تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
عمل متواصل، وعمالة لا تمل، فالانتهاء من برج سكنى ليس بالأمر الهين، فما بالك لو كان مخالفًا للقانون وكانت أكثر من واحد بل وصلت أعدادها إلى 150 برجًا سكنيًا، جميعها بنيت على أراض مملوكة للدولة على مرأى ومسمع من الجميع، فالحى يدعى أن «لا حيلة له» وقسم الشرطة التابعة له المنطقة يكتفى بتعليق تنفيذ مئات قرارات الإزالة تحت الدعاوى والظروف الأمنية، وما خفى كان أعظم.
ففى محيط «ترعة الخشاب» الفاصلة بين حى المعصرة وحدائق حلوان، أحد أحياء منطقة حلوان الواقعة فى جنوب القاهرة، وبالقرب من كورنيش النيل، استولى مواطنون على أراض مساحتها أكثر من 21 فدانا يسمونها «أرض الشوك» -نسبة إلى النبات النامى فيها تلقائيًا- التى تحولت بفعل حيتان أملاك الدولة إلى مئات الأبراج السكنية التى تم بناؤها فى وضح النهار وأمام الجميع.
حيث تقع «أرض الشوك» بمنطقة حدائق حلوان، فهى عبارة عن مدينة سكنية تحت الإنشاء، شملت كل مخالفات البناء، فالشوارع تخالف خطوط التنظيم الذى كان يحدد مساحتها ٢٠ مترا ووصلت الآن إلى ما بين ٣ و٦ أمتار، فعندما تسير بها تشعر بأنك تسير فى مناطق ريفية قديمة، فهى أبراج تتراوح بين ١٢ و١٤ دورا على شوارع لا تتعدى ٣ أمتار، وكل ذلك بفعل العصابات التى استولت على الأراضى فى أعقاب الانفلات الأمنى فى ٢٠١١، وترجع ملكية هذه المساحات التى كانت قديمًا من أجود أنواع الأراضى الزراعية إلى محافظة القاهرة مع جمعية السلام للإسكان والبناء إحدى جمعيات الإسكان التعاونى وجمعية العاملين بالخارج، وجزء خاص بشركة المياه والصرف الصحى، ولكنها بفعل حيتان أملاك الدولة تحولت لأبراج سكنية.
حينما تضع قدميك فى تلك المنطقة تجد من يطاردك، فالترقب والمتابعة للتعرف على مطلبك، لتسمع عبارات «إيجار أو تمليك يا بيه»، فهذا هو الأمر الطبيعى، فكلهم تجار عقارات ومقاولون يبحثون عن «زبون» جاء لشراء شقة، فلم نستطع التجول بين تلك الأبراج السكنية إلا بانتحال شخصية شاب يبحث عن وحدة سكنية لزميله الذى يعمل فى الخارج وأسند له هذه المهمة الشاقة. وعلى الفور تلقفتنا أيدى تجار العقارات فى هذه المنطقة بأقوالهم المعتادة «اتفرج حضرتك وشوف» وبعد بحث دام لأكثر من ٢٠ برجا سكنيا كانت الأسعار مغرية ما بين ألفين و٣ آلاف جنيه للمتر، دون تشطيب كنوع من أنواع جر رجل «الزبون» وخاصة أنهم يقولون لا تسألوا عن أشياء إن تبدى لكم تسيئكم، فما يسيء هنا هى «التراخيص»، ليكون بمثابة طرف الخيط الذى كشف لنا كارثة «الأبراج المقامة على أراضى الدولة دون تراخيص»، ليبدأ تحقيقنا عن ملكية أرض الشوك بحدائق حلوان.
الأرض التى مساحاتها ٢١ فدانا تقريبًا، هى فى الأصل تتبع ملكية ٦٠٠ عضو من جمعية السلام للبناء والإسكان، ممن تملكوا هذه الأراضى بغرض بناء أبراج سكنية لهم، ولكن لسوء حظهم تم السطو على أراضيهم عبر عصابات أراضى الدولة التى قامت بوضع اليد عليها ثم بيعها لصغار المقاولين الذين قاموا ببناء الأبراج السكنية والإسراع فى بيعها كوحدات سكنية تمليك تحت التشطيب.
