بعد إقرار قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الجديد من قبل مجلس النواب، مساء الثلاثاء الماضى، بدأت المنظمات الحقوقية والتنموية فى الإفصاح عن غضبها من هذا القانون الذى وصفته بأنه لم يستطع التعبير عن أحلامها وطموحاتها، وذلك فى الوقت الذى أكد فيه بعض المنظمات أن هذا القانون جاء بالمخالفة لنصوص الدستور، ما دفعها للبدء فى التحرك لمواجهة القانون قضائيًا والدفع بعدم دستوريته، مثلما فعلت من قبل مع قانون 2000.
ورأت لجنة التضامن الاجتماعى بالبرلمان، أن هذا القانون يمثل انتصارًا كبيرًا لمنظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية، وأن فيه الكثير من المزايا والانحياز للجمعيات الأهلية تقديرًا لدورها، وأن القانون ينظم ويحافظ على التوازن بين حقوق الجمعيات من جانب، والأمن القومى من جانب آخر.
لذا أجرت «البوابة» تلك المناظرة بين الدكتور عبدالهادى القصبى، رئيس لجنة التضامن بمجلس النواب، ومقترح القانون، وبين حافظ أبوسعدة عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان ورئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، والذى يرى أن القانون يمثل اغتيالًا للعمل الأهلى فى مصر.
عضو «القومي لحقوق الإنسان» أكد عدم طرحه للحوار المجتمعي
حافظ أبوسعدة: القانون خطر على المجتمع المدنى ويهدد العمل الأهلى فى مصر
قال حافظ أبوسعدة، عضو اللجنة التشريعية بالمجلس القومى لحقوق الإنسان، ورئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، إن البرلمان لم يطرح قانون الجمعيات الأهلية للنقاش المجتمعى الحقيقى، وما خرج به فى شكله النهائى هو مكبل للعمل الأهلى ويعد ردة على المكتسبات الدستورية.
وأضاف أبوسعدة، فى حواره مع «البوابة»، أن القانون الجديد يغتال العمل الأهلى فى مصر، ومن الضرورى ألا يبقى على مواد تقيد الحريات، لا سيما أن قانون العقوبات يتضمن العقوبات لكافة الوقائع المخالفة للقوانين بشكل عام..
■ ما تعليقك على إقرار مجلس النواب لقانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية؟
- القانون يحجر ويصادر العمل الأهلى فى مصر، ونعتبره ردة على ما تحقق للمجتمع المدنى من مكتسبات طوال السنوات الماضية استطعنا ترجمتها فيما نص عليه الدستور المصرى الصادر فى يناير ٢٠١٤ وبالتحديد فى مادته ٧٥، التى ترجمت بشكل كبير أمل وتطلعات المجتمع المدنى.
■ كان هناك مشروع قانون مطروح للمناقشة المجتمعية منذ فترة؟
- بالفعل الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية ووزارة التضامن الاجتماعى منذ الوزير أحمد البرعى، وحتى الدكتورة غادة والى، ساهمت فى إعداد مشروع قانون وتم طرحه للحوار المجتمعى على مدار تلك الفترة، والمجلس القومى لحقوق الإنسان نظم ٣ ورش عمل حول هذا القانون حضرها كافة الأطراف المعنية سواء التنفيذية أو التشريعية أو أصحاب المصلحة من الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وكان مشروعا إلى حد كبير جيدا، لأنه خضع لكثير من السجالات بين المنظمات الحقوقية والجهات المعنية وساهم إلى حد كبير فى الوصول إلى صيغ كانت ستعد نقلة فى التشريعات المنظمة للعمل الأهلى.
■ ما أبرز السلبيات فى هذا القانون؟
- القانون يتضمن الكثير من المواد التى لم نحبذ وجودها ومن بينها على سبيل المثال المواد المتعلقة بالحبس وتقييد حرية الأفراد، لم نطلب أن تفتح الدنيا على مصراعيها دون تنظيم، لكننا نرى أن مواد سلب الحريات يجب أن تكون قاصرة على قانون العقوبات المصرى الذى لم يفوت أى تجاوز كبيرا أو صغيرا إلا ووضع له العقوبة المناسبة، ومن ثم الانتهاكات والمخالفات الخاصة بالناشطين فى مجال العمل الأهلى كان يجب أن تكون قاصرة على الغرامات والعقوبات الإدارية وما إن تطرق الأمر إلى ما يستحق الحبس فيحكم على ذلك وفق أحكام قانون العقوبات وليست العقوبات المنصوص عليها فى قانون تنظيم عمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية، لا يصح حبس أشخاص يحاولون خدمة المجتمع عبر جمعياتهم.
