نشرت الصحف مؤخرًا خبرًا عن مشروع مزعوم للمصالحة بين جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وثورة ٣٠ يونيو ممثلة فى النظام السياسى الراهن الذى اكتملت أركانه بوضع دستور جديد وانتخاب المشير «عبدالفتاح السيسى» ليكون رئيسًا للجمهورية وأخيرًا انتخاب مجلس نواب بدأ أعماله بالفعل.
وعناصر المصالحة المزعومة هى الإفراج عن المعتقلين من أعضاء جماعة الإخوان وتجميد الجماعة لنشاطها السياسى لمدة خمس سنوات، بالإضافة إلى توقف الجماعة عن محاولات التحريض على النظام السياسى الذى انبثق من ثورة ٣٠ يونيو، وزعم من نشروا خبر هذه المصالحة المزعومة أنها يمكن أن تتم بمباركة سعودية.
والواضح أن نشر مثل هذه الأخبار تكشف عن الأزمة العميقة التى تمر بها جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية والتى تعانى من تشرذم غير مسبوق.
وذلك لأن هناك صراعًا حادًا بين أنصار السلمية وأنصار العنف والذى يتمثل فى ارتكاب جرائم اغتيال سواء لبعض القضاة أو لكبار ضباط الشرطة أو لبعض ضباط القوات المسلحة.
وهناك بالإضافة إلى ذلك صراعات عنيفة بين القيادات التاريخية للجماعة والتى شاخ كلهم فى مقاعدهم التى يشبثون بها والقيادات الشابة التى برزت على وجه الخصوص بعد إسقاط حكم الإخوان الديكتاتورى.
والسؤال الأساسى هنا كيف يمكن للدولة أن تتصالح مع جماعة متطرفة وإرهابية لم تتوقف عن التآمر على النظام السياسى القائم، وما زالت تواصل الإرهاب، سواء من قبل أنصارهم فى سيناء، أو عن طريق خلاياها المسلحة فى مصر؟
وكيف يمكن أن تتم مصالحة الدولة من جماعة دينية متطرفة وإرهابية لا تؤمن بقداسة حدود الوطن، بزعم أنهم يؤمنون ليس بالوطنية المصرية ولكن بالأممية الإسلامية، والتى بناء عليها سيستردون نظام الخلافة الإسلامية حيث يختار خليفة واحد (لا نعرف كيف) لكى يحكم كل العالم الإسلامى تمهيدًا لكى يصبح زعماء الجماعة - كما زعم حسن البنا - أساتذة العالم!
ولو حاولنا أن نناقش بصورة عقلانية مفردات المصالحة الوهمية المنشورة لاكتشفنا أنها تمثل فى الواقع خدعة كبرى، لأن توقف الجماعة عن النشاط السياسى لا يعنى بالضرورة توقفها عن النشاط «الدعوى» لتعاليم الجماعة ونشرها بين الجماهير تمهيدًا لتصبح هذه الجماهير - بعد أن تزيف الجماعة وعيها الاجتماعى بطرق متعددة - هى التى ستحتشد إذا أقيمت انتخابات برلمانية لانتخاب مرشحى الإخوان. وهكذا تكون البلاد أمام خطر داهم يتمثل فى دعاوى شرعية صندوق الانتخابات، والتى يمكن أن تجعل مرشحى الجماعة - بحكم تنظيمها الحديدى ومبدأ السمع والطاعة - الأكثرية فى مجلس النواب كما فعلت من قبل!
ومعنى ذلك أننا - لو قبلنا هذه المصالحة المزعومة - دولة وشعبًا نكون قد خنا المبادئ الأساسية التى قامت على أساسها ثورة ٣٠ يونيو، والتى هى الرفض القاطع للفاشية الدينية والتى أدت إلى ممارسة الديكتاتورية بصورة مفضوحة كما فعل الرئيس المعزول، محمد مرسى، حين أصدر الإعلان الدستورى الشهير والذى نصب نفسه فيه ديكتاتورًا مطلق السراح، وأراد منه أن يحصن قراراته من الطعن عليها بأى طريقة قضائية، كما أنه نص على تجميد ولاية القضاء فى الحكم ببطلان الإجراءات السياسية التى يشوبها عوار دستورى أو قانونى.
وبعيدًا عن المناقشة المنطقية للمبادرة المزعومة، لو قمنا بتحليل مضمون البرامج التليفزيونية الإخوانية التى تبث من تركيا، والتى يقدمها بعض أعضاء الجماعة لأدركنا عدم وطنية هذه الجماعة قيادة وأعضاء.
وذلك لأن هذه البرامج لا تتوقف عن الهجوم على القوات المسلحة المصرية والطعن فى شرعية حمايتها للبلاد من الفوضى غير الخلاقة بل إن أحد مقدمى هذه البرامج قرر أنه لو انتصرت «الثورة» التى ستقودها جماعة الإخوان المسلمين لإسقاط النظام الراهن، فإن أول مهمة ستقوم بها الجماعة هى - كما خرف هذا الإخوانى والذى كان المتحدث الرسمى لحزب الحرية والعدالة - تفكيك القوات المسلحة وإعادة تركيبها!
أى خيال مريض هذا؟! وأى جهل فاضح بالتاريخ الوطنى المبهر لأبطال القوات المسلحة والذين لم يتوانوا عن الدفاع عن الوطن وخاضوا حروبا متعددة آخرها حرب أكتوبر المجيدة؟!
بل إن هذا الإعلامى المزيف، وهو طبيب فاشل، اقترح بالإضافة إلى ذلك تفكيك القضاء المصرى صاحب التاريخ المشرف فى إقامة صرح العدالة فى مصر.
بعبارة مختصرة إن مشروع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية هو كما عبرنا أكثر من مرة «أخونة الدولة وأسلمة المجتمع». أخونة الدولة بمعنى تفكيك مؤسساتها وهيمنة أعضاء الجماعة الإرهابية على مقدراتها، وأسلمة المجتمع بمعنى فرض قيم اجتماعية رجعية على السلوك الاجتماعى المصرى بزعم أنها قيم دينية، مع أن ذلك غير صحيح.
ومن هنا يمكن القول إن الشعب المصرى - بعد تجربته المريرة من حكم الإخوان - لن يقبل المصالحة إطلاقًا مع جماعة دينية متطرفة وإرهابية.
eyassin@ahram.org.eg