لأن السينما دومًا تصلح ما تفسده أيادى الحاكمين بغير أمر الله عرض المهرجان العتيق مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته الـ ٣٨ فيلمًا سعوديًا عنوانه «بركة يقابل بركة».
البترول الذى لم يصل والحماقات التى مورست والاحتقان المجانى والسخف والملاسنات التى وقعت.. كل ذلك لم يفت فى عضض القائمين على المهرجان الدولى العريق وفيهم حتمًا اثنان من النساك «يوسف شريف رزق الله» المدير الفنى للمهرجان وراهب السينما بلا منازع والسيدة الفضلى ماجدة واصف التى خدمت بلادها لسنين فى معهد العالم العربى فى باريس وتتكبد الآن عناء الهجوم البغيض- واللى فى أغلبه غير المبرر.
استقدم المهرجان الفيلم السعودى «بركة يقابل بركة» ليعرض فى مسابقة «آفاق السينما العربية» وهو قسم ابتدعه شيخ النقاد سمير فريد -أمد الله فى عمره- ليضفى لمسة جديدة على فسيفساء المهرجان واحتفائه بالإبداع العربى الناشئ.. وهذا شأن الكبار دومًا وشأن قاهرتنا التى تقهر أهلها اليوم - وعلى أكثر من صعيد- لكنها تكرم الضيف.. فخيرها كان ولايزال لغيرها.
وتطبيقا للمبدأ النبيل الذى لا نحيد عنه جاء لنا مخرج الفيلم السعودى وحل ضيفًا على المهرجان ومعه زوجته وبطلا عمله وأصدقاؤه وعرضوا فيلمهم وأداروا ندوتهم بمنتهى الأريحية وفى ظل حضور معقول نسبيًا من الجمهور المنبطح أغلبه لنموذج العربى الثرى، وهى ثقافة ولدت وترعرعت عند البعض وشكلت مع الوقت ميراثًا مقيتًا من ثقافة الانبطاح التى بدأت منذ نهاية السبعينيات.. اختياراتهم تخصهم وحدهم وانحيازاتهم لهم يدفعون كلفتها ما شاءوا وكيفما أراد بهم سيدهم وتلك قصة أخرى. قدم المخرج فيلمه ثم عرض الفيلم وأعقبته ندوة. الفيلم كان جيدًا إلى حد بعيد استلهم فيه مخرجه السينما المصرية فى أكثر من موضع وتحدث بذلك صراحة فى ندوته وهو شيء بديهى ومتوقع فمن أين له بمعين آخر وقد تربى وجدانه ووجدان غيره على أفلام السينما المصرية مغرمين ومرغمين جميعهم عليها لانعدام وجود خيارات أو بدائل قبل أكثر من مائة عام من اليوم، والتاريخ لا يكذب ولا تفلح معه حيل المحتالين.
الفيلم وجبة خفيفة على القلب والروح مصنوعة بلا أخطاء فجة ليضع المخرج نفسه على بداية طريق الفن مستلهمًا السينما المصرية والتى استحضرها بوضعه أفيش فيلم المخرج خيرى بشارة «آيس كريم فى جليم» فى فيلمه، وظهرت فى الفيلم السعودى أيضًا هند رستم فى دور هنومة الشهير وهى فى القطار ويرقبها شاهين وترقب كل ذلك بطلة الفيلم السعودى وهى من أجمل الفتيات والوشوش التى ظهرت على شاشة السينما بشكل لافت للنظر.
فى بداية لقاء المخرج بالجمهور تحدث سريعًا مقدمًا فيلمه واختتم اللقاء الذى لم يتعد الدقيقتين بقوله «نحن قادمون»، وهذا أيضًا جميل فاستقدام القائمين على المهرجان الفيلم يعنى بالتبعية سعادتهم بقدوم سينما من «مملكة» تزاحم على استحياء لتجد لنفسها موطئ قدم وتحدث حراكًا فى مملكتها أولا ليستشعره الآخر لاحقا.
فيلم سعودى يعنى بالنسبة لنا ثورة فى المملكة، ثورة ضد الظلامية والكبت والقهر ودعوة للانفتاح والحب والثورة على القيد والمفروض وكل هذا مبشر وينبئ بالخير.
فالمملكة تعنى خيرًا كثيرًا لبلادنا ولكوكب الأرض فى مواجهة داعش والأصولية والإرهاب والترويع وترسيخ قيم القبح والانغلاق وقهر الجنس البشرى، وفى مقدمته المرأة التى لها دوما نصيب الأسد من المعاناة والغبن فهى دومًا رأس الحربة وخط الدفاع وأحيانا خط الهزيمة الأول.
كل ما سبق لا يدعو للقلق أو الريبة بل نعضده ونباركه ونمد له العون ونحتفى به وندفعه للأمام وللمزيد، لكن أن يقول المخرج نصًا «سنكون لكم أندادًا فى يوم ما» بعدما قال «انتظرونا فنحن قادمون» هنا لا يبلغ فقط التحفظ مداه بل يدفع ذلك الأمر وتلك الجملة التى نطقها اللسان بتلقائية لتعبر عما يجول فى الصدر ربما لنوع من الضحك الهستيرى المتواصل المصحوب بدهشة لا من باب السخرية والاستهزاء حاشا لله وكلا ولكنها المغالطة التاريخية لتاريخ لا يكذب ولا يمكن تزويره أو لىّ ذراعه لتحقيق هلاوس هذا أو ضلالات ذاك.
السينما المصرية التى ألهمته وغيره وباعترافه عمرها الآن يجاوز المائة عام.. فإن صحت نبوءة صانع بركة وقامت السينما السعودية من غياهب الجب لتطفو على السطح بعد مائة عام من الآن وأصبح لها عمر وتاريخ على الأرض، حينئذ ستكون السينما المصرية قد جاوزت المئتى عام، فهنالك بون شاسع.
وهى ليست شيفونية بقدر ما هى حقيقة لا يختلف عليها اثنان، وبالتالى كيف تكون ندًا لسينما تسبقك بما يزيد على المائة عام؟؟!!.
اصنع سينما ما شئت.. هذا يسعدنا جدا ولعله يسعدك أنت أيضًا ويرضيك، واترك هواجس الندية تمضى لحال سبيلها ويطويها النسيان لأنها أمر محال.. دعك عزيزى من هاجس الند المحال.. غرد وحيدًا واحلم سعيدًا بسينما وليدة تتلمس خطواتها وتسير بهوادة وتروٍ.. اصنع سينماك وائت بها إلينا لنعرضها لك ونحتفى بها وبك ونشجعها ونشجعك، فثورتك مردودها لنا نحن لن تكون أبدا علينا وسينماك نصنفها ونوصفها «ثورة»
لكن إن أردت غير ذلك سبيلا وكانت لك مآرب أخرى فاعلم يا عزيزى أن «تيران وصنافير لنا».
فقط وجب التنويه والتنبيه.. احترازيًا واستباقيًا..
ولك كل التمنيات الطيبة من بلاد النيل.