ده مش اسم غنوة جديدة بسمعها ولا بكتبها.. ده سؤال بجد أسأله لأصحابى ويسألونه لأصحاب آخرين طيلة الأيام الماضية.. ليس بسبب غلاء الأسعار.. فالأسعار فى حد ذاتها ليست مشكلة.. المشكلة ألا تجد ما تشترى به ما تحتاجه.. ولا بسبب نقص أشياء كثيرة نحتاجها بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى نعيشها.. لكننا صرنا نصحو كل يوم على ألم جديد.. وحجر جديد يخبط الرأس فلا نملك حياله سوى أن نسأل إيه ده؟ مع إننا عارفين ومن فترة ليست بالقريبة أن ذلك سيحدث حتما بالتأكيد - مش كلنا كنا عارفين - لكن من يقرأون التاريخ يعرفون.. ومن يبحثون فى الأديان يعرفون.. ومن يمتهنون الزراعة أبا عن جد يعرفون أيضا.. يعرفون أنه إذا لم تملك قوتك.. فلا رأى ولا حرية ولا حياة لك.. تلك هى المسألة.. فمالنا نلف وندور ونهرى فى كلام لا بيودى ولا يجيب.. وكأننا «أعمى بيكلم أطرش»!!
الحكاية فى كلمتين.. نحن نملك إرثا عظيما من التاريخ.. ومن موارد الطبيعة.. لكن من يديرون «الطبيعة ومواردها».. لا يعرفون التاريخ.. لا يطيقونه أو بالأحرى لهم تاريخهم ولنا تاريخ!! بعضنا قرر أن يكون اشتراكيا.. يرى ضرورة أن تمد الدولة يدها فى كل شىء.. تسيطر على كل شىء فى مقابل أن تمنحنا كل شىء.. ولنا فى تجربة عبدالناصر أسوة حسنة.. وبعضنا الآخر... يؤمن أن الدولة يجب ألا تملك أى شىء.. وألا تتحمل أى شىء.. هى فقط تراقب من بعيد.. لكن واقع الأمر أننا الآن لا هذا ولا ذاك.. وإن كنا نأخذ من التجربتين أسوأ ما فيهما.
لذلك لم أستغرب على الإطلاق.. ما رددته السيدة سحر نصر فى مقال لها بإحدى الصحف الأجنبية عن خطة الحكومة فى الأيام المقبلة.. والذى حوى لأول مرة تصريحات مباشرة لمسئولة فى الحكومة عن مشاركة للقطاع الخاص فى «المرافق والخدمات» وعن طرحها للاكتتاب قريبا.. بالبلدى يعنى شركات «الميه والكهربا والسكة الحديد والمترو وما شابه».. وأضافت الوزيرة أن «الدولة» لا تحبذ فكرة «التدخل العنيف»، عجبنى التعبير بصراحة، فى إدارة الموارد.. بالبلدى برضه يعنى هيسلمونا شافى مشفى للقطاع الخاص!!
ولا أستغرب الأمر.. ومش هولول زى اللى هيولولوا.. لأننا سنبيع ما تبقى من شركات حكومية أدارتها حكومات عبدالناصر.. أو أنشأتها.. لأننا فعلنا ذلك من بداية الخصخصة فعلا.
أما من يحسبون الأمر بمنطق أن أسعار هذه الخدمات طين أصلا.. فلما هيخش فيها القطاع الخاص إيه بقى اللى هيحصل.. وهنجيب منين.. وأحدهم قالها لى «أنا بعلم ولادى فى مدارس خاصة بفلوس.. وباركب مواصلات بفلوس.. وبدفع فلوس ميع وكهربا.. وبتعالج برضه بفلوس سواء فى العيادات الخاصة أو المستشفيات الخاصة.. والدوا كمان بفلوسى.. وبموت بفلوس وباندفن فى مقبرة برضه شاريها بفلوسى.. طيب بياخدوا نص مرتبى ضرايب عشان إيه؟!».
صديق آخر قال لى متألما بعد نشر خبر قرار رئيس الحكومة باستبعاد الحجر الزراعى من علميات فحص السلع الواردة من الخارج.. طب هما بيعملوا فينا كده ليه.. طول الليل والنهار الإعلانات مغرقة الشاشات تشحت علينا علشان نبنى مستشفيات لعلاج الفشل الكلوى والكبد والسرطانات ومش ملاحقين.. والدولة نفسها بتصرف فلوس قد كده فى العلاج بتاع الناس دى.. طيب فى نفس الوقت إزاى تسمح بدخول أقماح مشكوك فى جودتها وسلامتها.. لماذا تستبعد أحد الأجهزة الرقابية المعروفة بدقة العاملين فيها وكفاءتهم فى منع «البلاوى» من الدخول إلى أجساد المصريين.
هل يفكرون مجددا فى استيراد مواد غذائية غير صالحة - سواء كانت فول صويا للأعلاف.. يعنى تاكلها البهايم وبعدين ناكل إحنا البهايم.. أو أقماح ناكلها مباشرة لمجرد أنها رخيصة الثمن!!
فى عهد السادات.. كان عندنا حملة تسويقية فاجرة تحت مسمى «الأمن الغذائى» واستوردوا لنا الطيور الجارحة وأكلناها بالهنا والشفا.. وعلى أساس أن معدة المصريين تبلغ الزلط.. آه والله تبلغ الزلط بس كله بيطلع على جتتنا بعد كده.. ونوصل لأننا مش عارفين نشغل وحدات غسيل الكلى؟!
من الآخر.. إحنا ناويين نعتمد على شوية مستوردين نهابين لا يعنيهم سوى الربح.. وشوية رجال «سوء أعمال» يستولون على شركات الحكومة الباقية ويستغلونا... طيب ما همه لو رجال أعمال ناويين على خير.. ما بنوش كام مصنع سكر ليه بدل ما إحنا دايخين على كام قمع منه.. ما بنوش كام مضرب رز ليه؟
ما عملوش تجارب لاستنباط أصناف توفر الماء أو تبنوها مع علمائنا ليه.. ما يعملوا هما شركات جديدة.. هل يدلنى أحدكم على رجل أعمال بنى مصنعا لشىء مفيد غير البسكويت والشيكولاته؟ لا أحد سيجيب.. ولن يرد عليك أحد.. أنت قول اللى إنت عايزه.. وهما هيعملوا إللى عايزينه.. أو بالأدق اللى عارفين يعملوه.. وياريت ما تسألشى تانى.. هو إحنا ليه بقينا كده.. لأن ما حدش هيجاوب عليك.. فعلا المصرى اللى قال المثل بتاع: «أعمى بيكلم أطرش».. ده راجل عبقرى.