لم يقدر عليها أو يقترب منها حتى مبارك بكل غباوته ونظامه الذى قام على نهب وتجريف ثروات وأصول الشعب المصرى لصالح رأسمالية المحاسيب.
لكن هذا النظام الذى جاء فى أعقاب انتفاضتي «يناير ويونيو» يفعلها وبراءة الأطفال فى عينيه.
المسرحية الهزلية لم تنته فصولها، اللعب الآن على المكشوف، واللى يتكسف من بنت عمه ما يجبش منها عيال، هكذا كان تعامل النظام مع الشعب المصرى.
تعويم الجنيه الغارق فى بحر الظلمات، رفع أسعار الوقود بكل أنواعه، موجة من الغلاء لم تشهدها مصر فى وقت قياسى، والآن بيع المرافق العامة المملوكة للشعب المغلوب على أمره.
السيدة الفاضلة الدكتورة سحر نصر وزيرة التعاون الدولى اللى عايزة مارى منيب تقولها «أنتى بتشتغلى إيه؟» طلعت علينا كما البدر فى كبرى الصحف الأمريكية بمقال أشبه بمانفستو أو برنامج عمل نظام الحكم فى الفترة القادمة.
تحت عنوان «مصر ترسم مسارًا اقتصاديًا جديدًا» كتبت الدكتورة سحر نصر، وزيرة التعاون الدولي، مقالًا فى صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، تشيد فيه بالإصلاحات الاقتصادية المصرية التي حظيت بأعلى مستويات الدعم السياسى من الحكومة المصرية، واشتملت على تخفيض دعم الطاقة وقانون الخدمة المدنية وتعويم الجنيه، وأشارت إلى أثر هذه الخطوات على النمو الاقتصادي والتنمية.
وقالت إن النمو المدفوع من القطاع الخاص هو الطريق لإطلاق إمكانات الاقتصاد.
وعن الاستراتيجية التى تتبعها الحكومة المصرية بهدف تحقيق الإصلاح الاقتصادي، أوضحت الوزيرة أن الحكومة تستهدف رفع النمو ليصل إلى ٦٪، وتخفيض عجز الميزانية إلى ١٠٪، والدين العام لأقل من ٨٨٪ من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام ٢٠١٨، بالإضافة إلى تحرير سياسة استبدال النقد الأجنبي، وزيادة أسعار الطاقة وفرض ضريبة القيمة المضافة.
وأعلنت الوزيرة عن عمليات بيع جزئية لشركات وبنوك حكومية، وشركات المرافق العامة لأول مرة، التي كانت عادة ما تستثنى من عمليات البيع كشركات استراتيجية، كما يشارك القطاع الخاص فى المشروعات الكبرى، خاصة فى مجال البنية التحتية، بهدف زيادة انخراط القطاع الخاص فى عمليات الاستثمار فى البلاد.
وختمت سحر نصر مقالها قائلة «تعمل الحكومة مع شركائها فى التنمية والشركاء الدوليين، مدفوعة بأمل الشعب المصري فى مستقبل أفضل»، وأكدت أن مصر منفتحة على المزيد من المساهمات والشراكة والنقد من كل أصدقائها حول العالم، وأشارت إلى وعي الحكومة بالتحديات المستقبلية، إلا أنها مصممة على المضي قدمًا بالإصلاحات اللازمة، والنجاح فيها».
هكذا فضحت الست سحر الليلة وبكلام مكتوب لا يحتمل التأويل، الدكتورة الوزيرة ربيبة البنك الدولى كانت أكثر صراحة ووضوحًا، بل أكثر رجولة من كل رجال الحكم الذين ينتظرون انتهاء الفرقعة، ليبدأ العمل على قدم وساق لتسليم المرافق العامة لرجال الأعمال المنتظرين هم الآخرين بداية فتح المزاد على أحر من الجمر.
لم يكتف رجال الأعمال المصريون بما نهبوه على مدار أربعة عقود حتى أصبح الوضع المصرى فى تقرير حديث لمؤسسة كريدي سويس العالمية، عن الثروة فى العالم، أكد أن مصر بها نحو ٢٥ ألف مليونير.. وأكد التقرير أن أثرى ٢٠٪ من سكان مصر يمتلكون نحو ٨٠٪ من الثروة القومية للبلاد، وأن الـ٥٪ الأشد ثراء بين هؤلاء يمتلكون ٥٠٪ من ثروة مصر. كما أشار التقرير إلى أن أفقر ٨٠٪ من الناس فى بر مصر لا يملكون إلا ٢٠٪ فقط من ثروات البلاد.
