطيع أحدٌ محوها أو تخريبها أو إشاعة الفوضى فيها.
وتابع «الشبراوى»، بأن احتفالات الصوفية هذا العام تختلف عن الأعوام السابقة، حيث سيشارك الصوفية، من دول العالم الاسلامى، مثل: ماليزيا، إندونيسيا، باكستان، الشيشان، المغرب، الجزائر وتونس، فى هذه الاحتفالات، التى ستنطلق من أمام مسجد صالح الجعفرى بالدراسة، إلى مسجد الإمام الحسين، فى مسيرة مليونية.
في سياق ذى صلة؛ اعتبر عددٌ من الشيعة المصريين، أن فتاوى شخصيات ورموز الدعوة السلفية، المحرمة للاحتفال بميلاد النبى، «جريمة تستوجب عقابًا قانونيًا من الدولة»، لما فيها من محاولة لشق الصف الإسلامى، خاصة أن الاحتفال يحظى باجتماع المسلمين؛ سُنة وشيعة، ويحتفي به المصريون منذ الدولة الفاطمية على أقل التقديرات.
وأوضحوا، أن الاحتفال بالمولد النبوى بدأ في عهد الدولة الفاطمية، وحتى الخليفة المستعلي بالله، حيث أمر أن يكون الاحتفال المولد النبوى من خلال صنع الحلوة وتوزيعها وإخراج الصدقات، لافتين إلى أن العصر الحاضر يشهد إجازة رسمية للعاملين بالدولة، وتنظم العديد من المجالس والندوات في مدح النبى وسرد سيرته.
وقال الطاهر الهاشمى، عضو المجمع العالمى لآل البيت، إن الاحتفال بعيد المولد النبوى الشريف متفق عليه، من قبل السُنة والشيعة، ولا يوجد أى اختلاف من الطائفتين، على الاحتفال بمولده، لأنه عيد لعموم المسلمين، مستثنيًا طائفة الوهابيين التى تحرم الاحتفال بالمولد النبوى الشريف وتصفه بالبدعة.
وأكد «الهاشمى»، أن الشيعة سيشاركون في توزيع الحلوى بشكل طبيعى، وأن مراسم الاحتفال ستبدأ بقراءة القرآن الكريم، ثم ذكر النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
بينما أعلن القيادى الشيعي محمود جابر، تنظيم احتفالات بذكرى ميلاد الرسول، موضحًا أن الاحتفال يتنوع ما بين الجلوس فى مسجد، أو داخل منزل، لاستذكار السيرة، وهو أمر لا يمكن وصفه بالخروج على الشرع أو البدعة كما يزعم هؤلاء؛ واصفًا الفتوى السلفية بالجريمة التى يعاقب عليها القانون.
وقال «جابر»، لـ«البوابة»: «الدولة المصرية تمنح العاملين في هذا اليوم إجازة مدفوعة الأجر، باعتباره عيدًا دينيًا للمسلمين، والخروج على هذا الأمر، يعد خروجًا على الدولة والقوانين المنظمة لها، وبالتالي نحن أمام جريمة يجب معاقبة مرتكبيها، لافتًا إلى أن العرف يعتبر أحد مصادر التشريع الإسلامى، والخروج عليه خروج على الدين.
وأشار القيادى الشيعى، إلى أن الشيعة سيحتفلون بهذه المناسبة، مضيفًا أن الاحتفالات، وفقًا للشرع، تكون بالتوسعة عن الأولاد في الطعام والشرب، بالإضافة الاحتفالات بالمولد النبوى، فمن يفتى بغير ذلك، ينكر أحد مصادر التشريع.