■ البرلمان يقول إن الجمعيات كانت منتظرة هذا القانون وأنه عبر عن كثير من آمالها وأحلامها.. ما رأيك؟
- فى الحقيقة كنا منتظرين قانونا جديدا لتنظيم العمل الأهلى، يكون بديلًا لقانون ٨٤ لسنة ٢٠٠٢ الذى جعلنا نخوض معركة استمرت طوال تلك السنوات، وهو الأمر الذى تجلى فى وجود العديد من المراكز الحقوقية غير الخاضعة لهذا القانون، لكن كنا نأمل أن يكون القانون مترجما بشكل حقيقى لروح ونصوص المادة ٧٥ من الدستور، لكن بشكله النهائى الذى صدر به فهو أزعج الجمعيات والمؤسسات ولم يرضها وكثير منها غاضب من هذا القانون، إضافة إلى أن بعض هذه الجمعيات أعلنت تحركها قضائيًا فى مواجهة القانون إذا ما صدق الرئيس عليه.
■ هل يمكن للرئيس الاعتراض على هذا المشروع؟
- المادة ١٢٣ من الدستور المصـــرى نصت على أن «لرئيس الجمهورية حق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها، وإذا اعترض رئيس الجمهورية على مشروع قانون أقره مجلس النواب، رده إليه خلال ثلاثين يومًا من إبلاغ المجلس إياه، فإذا لم يرد مشروع القانون فى هذا الميعاد اعتبر قانونًا وأصدر. وإذا رد فى الميعـــاد المتقدم إلى المجلس، وأقره ثانية بأغلبيـــة ثلثى أعضائه، اعتبر قانونًا وأصدر»، ومـــن ثم فإن القانون لا يزال أمامه فرصة واحـــدة أن يعترض عليه الرئيس ثم يعود للبرلمان، وهـــنا نطالب البرلمان بطرح القانون للمناقشة الــمجتمعية الحقيقية قبل إقراره مرة أخرى والأخذ برأى الجمعيات والمؤسسات والجهات المعنية.
■ إلى أى مدى عبرت المادة ٧٥ من الدستور عن تطلعات المجتمع الأهلى المصرى.. وكيف ترى ترجمتها فى القانون الجديد؟
- فى البداية لا بد من التأكيد على أن هذا القانون لم يخضع للحوار المجتمعى، وما نص عليه الدستور فى المادة ٧٥ يعبر بشكل كبير عن تطلعات المجتمعى المدنى لمزيد من التحرر من قيود الأجهزة الإدارية، كما أن النص كفل للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطى، وأن يكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار، وأن تمارس نشاطها بحرية، ولا يجوز للجهات الإدارية التدخل فى شئونها، أو حلها أو حل مجالس إداراتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائى، وعلى سبيل المثال فإن القانون أقر الإشهار بالإخطار لكن فى المقابل منح الجهات الإدارية الحق فى إيقاف تأسيس الجمعيات لنقص الأوراق.
رئيس «تضامن البرلمان» دعا المعارضين للجوء للقضاء
عبد الهادى القصبى: التشريع الجديد يقضى على «التمويلات المشبوهة» للمنظمات الحقوقية
أكد الدكتور عبدالهادى القصبى، رئيس لجنة التضامن بمجلس النواب، أن قانون الجمعيات الأهلية الجديد خرج متوازنا ومعبرا عن الكثير من احتياجات المجتمع المدنى، وخضع لحوار ومناقشة اجتماعية.
وأضاف القصبى فى حواره مع «البوابة» أنه لأول مرة يستقبل مجلس النواب رئيس الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية والاتحادات النوعية والإقليمية ورموز العمل الأهلى، ويتم وضع 36 مسودة طرحت من قبل وفشل من طرحها فى تمريرها بسبب الضغوط الداخلية والخارجية.
■ كيف ترون إنجاز هذا القانون وانعكاسه على أحوال المجتمع المدني؟
- هذا القانون انتظره المجتمع الأهلى فى مصر منذ سنوات طويلة، وكان هناك أكثر من ٣٦ محاولة لإقرار قانون تنظيم العمل الأهلى لكنها باءت بالفشل بسبب وجود ضغوط داخلية وخارجية وكان ذلك أيضًا فى غيبة البرلمان، لكن مع امتلاكنا أدواتنا التشريعية تمكنا من إقرار قانون متوازن، وانحزنا فيه إلى حد كبير للمؤسسات والجمعيات الأهلية لأن القانون نابع من فلسفتنا ورؤيتنا إلى المنظمات باعتبارها شريكا أساسيا وفاعلا فى تنمية المجتمع ومن ثم أعطيناها وفق هذا القانون العديد من المميزات.
