أبقت النتائج التي تمخضت عنها الانتخابات النيابية في الكويت باب الاحتمالات مفتوحا بشأن طبيعة العلاقة التي ستربط البرلمان الجديد بالحكومة، وهي علاقة محدّدة لمستوى الاستقرار السياسي المطلوب تحقيقه راهنا في البلاد أكثر من أي وقت مضى لتقوية الجدار الداخلي بمواجهة المتغيرات العاصفة إقليميا ودوليا، والتي طالت الكويت بشكل واضح عبر انعكاسها المباشر على أسعار النفط، ورفعها من مستويات التهديدات الأمنية.
ومع حصول المعارضة على ما يقدّر بنصف مقاعد مجلس الأمة، بحسب تقديرات بعض الدوائر المتابعة للشأن الكويتي، يغدو الوصول إلى مستوى الوفاق الذي كان قد ساد علاقة السلطتين التشريعية والتنفيذية خلال فترة البرلمان السابق، أو تجاوزه، أمرا صعبا إلاّ في حال سلك عدد من النواب طريق البراغماتية واستجابوا لعقد صفقات سياسية وآثروا الاصطفاف إلى جانب الحكومة في ما تريد تمريره من برامج ومشاريع وما تسعى إلى تنفيذه من سياسات مناسبة لطبيعة المرحلة، وفي مقدّمتها المضي في التقشّف وفرض إجراءات تحدّ من الدعم المقدّم للمواطنين.
وفي حال تأكّد أن البرلمان المنتخب حديثا ذو طبيعة تصادمية مع الحكومة، فإنّه يكون بذلك حاملا لبذور حلّه في أمد قصير، الأمر الذي يعني أنّ هدف الاستقرار السياسي المنشود من حلّ البرلمان السابق وإجراء انتخابات مبكّرة، لم يتحقّق.
ومن الإجابات القليلة التي باحت بها صناديق الاقتراع أنّ نظام الصوت الواحد الذي كان قد أقرّ سنة 2012 ونتج عنه في 2013 برلمان مساند للحكومة إلى حدّ كبير لا يستطيع دائما أن يحقّق نفس النتيجة، ولا يمثّل من ثم ضمانة للاستقرار السياسي في البلاد.
وعوّض القانون المذكور قانونا سابقا كان يسمح للناخب الواحد بمنح صوته لأكثر من مرشّح. واعتبرت المعارضة أنّ الاقتصار على صوت وحيد لكلّ ناخب يستهدف الحدّ من وصولها إلى البرلمان، وهو ما ثبت عكسه خلال انتخابات السبت التي أسفرت عن فوز ملحوظ للمعارضة بما في ذلك الحركة الدستورية الإسلامية، الممثلة لجماعة الإخوان المسلمين، فيما تراجع تمثيل النواب الشيعة إلى ستة نواب في المجلس الجديد مقارنة مع تسع نواب في المجلس السابق.
وقدر محللون عدد المعارضين الإسلاميين والليبراليين والمستقلين والقبليين في المجلس الجديد بأكثر من عشرين نائبا من إجمالي النواب البالغ عددهم خمسين نائبا في مؤشر واضح على رفض شرائح واسعة من الشعب الكويتي للقرارات التي اتخذتها الحكومة تحت مظلة البرلمان السابق ولا سيما المتعلق منها بالتقشف وتقليص الدعم المقدم للمواطنين.
وفي الكويت يتعذر تقدير أعداد المؤيدين والمعارضين بدقة في ظل عدم وجود أحزاب سياسية ومع تفضيل بعض المرشحين المنتمين لعدّة تيارات عدم الإعلان عن هوياتهم السياسية للاستفادة من الزخم القبلي والعائلي.
وقدّرت وكالة الأنباء الكويتية نسبة التغيير في مقاعد مجلس الأمة الجديد بستين في المئة مقارنة بالمجلس السابق. وسُجّلت عودة عدد من النواب المعارضين الذين قاطعوا الانتخابات التي جرت مرتين خلال السنوات الأربع الماضية فيما مني اثنان من الوزراء الثلاثة الذين اختاروا خوض غمار الانتخابات بالفشل ونجح الثالث. كما مني التيار السلفي المؤيد للحكومة بخسارة فادحة.
كما أسفرت الانتخابات عن فوز عدد من الوجوه الشابة التي تشارك للمرة الأولى في الانتخابات وحصلت على مراكز متقدمة جدا معبرة عن مفاجأة تعكس الرغبة الشعبية في التغيير.
ونجحت أيضا النائبة السابقة صفاء الهاشم وهي ليبرالية مستقلة في اقتناص مقعد وحيد للمرأة في مجلس الأمة الجدي، واكتسى فوزها طابعا استثنائيا نظرا لخوضهـا معـركة قضائيـة شـرسة أثناء الحملة الانتخابية بسبب اعتراض حكومي على ترشّحها، ولم تحسم قضيتها إلاّ أمام محكمة التمييز يومين فقط من موعد الانتخابات.
كذلك جعلت الظروف التي حفّت بالحملة الانتخابية من فوز رئيس البرلمان السابق مرزوق الغانم حدثا باعتبار الحملة الشرسة التي استهدفته، وبدا أن وراءها دوائر نافذة إعلاميا وقوية ماليا، عملت على منعه من العودة إلى قبّة عبدالله السالم، بعد أن أصبح بمثابة قائد لمعسكر مضاد لنزعات التوتير ومساند لبسط الاستقرار.
وحضر هذا المعطى بوضوح في تصريحات الغانم بعد فوزه، حيث وصف المرحلة المقبلة بالحساسة والحرجة، قائلا في تصريحات صحفية إن "أي أمر نريد أن يكون فيه تقدم أو تنمية أو تطوير لا بد له من الأساس، والأساس لأي من هذه الطموحات هو الاستقرار السياسي".
وبشأن وجود معارضة قوية في المجلس الجديد قال الغانم: "إن كل التوجهات السياسية مطلوب منها أن تبدي وجهة نظرها في قاعة عبدالله السالم، لكن يجب على الجميع أن يحاول الحفـاظ على الاستقرار السياس، وأن يكون هدفه تنمية البلد بما فيه مصلحة البلاد والعباد وليس أهدافا أخرى".