تصاعد الرأى العام العابر إلى فكرة التجنيد الإجبارى للشباب، خصوصًا فى الآونة الأخيرة. ملامح الإيجاب فى المضى نحو هذه الخطوة تتباين من رأى لآخر، وإن وقف على هرمها خلق مزيد من الهيبة الوطنية وإثراء الشباب فى إطار الجدية واللياقة البدنية ورفع القدرات الجسدية والنفسية وتحمل تبعات حياة تتطلب صمودًا متدرجًا وخشونة نسبية، كانت فكرة التجنيد الإجبارى مثار النقاش طوال مرحلة فائتة، وإن كان النقاش حولها خجولًا وممتزجًا بين من يرى تأجيل الفكرة إلى وقت ذى صفاء ذهنى بحت، وآخرين متحمسين لهذه الفكرة لأنها تربى وتردع وتبنى. فكرة التجنيد عادت إلى الواجهة مع مفتى عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء حين دعا إليها، ولعله انطلق من مرتكز اعتبار التجنيد ضرورة دينية ومطلبًا وطنيًا ومن لوازم مرحلة متقلبة الأحداث لصيقة بالمفاجآت.
صناعة قرار كهذا تحتاج قراءة دقيقة ورسمًا صارمًا لمشروع التدريب والتجنيد كى لا تعجن الفكرة، وتدخل فيها مراوغات الإعفاء أو تنسحب للزاوية المتشددة فيستثمرها من لم ندقق فى توجهاته وأفكاره وحساباته الشخصية، وبالذات فى الوقت الذى يأتى فيه الطعن من الظهر بلا خجل، وإن كنت منحازًا لرأى شخصى سبق أن قلته فى نقاش قريب مصاحب للفكرة والخطوات، إذ كنت سعيدًا بالشروع فيها من نافذة الأحكام البديلة، ومن خلالها نعزز كثيرًا من المفاهيم المغلوطة والسلوكيات المضطربة، وإن كان هذا الرأى أيضًا فى حنين للتفكيك والتحليل والتشكيل الذكى والمتقن حتى نوازن ونمزج بين فكرة وعلاج. نذهب سريعًا مع أى فكرة ونلحق بها كل العبارات الممكنة والجمل المقدسة ونصفق ونعلن معها حماستنا الزائدة عن الحد، وهذه عاطفة لا نلغيها إنما نجزئها على مراحل، فبالتأكيد أن ثمة كثيرًا من التجارب الأخرى المستحقة أن تكون على الطاولة للنقاش والإثراء والفائدة والمساعدة فى خلق التصور المناسب، هذه التجارب ستكون خير مرشد مع رصيد الوعى المتوافر لدينا والخبرات المتلاحقة فى أكثر من دائرة ومساحة. لا يمكن فكرة كهذه أن تُرفض بتاتًا أو تكسر، إنما يفترض أن تدرس وتعود إلى الواجهة كنقاش رسمى ومن مؤسسات الدولة المعنية، على أن يحدد موعد سريع لعرض النتائج والتوصيات وتاريخ البدء من بعدها. التجنيد فكرة متاحة للتطبيق فى النموذج السعودى ولا يهم متى وهل سيكون ذلك اليوم أم غدًا. ما يهم بالضبط: كيف؟
نقلًا عن الحياة اللندنية