«أرض الشوك» بالمعصرة تعدياتها لا تنتهى عند الاستيلاء على أرض الدولة فقط، بل تتخطى ذلك وتتعدى على حرم الكورنيش، وبناء ١٣ دورا فوق «مواسير الصرف الصحى»، التى تمتد حتى حلوان، الأمر الذى دفع هيئة الصرف الصحى لإرسال استغاثة ومخاطبة رسمية صادرة من الإدارة المركزية لشئون محافظ القاهرة برقم ٣٢٣ بتاريخ ٢٦ يوليو ٢٠١٦ بشأن وجود تضرر من التعديات على أرض ملك الدولة حوالى ٢١ فدانا على كورنيش النيل بالمعصرة وجزء منها ملك هيئة الصرف الصحى وأملاك أشخاص آخرين، وتقديم المخاطبات والشكاوى لحى وقسم المعصرة لينتهى الأمر بتقارير تطالب بالتحرك بلا طائل، الأمر الذى ينذر بكارثة بيئية.
ويبدو أن ما يدور خلف الكواليس، أقوى من قبضة الدولة لما يشوبه من العلاقات والمصالح والبيزنس، لأنه الأكثر تأثيراً ونفوذًا على الأرض بالمعصرة، وخاصة بعد تجاهل الشكاوى العديدة التى تقدر بالمئات لكل أعضاء جمعية السلام أو حتى تنفيذ قرارات الإزالة التى بلغت أكثر من ٢٠٠ قرار للأبراج غير المرخصة و١٢ أخرى لإزالة الشوارع دون تنفيذ.
بطل هذه الأحداث يسمونه «حوت المعصرة» بحلوان، الذى يستعين بمجموعة من البلطجية والعاطلين المقيمين بالمنطقة التى تجاور الأرض من أهالى عزبة كامل صدقى أو يسمونها العزبة البحرية، وهم عبارة عن أشخاص وجماعات لا يعرفون غير السلاح وضرب النار فى حالة دفاع أى شخص عن أرضه، وبعد السيطرة على الأرض التى تزيد قيمتها السوقية على مليار و٦٠٠ مليون جنيه، تم تقسيمها بشكل عشوائى، كما تم السطو على الشوارع الداخلية بالمخالفة لكل خطوط التنظيم وتم بيعها لصغار المقاولين الذين قاموا بالبناء دون أى تراخيص.
وتم استخدام بعض المنتمين للأعراب لبسط النفوذ وفرد العضلات على أصحاب الأراضى والملاك الأصليين، الذين لا حول ولا قوة لهم سوى التمسك بالقانون، للحصول على حقوقهم التى ضاعت تحت سطوة النفوذ وأصحاب المال ممن يسعون للحصول على الحصانة البرلمانية.
المعاينة على الطبيعة كشفت بناء الأبراج السكنية على شبكة مواسير الصرف الصحى لمناطق حدائق حلوان، الشعبى البسيط، بالمخالفة لخط التنظيم الذى يحدد مساحات وأماكن الشوارع، ولكن الرشاوى وفق المعلومات المتداولة على ألسنة الأهالى تشير إلى أنها بلغت ٥٠ ألف جنيه للتستر على المحضر الواحد بمجموعة من الحيل، فمرة بسرقة المحاضر أو تغيير الأسماء الحقيقية بوضع أسماء لأشخاص متوفين بدلا منهم، فيتم ذلك مقابل امتلاك شقة على كورنيش النيل.
هذه الحيل تم اكتشافها من قبل محرريها باستدعاء كل المحاضر المحررة بنيابة حلوان، بحى المعصرة على مدار ٢٠١٥ و٢٠١٦ تثبت أنه تم تغيير الأسماء المحرر ضدها البلاغات، ودونت أسماء أخرى عن طريق محاضر المعاينات الوهمية، حدث هذا مع كل المحاضر التى حررت ضد شخص بعينه على مدار العامين الماضيين.
مئات الشكاوى بلا جدوى
الشكاوى المقدمة ضد «تاجر عقارات» قام بمساعدة آخرين وتلاعبوا فى أوراق رسمية على أملاك المواطنين من ملاك جمعية السلام، وتحايلوا على الملاك الأصليين وقاموا بعمل البنايات الخرسانية أمام مرأى ومسمع حى المعصرة الذى يقف مكتوف الأيدى، بل ويوجه له الأشخاص المتضررون أصابع الاتهام بالتواطؤ مع أحد رجال الأعمال الذى يحمى المكان بالبلطجية والخفراء المسلحين، كما يمتلك المال ويسخره فى الاستعانة بمجموعة من العاطلين فى التوقيع على الأوراق والتعاقدات بدلا منه حتى تتوه الحقائق ويمتلك هو الأرض من الباطن.
تاجر العقارات هو من تمكن من إحباط تنفيذ ٢٠٠ قرار بالإزالة بفعل العلاقات للحصول على جملة واحدة تمنع تنفيذ «الإجراءات الأمنية».
ويستعين حيتان أراضى المعصرة، بأشخاص تتولى التوقيع على الأراضى مقابل ٢٠٠ ألف جنيه للقطعة الواحدة، أو الاستعانة ببعض الأعراب من المنطقة المجاورة والتى تسمى عزبة كامل صدقى المشهورة بالعزبة البحرية، وهم أشخاص مسلحون يعترضون من يقترب من الأرض، وقد يدفع حياته ثمن الدفاع عن أرضه التى يمتلكها، كما تكشف المستندات الموجودة طرفنا أن الشكاوى المقدمة لمكتب نائب المحافظ للمنطقة الجنوبية لم تصل لأى نتائج، واكتفت بتحرير مجموعة من التوصيات التى من المفترض تنفيذها تجاه المخالفات بمناطق أرض جمعية السلام وجمعية أرض العاملين بالخارج وأرض تابعة لشبكة الصرف الصحى.
قرارات بوقف أعمال البناء.. والعمل لا يتوقف
الغريب أنه صدرت عشرات القرارات منها مخاطبة مأمور قسم شرطة حلوان بمكاتبة رسمية تحمل رقم ٩٦٣ لإيقاف الأعمال المخالفة والمقامة دون ترخيص كما طالبت بموافاة المحافظة بأسماء جميع المخالفين والتى كانت بتاريخ ٢٤ ديسمبر ٢٠١٣ ولكنها لم تنفذ.
كما تمت مخاطبة الكهرباء بالمعادى فى اليوم نفسه بمكاتبة رسمية أخرى تحمل رقم ٩٦٨ بعدم السماح بإجراء أى توصيلات أرضية وفرعية للعقارات المخالفة، الإجراء نفسه تم مع مدير عام اشتراكات مرافق المياه بحلوان، إلا أن هذه الشكاوى لم تصل لأى فائدة وباءت بالفشل، وعندما تجولنا بالمنطقة السكنية تحت الإنشاء فوجئنا بالتوصيلات الكهربائية ولا عزاء للقرارات الرسمية.
ولعل آخر الشكاوى تلك المقدمة لرئيس حى المعصرة فى فبراير ٢٠١٦ من المواطن أحمد محفوظ حول عدم تنفيذ قرارات الإزالة ووقف الأعمال المخالفة على الأرض الذى يمتلكها بموجب قرارات المحكمة النهائية وأراضى الدولة الموجودة بتقسيم جمعية السلام التعاونية التى يدور حولها تحقيقنا.
حيث يمتلك «محفوظ» عن طريق ميراثه قطعة أرض، رقم (٦٠) بمساحة ٧٩٠ مترا، كما انتقلت ملكية الأرض بموجب عقد بيع نهائى مؤرخ بتاريخ ٥/١٢/١٩٩٠ وصادر له حكم نفاذ برقم ١٩٠٣٥، كما تقع الأرض بحوض إبراهيم أفندى رقم ٣ وحوض كركور بالمعصرة كورنيش النيل وتسمى الشروق ١.
كما تقع الأرض ضمن التقسيم المعتمد التابع لجمعية السلام التعاونية الصارد بشأنها قرار تقسيم صادر من محافظة القاهرة برقم ١٠ لسنة ١٩٨٦ المشهرة برقم ١٣٧٥، وكان قد صدر للشاكى وباقى الورثة حكم بعد تأييد الاستئناف تسلم الأرض، إلا أنه فوجئ بقيام مجهولين بالاعتداء على الأرض، بل وقاموا بحفر الأرض وعمل لبشات خرسانية وأعمدة لبناء الأرض ملكهم بدون تراخيص، وعلى الفور حرر محضرًا بالقسم بتاريخ فبراير ٢٠١٦.
وكذلك المناطق المملوكة للدولة من حولها والمخصصة كشوارع وتخطيط للمنطقة السكنية، وتبين من التحريات الأولية أن المتهم قام ببناء عدد كبير من العقارات المخالفة على تلك الأراضى، والبدء فى بيعها للمواطنين بمبالغ مالية طائلة، وبمتابعة قرارات الإزالة والإجراءات الإدارية التى قام حى المعصرة باتخاذها تجاه المتعدين على أراضى الدولة وأملاك المواطنين، تبين قيام بعض الموظفين العموميين والمدرج أسماؤهم بتحريات رجال الشرطة بتغيير اسم المتهم إلى أسماء أشخاص متوفين لضمان حفظ المحاضر ضده وتعطيل أجهزة الدولة عن القيام بدورها المنوط بها فى حماية الممتلكات العامة، لحين تسكين تلك العقارات والأبراج السكنية وغل يد الدولة فى عمليات تنفيذ الإزالات.
كما تجرى عملية المماطلة والتغافل وعدم تنفيذ إجراءات قرارات الإزالة التى وصلت لقرابة ٢٠٠ قرار إزالة دون تنفيذ حتى يتم الانتهاء من تسكين الأبراج السكنية بتعاقدات من ١٢٠٠ إلى ٣ آلاف جنيه لسعر المتر الذى يصل سعره لأكثر من ٥ آلاف جنيه فى الأبراج المرخصة، ولكن تجرى هذه التخفيضات كنوع من إغراء العميل حتى تتوه المقاضاة القضائية مع ملاك الوحدات السكنية خلال تسلسل الملكية. الأهالى يقدمون شكواهم ورسالتهم لكل الجهات، ويستغيثون برئاسة الجمهورية، وخاصة بعد أن قاموا بطرق كل أبواب القانون للبحث عن حقوقهم التى سُلبت عبر شخص يمتلك المال والنفوذ لدرجة أنه يتنزع أرضهم ويقوم بالبناء عليها أمامهم وأمام الجهات المسئولة، ولم يقف القانون معهم سوى بمجموعة قرارات حبيسة الأدراج غير قابلة للتنفيذ بدعاوى ظاهرها «أمنية» وباطنها «نفوذ وسيطرة».
تجرى عملية المماطلة والتغافل وعدم تنفيذ إجراءات قرارات الإزالة التى وصلت لقرابة ٢٠٠ قرار إزالة دون تنفيذ حتى يتم الانتهاء من تسكين الأبراج السكنية بتعاقدات من ١٢٠٠ إلى ٣ آلاف جنيه لسعر المتر الذى يصل سعره لأكثر من ٥ آلاف جنيه فى الأبراج المرخصة، ولكن تجرى هذه التخفيضات كنوع من إغراء العميل حتى تتوه المقاضاة القضائية مع ملاك الوحدات السكنية خلال تسلسل الملكية. الأهالى يقدمون شكواهم ورسالتهم لكل الجهات، ويستغيثون برئاسة الجمهورية، وخاصة بعد أن قاموا بطرق كل أبواب القانون للبحث عن حقوقهم التى سُلبت عبر شخص يمتلك المال والنفوذ لدرجة أنه يتنزع أرضهم ويقوم بالبناء عليها أمامهم وأمام الجهات المسئولة، ولم يقف القانون معهم سوى بمجموعة قرارات حبيسة الأدراج غير قابلة للتنفيذ بدعاوى ظاهرها «أمنية» وباطنها «نفوذ وسيطرة».