الإيمان بالله مقره القلب، وهى الفطرة التى فطرها سبحانه وتعالى فى خلقه، قبل أن ينزل الرسالات السماوية التى جاءت لتنظيم حياة الخلق فى المقام الأول.. لذا تعلمنا أن الله يتسامح فى حقوقه لكنه كما حرم الظلم جل جلاله على نفسه جعله بيننا محرما.. وقد جاءت جميع الرسالات السماوية واحدة فى جوهرها وإن اختلفت فى ظاهرها، أو فى التفسير البشرى لما أراده الله.. ولكن جاء الإسلام تتويجا لها فجعله الله دستورا يصلح لكل الأزمنة.. وكان أول ما نادى به العلم وإعمال العقل.. فكانت أول كلمة أنزلت على رسولنا الكريم «اقرأ».. وقد قال (ﷺ): «استفت قلبك.. والبر ما اطمأنت إليه النفس.. واطمأن إليه القلب.. والإثم ما حاك فى القلب.. وتردد فى الصدر.. وإن أفتاك الناس وأفتوك».. وهو دعوة لإعمال العقل.. ولكن ليس كما يحدث من البعض دون دراسة لعلوم القرآن والسنة التى تؤهل للاجتهاد دون الإساءة أو التعارض مع أصول الدين.. لذلك حين يحاول علماؤنا الأجلاء الاجتهاد لحل المشكلات التى نعانى منها فى مجتمعاتنا، ووضع حلول تصلح أحوالنا وتحمينا من خراب الذمم، يجب أن نستمع ونفكر ونعمل عقولنا، وندرك أن الاختلاف ليس فيما أنزله الله ورسوله ولكنه فى تفسير النص، وهو ما يبيحه الشرع.. وكما يقال: «من اجتهد وأخطأ فله أجر ومن اجتهد وأصاب له أجران».. ومن ضمن المشكلات المجتمعية التى أصبحنا نعانى منها كثيرا قيام بعض الرجال بالتلاعب بشريعة الله، من خلال تطليق الزوجة شفهيا دون توثيق وبالتالى تكون الزوجة أمام الله مطلقة وأمام القانون متزوجة!! وبالتالى تصبح معلقة لا تحصل على حقوقها كزوجة أو كمطلقة!! ولا تتمكن من أن تمارس حقها الطبيعى بالزواج من آخر بعد انتهاء عدتها..وبالتالى فإن المطلقة إذا تزوجت عرفيا بعد انتهاء العدة تكون قد مارست حقها شرعا..ولكنها تعاقب بالسجن قانونا!!..بالإضافة لما قد يسببه ذلك من اختلاط فى الأنساب!!..وقد يترتب على الطلاق الشفهى فى بعض الأحيان إنكار الزوج للطلاق بعد فترة.. بدعوى أن نيته لم تكن التطليق الحقيقى وإنما جاءت كتهديد أو أثناء الغضب!!..وهو ما نستمع إليه كثيرا فى التساؤلات التى تأتى فى البرامج الدينية طلبا للفتوى، فنستمع لبعض الزوجات اللاتى يخشون الحياة مع أزواجهن فى الحرام بعد حلف الزوج يمين الطلاق لمرات كثيرة..فى حين أن الطلاق لأكثر من ثلاث مرات يؤدى إلى التحريم!!..وقد تبنى الشيخخالد الجندى الدعوى إلى عدم الاعتراف بالطلاق الشفوى وأن يصبح التوثيق شرطا للطلاق..كذلك أيده العديد من العلماء على رأسهم العالم الجليل الدكتور أحمد عمر هاشم لأنه يرى أن الذمم اختلفت فى هذا العصر، وقد يدعى الزوج عدم طلاقه زوجته أو تدعى هى العكس..وأن الزواج قديمًا لم يكن بعقد رسمى وكان بإيجاب وقبول وشاهدين، واستحدث بعد ذلك الوثائق والتسجيل فى المحكمة بعدما خربت الذمم..وقد حاولت البحث لمعرفة أسباب رفض الكثير من الشيوخ لتلك الدعوى وتمسكهم بوقوع الطلاق الشفوى وصحته، ولكننى لم أجد أى نص من القرآن أو السنة يمنع الدولة من تقنين الطلاق ووضع التوثيق شرطا للاعتراف به!!..لكنهم يستندون على الحديث الشريف: «ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة».. كذلك لأن الأئمة الأربعة يرون أن الطلاق الشفوى يقع مادام الزوج قد تلفظ به حتى وإن كان بدون شهود..ولكن هل الحديث يتعارض مع حق ولى الأمر (المتمثل فى الدولة) من تنظيم الزواج والطلاق لحماية الأسر ومنع الضرر؟!..أم أن التقنين يحقق الهدف من الحديث وهو عدم المزاح والتهاون فى هذه الأمور بعكس ما يحدث الآن!!.. وهل إذا كانت المشكلات الحالية قد عرضت على الأئمة الأربعة بعد تغير العصر واختلاف طرق الإثبات كانوا سيؤيدون الطلاق الشفهى رغم ما يترتب عليه من أضرار وضياع حقوق؟!..وإذا كانت الدولة لم تعد تعترف بالزواج الشفهى رغم أنه الأصل فمن الطبيعى ألا تعترف بالطلاق الشفهى أيضا.. ويصبح التوثيق شرطا لكليهما.. وإذا أدرك الرجال أن الطلاق لن يقع إلا إذا كان موثقا سيبطل التلاعب بهذه الكلمة وسيتوقف الهزل كما أمرنا الرسول.. وخاصة أن التوثيق سيمنح الأطراف فرصة لمراجعة النفس وعدم التهور فى القرار والذى قد يدفع الرجل للتلفظ بكلمة الطلاق بالغضب دون أن يعنيها.. رغم أن العلماء يفتون فى هذه الحالة بأن الطلاق لا يقع لعدم وجود النية الحقيقية.. ولا يستخدمون نفس القياس أن «هزلهن جد»!!..وقد أشار شيخنا الجليل الدكتور على جمعة إلى إن قضية الطلاق الشفوى ناقشها علماء الدين منذ (١٩٢٥)..لكنه يرفض إشراك العامة فى تلك القضايا المتخصصة، والتى من المفترض أن تناقش من خلال المؤسسات الدينية لعدم إثارة البلبلة..وفى اعتقادى أن وضع التوثيق كشرط للطلاق سيحدث آجلا أم عاجلا، ولكن من حقنا كمجتمع أن نتعجل ونطالب الهيئات الدينية والعلماء الأجلاء بإنصاف النساء اللاتى يتعرضن للظلم، واللاتى تضيع أعمارهن فى البحث عن حقوقهن من رجال يعبثون بمقدراتهن.. وأطالب المجلس القومى للمرأة بتبنى هذا الأمر، وإحصاء عدد النساء المتضررات، وحل مشكلاتهن بالتعاون مع الهيئات الدينية والقضائية.. وإذا كانت الكاتبة الكبيرة حسن شاه قد كتبت قصة «أريد حلا» والتى وضعت من خلالها يد المجتمع على الجرح، فكانت سببا فى تعديل قانون الأحوال الشخصية.. لذا نطالب كتابنا بعرض الحالات المجتمعية التى تحمس علماء الدين والقانون لحسم هذا الجدل، والانتصار للعقل ولجوهر الدين.
آراء حرة
«الجندي»: يحمي النساء من هزل الرجال
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق