الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

محمد الباز يكتب: وقفة مع الشقيق القطري المريض نفسياً

د. محمد الباز
د. محمد الباز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من الخطأ التعامل مع دويلة قطر الشقيقة على الأقل بحكم الرابطة العربية على أنها منافس لمصر، تشكل خطرا عليها، فهى ليست أكثر من شقيق رزقت به الأسرة العربية على سبيل الخطأ، لم يهتم به أحد أو يعره اهتماما، فوجه طاقة شره كلها الى أشقاءه، بل باع نفسه لخصوم هؤلاء الأشقاء ليلحق بهم الضرر، مستخدما فى ذلك ثروة سقطت عليه من السماء لم يكن له أى فضل فيها، وبدلا من استخدامها فى عمل يصلح حال الأسرة، يبدده فى الاساءة اليها وإقلاق راحتها والتنكيد عليها والتنكيل بها.
هذا الشقيق الذى يعانى خللا نفسيا لن يهدأ له بال، ولن يستقر له حال، الا إذا اعترف له الأشقاء بأنه كبير وعظيم ومؤثر، ولما كان الأشقاء لا يرون فيه شيئا من هذا، فإنه سيظل على حاله من العناد والمكابرة والمؤامرة والغل والحسرة، يحطم أساس البيت، ولن يتردد فى أى لحظة عن إشعال النار به.
التعامل الصحيح مع هذا الأخ يقتضى أن ننظر له على أنه مجرد مريض نفسى، شخص معقد تماما، يعانى من خلل واضح واضطراب ظاهر، ولن أكون متجنيا عليه وأقول أنه وحده من يتحمل أسباب هذا المرض، فقد كانت مصر هى العقدة الأكبر فى حياته.
الأزمة النفسية تحاصر قطر تحديدا منذ دخولها عهد الأمير حمد بن خليفة والد الأمير تميم، الذى انقلب على أبيه بخسة ودناءة لا تعرفها حتى الأساطير اليونانية التى يأتى أصحابها بما لا يصدقه عقل أو يستوعبه ضمير، أو يخطر على عقل بشر.
كنا وقتها فى العام ١٩٩٥، حمد يستعد لدور يعتقد أنه مؤهل له بعد طرد أبيه، لكن مصر التى كانت تربطها علاقات قوية مع الشيخ خليفة والد حمد، لم يعجبها تصرف الولد الطائش، فحاولت أن تلعب دورا فى اعادة خليفة الى الحكم مرة أخرى، وهو ما جعل حمد من وقتها ينظر الى نظام مبارك كخصم لابد من القضاء عليه، وأعتقد أن الأموال الطائلة التى دفعها حمد لإنجاح ثورة ٢٥ يناير ( اعترف هو بذلك فى حوار نقله عنه الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل)، ثم لتمكين الاخوان المسلمين من حكم مصر، لم تكن الا للانتقام من مبارك شخصيا، ليس بالمساهمة فى خلعه من منصبه فقط، بل برفع خصومه التقليديين الى عرشه كيدا له وشماتة فيه.
لم يكن فى ذهن حمد الشعب المصرى ولا مصلحته، لم يلتفت الى ما ادعاه من كلام ثقيل الظل عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ليس لأنه شخصيا أبعد ما يكون عنها هو ونظامه وبلده، فلا ديمقراطية فى قطر ولن تكون، ولكن لأن الرغبة فى الثأر من مبارك أعمته تماما وحولته الى حيوان هائج، يدهس فى طريقه كل ما تمر عليه قدماه.
الأزمة لم تكن سياسية فقط، لو كانت كذلك لهان أمرها، لكنها خلفت وراءها أزمة نفسية طاحنة، تصرف مبارك جعل حمد يشعر بضآلته شخصيا وضآلة الإمارة التى يحكمها، فلو كانت قوية بما يكفى لما فكرت مصر الرسمية فى الإطاحة به وإعادة والده مرة أخرى، ولو كان لها شأن أى شأن لما تصرفت مصر فيما يخصها بكل هذه الأريحية.
قرر حمد أن يكون كبيرا، ولا أنكر أنه عمل من البداية على امتلاك أدواته، كان يمتلك المال من الغاز الذى ينبعث من أرضه دون أن يكون له يد فيه، وقرر أن يمتلك الاعلام فأنشأ قناة الجزيرة، ولم يكن زيناوى رئيس وزراء آثيوبيا السابق يخاصم المنطق والعقل عندما قال أن قطر مثل طفل صغير طائش يمسك مسدسين الأول هو المال والثانى هو الاعلام، ولن يصمت هذا الطفل الطائش الا بعد أن يدمر العالم.
كان كبر حجم مصر وتأثيرها ودورها التاريخى يؤرق قطر، يسرق منها كل حلم فى أن تكون دولة كبيرة، وبدلا من أن يعمل على نفسه ليصبح كبيرا قرر بما لديه من حيل شيطانية أن يقزم الآخرين.