لم يكتف رجال الأعمال، وإنما ما زالوا يطالبون بالمزيد تبعًا لنظرية «البحر يحب الزيادة». لم يكتفوا باحتكار أسواق الخضر والفاكهة وفرض أسعارهم على الغلابة، لم يكتفوا باحتكار أسواق الحديد والأسمنت ورفع أسعار السكن، لتمنع عن الغلابة حق الزواج، وتصل بنسبة العنوسة إلى أرقام غير مسبوقة، حيث كشفت منظمة هولندية عن أول إحصائية لارتفاع العنوسة فى الوطن العربى وعلى رأسها مصر، و أعلنت أن فى مصر يبلغ عدد العوانس ٨ ملايين أى ٤٠٪ من مجموع الفتيات فى سن الزواج.
لم يكتف رجال الأعمال بامتصاص دماء العمال وتشغيلهم بالسخرة دون ضمانات تأمينية ودون نقابات تحميهم.
لم يكتف رجال الأعمال بطرد الفلاحين والاستيلاء على أراضيهم بالقوة الجبرية.
وعندما فكر البعض فى فرض ضرائب تصاعدية على أرباح هؤلاء الهبّاشين، انقلبت الدنيا وهدد الأباطرة بنقل أموالهم إلى خارج مصر مع أن كل أموالهم هى بالفعل فى الخارج، وقام البعض منهم بالفعل بنقل بعض استثماراتهم إلى دول عربية، منها المغرب ولبنان والإمارات العربية المتحدة، وقرر البعض الاستغناء عن عدد كبير من العمال بشركاتهم ومصانعهم. للضغط على رئيس الدولة، وتوقف الحديث عن الضريبة التصاعدية وأصبح الأباطرة يدفعون مثل الغلابة ٢٠٪ فقط ضريبة على الدخل مع الفارق أن الأباطرة لديهم من المحترفين القادرين على صياغة ميزانية تجعل من الربح خسارة تستحق الإعانة، حتى وصل رقم التهرب الضريبى إلى أكثر من ١٠٠ مليار جنيه.
لم يكتف رجال الأعمال، لكنهم الآن على موعد وبالطبع مع شركاء الخارج لابتلاع آخر ما تبقى من الثروة المصرية التى هى ملك للشعب المصرى فقط وليس نظام الحكم أو رجاله.
وهم فى انتظار ما قالته وزيرة التعاون الدولي، إن التخلص من بعض المرافق والشركات والبنوك المملوكة للدولة عبر الطرح العام، لم يعد خيارًا بل ضرورة لعبور مصر أزمتها الاقتصادية الراهنة.
وبالمناسبة لم تكن إشارة وزيرة التعاون الدولى إلى اتجاه الحكومة لخصخصة المرافق والشركات والبنوك هو الأول من نوعه، ففي مارس الماضي، أعلن محافظ البنك المركزي، طارق عامر، عن خطة لطرح حصص من بنكي القاهرة والعربي الإفريقي الدولي فى البورصة، بالإضافة إلى بيع المصرف المتحد، المملوك له بالكامل، لمستثمر استراتيجي خلال العام الجاري.
وفى يوليو الماضي، أكد عامر أن خطته للنهوض بالاقتصاد الوطنى قائمة على عدة عوامل، منها طرح بعض الأصول المملوكة للدولة فى بورصة الأوراق المالية المصرية.
كما كشفت داليا خورشيد، وزيرة الاستثمار، عن وجود خطة لبيع حصص من شركات القطاع العام فى البورصة فى مجالات مثل الطاقة والبترول والقطاع المصرفى.
وترتبط سياسة الخصخصة فى أذهان المصريين بنظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، الذي بدأه فى ١٩٩١ ومن وقتها، بدأ التفريط فى شركات ومصانع القطاع العام للمستثمرين ورجال الأعمال بأبخس الأسعار، حيث باعت خلال ١٧ سنة ٢٣٦ شركة بسعر ٣٣ مليار جنيه بينما كان يقدر ثمنها بـأكثر من ٢٧٠ مليار جنيه، ولم تقتصر الخصخصة على الشركات الفاشلة كما كانت حجة النظام وقتها، ولكنها شملت عددًا كبيرًا من الشركات والمصانع الرابحة، ولم يتبق سوى ١٣٦ شركة مملوكة للدولة بشكل كامل أو جزئى.
ويأتى اليوم الذى نشهد فيه بيع مرافق الدولة العامة ليكتمل المشهد الهزلى والعبثى قبل إطلاق رصاصة الرحمة على الشعب المصرى ويخلو الجو لحفنة من رجال الحكم مع رجال الأعمال وشركائهم الدوليين أيًا كانت ملّتهم ولو كانوا من الإخوان المجرمين.
هكذا يضحى النظام بالوطن من أجل حفنة أشرار.