تستيقظ مصر صبيحة كل يوم، على أزمة جديدة تنخر فى المجتمع، تبدأ صغيرة ثم تنتهى إلى قضية تهم كل أبناء الوطن. وعندما تكاد أن تنتهى، تظهر أزمة أخرى أهم وأكبر وأخطر من سابقتها!
لا أحد يعرف مَن الذى يصنع هذه الأزمات! ولا من الذى يروج لها، أو يساعد على انتشارها بهذا الشكل المخيف. ففى بعض الأحيان تكون الأزمات حقيقية، وأحيانًا أخرى تكون وهمية ومختلقة، ولا نستطيع فى غمرة البحث عن حل لهذه الأزمة الكشف عمن الذى يقف وراء هذه الأزمة، أو السيطرة عليها.
لاحظوا معى، إن أغلب الأزمات عندنا تمس المواطن البسيط، بشكل يشير إلى أنه هو المستهدف مما يحدث، بدءًا من أزمة الأرز، مرورًا بأزمة السكر، وانتهاء بأزمة المحروقات بكل أنواعها «بنزين وكيروسين وبوتاجاز» وغيرها من الأزمات التى تصيب سلعًا تعد من أهم الأمور الحياتية للمواطن البسيط، الذى لا يمكن أبدًا أن يستغنى عنها.
الغريب أننا نفاجأ أن أول رد فعل للمسئولين على الأزمة، يكون نفى وجودها، دون دراسة الأمر أو تحرى الدقة، قد يكون هدفهم من هذا الإجراء هو احتواء المشكلة، إلا أن هذا الإنكار يتسبب فى تفاقم الأزمة، فتظل تكبر وتنتشر حتى تتحول لكارثة من الصعب السيطرة عليها.
لقد حدث ذلك فى كل الأزمات، حتى أزمة الدولار ظلت شهورًا طويلة تتحكم فيها السوق السوداء ومكاتب الصرافة. والمسئولون ينفون أن هناك أزمة فى العملة الأجنبية، ثم فوجئنا بعد ذلك بقرار الدولة بتعويم الجنيه، فكان نتاج هذا التحرك هو القضاء على السوق السوداء، ولكن متى؟ بعد مرور ما يقرب من عام كامل لعب فيها تجار العملة فى السوق وعظموا من الأزمة بشكل خطير.
فى تقديرى، ومن خلال رصدى وتقييمى لما يجرى، أستطيع القول بأنّ كل ما يحدث من أزمات فى مصر ما هو إلا أزمات مفتعلة، تقف وراءها مافيا تتحكم فى الخفاء فى كل شىء، ولا يستطيع أحد السيطرة عليها، أو كشفها للرأى العام، ومن ثمّ تقديمها للعدالة.
حل تلك الأزمات ليس عصيًا كما يرى البعض، بل يحتاج إلى عقلاء، ومصر بها أساتذة جامعات متخصصون فى تدريس مادة «إدارة الأزمات»، يستطيعون أن يؤكدوا أن هذه الأزمات لها أطراف عديدة، وأن معالجتها تحتاج للسرعة والحزم معًا، فى ظل وجود العلم والخبرة، لكن للأسف الشديد، لدينا مسئولون يعالجون هذه الأزمات بكلمات براقة فى الإعلام، ويهتمون بنفى الأزمة فى بدايتها، دون إبداء أسباب مقنعة لها، ما يجعل الأزمة تتعاظم وتتفاقم.
مصر عامرة بمَن يستطيعون القضاء على مثل هذه الأزمات، نمتلك كوادر لديها علم وخبرات ومؤسسات قوية قادرة على المواجهة والعلاج، ووضع الحلول المناسبة بكل شفافية وأمانة، ولكن نحن لا نعرف لماذا لا ننجح فى حل أزمتنا بسرعة، فتستمر لفترات طويلة، مما يصيب المواطنين بالصدمة، لأن المواطن يشعر أن الأزمة لغز يصعب كشفه، ويرجعها البعض إلى عدم قدرة المسئولين على حل هذه المشكلة أو اتخاذ القرار المناسب لإنهائها.
واقعيًا، تمر مصر بأزمة اقتصادية طاحنة منذ سنوات عديدة، ولا نجد الحلول المناسبة للخروج منها، لذا علينا الأخذ بالعلم والعلماء فى حلها، وعلينا اللجوء للمتخصصين فى وأد هذه الأزمات فى مهدها، حتى نصل لحل حقيقى لأزمتنا الاقتصادية التى طالت الجميع.
إن التغلب على الأزمات ليس بالصعوبة التى يتصورها البعض، لأن مصر وهبها الله سبحانه وتعالى من النعم ما لا يعد ولا تحصى، هى تحتاج فقط إلى الرجل المناسب فى المكان المناسب، ونحتاج من الحكومة توظيف الكفاءات الحقيقية المنتشرة فى المجتمع، خاصة فى الجامعات المصرية، والاستعانة بها فى الأماكن التى تستفيد بخبراتها وعلمها، وضمها لما يسمى «فريق إدارة الأزمات» حتى توفر حلولًا سريعة لأى أزمة قد تظهر فى المجتمع المصرى، فى أى وقت، ولا يقتصر هذا الأمر على الأزمات الاقتصادية فقط، بل لا بد أن يمتد إلى الاستعانة بها فى الأزمات السياسية والاجتماعية، حتى الأزمات الأخلاقية تحتاج هى الأخرى إلى متخصصين للقضاء عليها.
انتبهوا يا سادة، فالمصريون أصبحوا فى حيرة من أمرهم، بخصوص الحكومات المتعاقبة، التى تولّت أمور البلاد، فجميعها لم تدرس بشكل جيد القرارات التى تتخذها، سواء كانت سلبية أو إيجابية، ولم يكن لديها الحس السياسى لتوقع ردود الأفعال، وأحيانًا يشعر المواطن أن هذه الحكومات كانت تعلم مسبقًا ردود الأفعال وكانت لا تفعل شيئًا سوى الانشغال بتجهيز مبررات لنفسها، لإخلاء مسئوليتها، وغالبًا ما تؤدى هذه المبررات إلى الفشل الذريع.