لا أتحدث عن ضيق قطر ومن يحكمونها من دور مصر وتأثيرها وتاريخها من زاوية التحليل المجردة، بل لدى وقائع محددة، يمكن أن تضع أيدينا على ما يدور فى صدورهم الضيقة العفنة.
فى بداية الألفية الجديدة كانت الشيخة موزة قد استمعت الى احدى محاضرات الكاتب والباحث المصرى طارق حجى فى إحدى الفعاليات التى أقيمت فى الدوحة، سعت للتعرف عليه وحاولت أن تكون ودودة، فقد أرادت أن تكسبه كصديق.
بعد شهور كان شهر رمضان قد حل، وكانت موزة قد تعودت أن تستضيف على مائدتها التى تمتد من الإفطار إلى السحور شخصيات عربية سياسية وفكرية، تلقى حجى الدعوة ليجد نفسه على مائدة الأمير وإلى جواره الدكتور سعد الدين ابراهيم.
لخص طارق ما جرى كما حكى لى فى أحد لقاءاته معى، يقول: فى هذا اللقاء استمع الأمير من سعد الدين ابراهيم لمدح له أول وليس له آخر عن قناة الجزيرة، وفى نفس الجلسة استمع الأمير منى لنقد بالغ العنف للدور التخريبى والهدام لقناة الجزيرة التى أطلقت عليها ليلتها " قناة المريرة".
لم يكن ما قاله طارق عن قناة الجزيرة هو ما استوقفنى، كان الحوار الذى دار بينه وبين الشيخة موزة وقتها هو الأهم، قالت له: أنا لا أعرف لماذا تريد مصر أن تكون الكبيرة علينا طول الوقت، لدينا مال أكثر ولدينا كفاءات كثيرة، ولابد أن يكون لنا دور، وهو ما سنصنعه، وعلى مصر أن تتخلى عن غرورها، لأنه لن يفيدها بشئ.
لم تنس موزة أن تعرض بمصر وبما بدأت أن تفقده من تأثير ودور، ليس فى العالم فقط، ولكن فى منطقة الشرق الأوسط، أشارت الى أن مصر فشلت فى أن تحصل على تنظيم كأس العالم، وكانت النتيجة التى منيت بها فضيحة عالمية، لكن قطر استطاعت أن تحصل على تنظيم كأس العالم، لم تشر موزة بالطبع إلى الرشاوي وعمليات الفساد الكثيرة التى شابت حصول إمارتها على حق تنظيم كأس العالم ، لكنها اعتبرت ما حدث ليس نصرا لقطر فقط، ولكنه نصر على مصر بالتحديد، دون أن تلتفت الى أن الدور الحقيقى لا يمكن شراءه بالمال، فسيظل تنظيم قطر لكأس العالم أسيرا لحديث طويل عن الفساد والرشاوي وشراء الذمم الخربة.
تمسك طارق حجى بأن مصر ليست كبيرة بمزاجها، فهذا قدرها، ثم أنها دولة كبيرة بحكم تاريخها والدور الذى تقوم به، لكن يبدو أن هذا الكلام لم يعجب موزة، التى قالت لطارق: لقد انتهى زمن السمك الكبير الذى يأكل السمك الصغير، وبدأ عصر السمك الصغير الأكثر سرعة والأكثر مهارة، والذى يمكن أن يكون له دور كبير فى تحريك الأحداث ليس فى المنطقة فقط ولكن فى العالم كله.
لقد كشفت الشيخة موزة دون أن تدرى عن فلسفتها أو لنقل عن خطتها وخطة إمارتها فى إدارة الصراعات فى المنطقة، فليس مهما أن تكون قطر دولة كبيرة، وليس مهما أن يكون لها تاريخ يمثل لها ثقلا، ولكن المهم أن تكون ماهرة وسريعة، وهو تقريبا ما تفعله منذ سنوات، فهى تزعج المنطقة كلها، دون أن يستطيع أحد أن يمسك بها نظرا لسرعتها وخفتها.
حكاية أخرى لا تقل فى دلالتها عن حكاية موزة، لكن بطلها هذه المرة هو الشيخ حمد نفسه، كان فاروق حسنى وزير الثقافة السابق فى باريس، وفى ١٤ أغسطس ٢٠١٣ اليوم الذى تم فيه فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة الارهابيين، قابل فاروق الشيخ حمد الذى قال له: مصر خلاص ضاعت يا أخ فاروق، فرد عليه، مصر ايه اللى ضاعت يا سمو الأمير، مصر عمرها ما تضيع، الدول الصغيرة بس هى اللى ممكن تضيع وتختفى من الوجود تماما، مصر زى الشجرة جذورها فى الأرض وفروعها فى السماء، فرد حمد بإشارة الى الاخوان المسلمين قائلا: بس هم آغلبية، فقال له: مين هم اللى أغلبية؟ ، أنت الظاهر بتتفرج على قناة الجزيرة كتير.