■ وما أبرز تلك المزايا؟
- هذا القانون سيقضى على كافة التمويلات والمنظمات المشبوهة، والمزايا الموجودة فى هذا القانون عديدة، تبدأ من إطلاق حرية المنظمات الأهلية والجمعيات وفق ما نصت عليه المادة ٧٥ من الدستور، وأن تشهر الجمعيات بمجرد الإخطار وأن يكون لها حق اختيار مجلس الإدارة واختيار المؤسسين ووضع النظام الداخلى واختيار النشاط الخاص بها، كل هذه أمور كفلها القانون، إضافة إلى تحجيم التدخل الإدارى وتقليصه ووضع سبل للتقاضى بين الجمعيات والجهات الإدارية إذا ما أثير شيء من القضايا الخلافية بين الجهات الإدارية والجمعيات، ومن ثم فإن هذا القانون وكل بنوده أصبح تحت ولاية السلطة القضائية.
■ وماذا عن حل مجالس الإدارة؟
- نص القانون على حل مجالس الإدارة بأحكام قضائية بدلًا من حل الجمعيات ككل باعتبارها كيانا عاما يجب الحفاظ على استمراره فى أداء مهامه التى يقوم بها فى خدمة المجتمع، هنا حل مجلس الإدارة يكون عن طريق القضاء، وفى ذات الوقت نكون استطعنا المحافظة على بقاء الجمعية.
■ وما المزايا العينية والتحفيزية التى أعلنتم عن توفيرها للجمعيات بموجب هذا القانون؟
- بالفعل نصت المادة ١٦ من القانون الحالى على الكثير من الامتيازات للجمعيات والمؤسسات الأهلية، وهى امتيازات تتعلق بالإعفاءات الجمركية والعقارية، وكذلك إعفاءات على فواتير المياه والكهرباء والغاز ومعاملتها معاملة المنازل، تلك المزايا منحها الشارع لمن يعمل فى العمل الأهلى تقديرًا لمبادرته بتقديم خدماته ووقته للمجتمع والمواطنين.
■ وماذا عن التمويل الأجنبي؟
- فى البداية لا بد من التأكيد على أن مصر دولة كبيرة لها ثقلها وتحترم كافة المواثيق والمعاهدات الدولية والتزاماتها، هذا القانون بشكل عام وفيما يتعلق بالتمويل الأجنبى على وجه الخصوص فإننا التزمنا بالدستور المصرى وبما نص عليه العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، والتجربة أثبتت أن لدينا نوعين من المنظمات الدولية الأول يعمل فى مجال التنمية وهؤلاء مرحب بهم ونعمل على تيسير كافة الأمور التى يحتاجونها ونراقب عملهم فى ضوء تنفيذ أنشطتهم وفق الأغراض المحددة، لكن التجربة أثبتت أن هناك الكثير من المنظمات الحقوقية غير حكومية تعمل من أجل تحقيق أهداف وأجندات سياسية وتتخذ من العمل الأهلى ستارًا، وهذه المنظمات لا مكان لها فى مصر بعد صدور هذا القانون.
■ لكن الكثير من الناشطين فى مجال العمل الأهلى معترضون على عدم طرح القانون للحوار المجتمعي؟
- فكرة أن القانون لم يخضع للحوار والنقاش المجتمعى أمر غير صحيح، لأننا فى واقعة غير مسبوقة، فقد استقبلنا فى مجلس النواب رئيس الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية ورؤساء الاتحادات النوعية والإقليمية ورموز العمل الأهلى فى مصر، ووضعنا أمامنا ٣٦ مسودة مشروع قوانين، تم طرحها للنقاش المجتمعى منذ ٢٠١٢ وكذلك وضعنا أمامنا كافة ملاحظات الجمعيات والمؤسسات وخرجنا بهذا القانون المتوازن.
■ بعض المنظمات قالت إنها سوف تدفع بعدم دستورية القانون؟
- نحن نعيش فى دولة ديمقراطية يحكمها القانون والدستور، ودورنا هو التشريع وتجلى عملنا فى القانون الذى خرج بعد مرور الكثير من السنوات والمحاولات الفاشلة، ولدينا قضاء شامخ نزيه وحق اللجوء إليه مكفول للجميع.
■ لماذا لم ينتظر البرلمان مشروع الحكومة رغم أنه مطروح للنقاش المجتمعى منذ أكثر من سنتين؟
- يبدو أن الناس لم تعد متذكرة الدور الحقيقى للمؤسسات، وفق نص المادة ١٠١ من الدستور، فإن الاختصاص التشريعى للبرلمان، من حق الحكومة أن تتقدم بمشروعات قوانين، لكننا الجهة الأساسية المنوط بها التشريع، الحكومة قدمت ملاحظاتها باعتبارها الجهة التنفيذية لهذا القانون، وسنكون مستعدين للمراقبة على تنفيذ هذا القانون، لأن دورنا ليس قاصرًا على التشريع فقط بل والرقابة أيضًا، وذلك لضمان تمتع الجمعيات والمؤسسات الأهلية بالمميزات التى نص عليها القانون، وكذلك ضمان عدم وضع عراقيل من جانب الجهات الإدارية لم يذكرها القانون.