لم يكن الشيخ حمد وقد أصبح وقتها أميرا سابقا يتحدث عن الواقع فيما يبدو، ولكنه كان يتحدث عن حلمه الذى راوده طويلا بأن تضيع مصر، وهو الحلم الذى دفع كثيراً من أجل تحقيقه، دون أن يستطيع الى هذا سبيلا.
لقد حلم حمد بأن يكون خليفة للمسلمين، وهذا ليس كلاما مطلقا أو مجردا أيضاً، ولكنه كلام مسئول ليبى كبير كان مندوبا لليبيا فى الأمم المتحدة عندما قامت الثورة على القذافى، هو عبد الرحمن شلقم الذى أعلن انضمامه للثوار من فوق منصة الأمم المتحدة.
يحكى شلقم فى كتابه " نهاية القذافى" قائلا: فى حفل استقبال أقامه مندوب الكويت فى الأمم المتحدة، تقدم نحوى رجل وقور، قال لى وهو يبتسم أهلا أستاذ عبد الرحمن، لقد شوقنى سمو الأمير حمد بن خليفة أمير قطر للقائك، قلت له أعرف الأمير جيدا، ومنذ سنوات طويلة، وقد وقف معنا فى حربنا ضد القذافى.
تحدث الرجل الوقور عن عمله، حيث يتولى إدارة بعض أعمال أمراء وشيوخ الخليج العربى، وقال إنه مطلع وبالتفصيل على ما قامت به إمارة قطر من أجل إسقاط القذافى، وأن الأمير كان مستعدا أن يدفع كل ثروة قطر من أجل تحقيق ذلك الهدف.
سأله شلقم عن الدافع لكل ذلك الإصرار من طرف أمير قطر على إسقاط نظام معمر؟ وهل هناك مشكلات شخصية جدا بين الأمير ومعمر القذافى؟ فرد الرجل الوقور: الأمر أبعد وأوسع من المشكلات الشخصية، الأمير حمد بن خليفة له مشروع استراتيجى بعيد المدى، لن يتحقق إلا بتغيير النظام فى ليبيا وتنصيب حكومة إسلامية موالية له بالكامل.
سأل شلقم: وما هذا المشروع الاستراتيجي البعيد المدى الذى لن يتحقق الا بتنصيب حكومة إسلامية موالية للأمير فى ليبيا؟ فرد الرجل الوقور: لقد فاز الإسلاميون فى تونس ومصر، وليبيا تقع بين البلدين، ويمكن أن تكون حلقة الوصل بين البلدين أو خط فاصل بينهما، فإذا استولى الأمير على ليبيا ونصب فيها حكومة إسلامية، ستقوم كتلة إسلامية متواصلة، ويقوم بين هذه الدول الثلاث الاتحاد الإسلامى فى شمال إفريقيا، ويصبح الأمير حمد بن خليفة هو أمير المؤمنين الذى يقود الاتحاد.
رد شلقم كان بليغا جدا، يعبر عن فهمه لحالة الخلل النفسى التى وصل اليها الأمير القطرى السابق، قال له: هذا أمر لا يصدق، هذا مجرد خيال مريض، من هى قطر ومن هو أميرها، حتى يقود دولا تضم أكثر من مائة مليون إنسان، فيهم عتاة السياسيين وكبار المثقفين، أنا لا أصدق أن أموال النفط والغاز تملك فيروسات الجنون بهذا القدر.
هذا حديث عن ليبيا، فما شأن مصر به إذن؟
لقد لعبت مصر بثورتها فى ٣٠ يونيو دورا كبيرا فى سحق حلم حمد بن خليفة ليكون أميرا للمؤمنين، ولأن الجيش المصرى هو الذى لعب الدور الأكبر فى مساندة هذه الثورة، فقد انتقلت الرغبة فى الثأر لدى حمد من نظام مبارك الى الجيش المصرى كله، ولعل هذا ما يفسر لنا إصرار قناة الجزيرة التى هى حذاء فى قدم حمد وابنه تميم من بعده على الإساءات المتكررة الى الجيش المصرى.
إننا أمام معركة نفسية من الطراز الاول، ولذلك ليس علينا أن نهتم بحمد وابنه وزوجته سياسيا، بل لابد إن نوفر لهم مصحة نفسية يتلقون فيها العلاج، لأنهم يمثلون خطرا كبيرا ليس على مصر فقط، ولكن على المنطقة العربية كلها.
إننى أناشد حكماء قطر ومن لا يعجبهم ما يحدث على أرض إمارتهم أن يتحركوا لإنقاذ بلدهم من شلة المجانين التى تحكمهم، وأعتقد أن مصر لا تمانع فى استضافة العائلة القطرية لعلاجها نفسيا، على الأقل لأن هذا هو دور مصر وقدرها.