لدينا رغبة أكيدة فى التغيير الذى أصبح يمثل ضرورة ملحة، كتأسيس دولة حديثة قوية وغنية تشارك وتحقق أحلام جموع المصريين على اختلاف انتماءاتهم.
العديد منا حصر التغيير فى أداء الحكومة ورؤيتها وتصرفاتها فى مواجهة الحكومة للمشاكل وكيفية حلها، بالطبع التغيير الحكومى أمر غاية فى الأهمية للغاية، خاصة فى خطط الإصلاح بصفة عامة.
وأعتقد أن حالة الارتباك التى نعيشها من جراء سلوك الحكومة ناتجة من عدم الالتزام بالتعامل الواحد مع المشاكل المتنوعة.
الدولة كانت قوية وذات رؤية ثاقبة عندما فرضت مجموعة من الحلول للمشاكل الاقتصادية، ورفضت المساومة حول تخفيض حدة وتيرتها، بصرف النظر عن المعاناة التى نعيشها، فى نفس الوقت غابت عنها فكرة ضرورة تهيئة المناخ العام بتنظيف المشاكل التى تقف أمام اندفاع حركة التنمية أو تحقيق العائد من وراء القرارات الصادمة التى أصدرتها الدولة بحلول مشاكل عجز الموازنة.
أو على أقل تقدير كان يمكن أن تتوازى مع تلك القرارات حزمة قوانين منظمة وجاذبة للاستثمارات، تخوض فى كيفية المحافظة على أموال المستثمرين وضمانها، وكذلك حقوق الدولة ورغبات المواطن.
إذًا يجب أن ننتبه أن العائد من قرارات سعر الصرف وتخفيض قيمة الجنيه المصرى قد لا يحقق الهدف المنشود منه بنسبة ١٠٠٪، لكن الواضح فى الجهة الأخرى أن التباطؤ بشأن حزمة الإجراءات الخاصة بحماية الاستثمار والمستثمرين بجزء دون آخر وعلاج الجزءين معًا يحقق الهدف المنشود من العملية بشكل عام.
وحتى الآن هناك انزعاج وإحجام واضحان من جانب المستثمرين الأجانب والعرب حتى المصريين منهم، لغياب لغة واحدة فى التعامل مع قضاياهم والرؤية المستقبلية ذات الشفافية فى علاقاتهم مع كيانات الدولة، وكذلك فى مكافحة الروتين الحكومى.
الأمور الاقتصادية هى محور الحياة والتنمية، والتباطؤ فى تنظيم تلك العملية يؤكد وجود خلل ما فى استراتيجية الحل، وكذلك تهيئة المناخ الاقتصادى للانطلاق. الحكومة أيضًا غير جادة فى حل مشاكل المستثمرين، وما زالت تتعامل بأساليب الضغط التقليدية التى لم تعد تجدى مثل الإعلام والإعلان عن المشاكل وتصوير المستثمر المختلف معه على أنه حرامى وسارق قوت الشعب ومستغل. وهو أمر ترفضه وتصطدم معه قاطرة التنمية فى سيرها إلى هدفها لتعود بالخير على أبناء الوطن. يعد حل المشاكل مع الشركات العاملة فى مصر أمرًا ضروريًا ومهمًا. ونتذكر أن الانتظار حتى يتم تدويل المشكلة يمثل إفلاسًا وإضاعة صارخة للوقت، وكذلك خسائر تلك القضايا معروفة ما بين الملايين من الدولارات والسمعة الدولية. الحكومة عليها أن تتأكد بأن العالم قرية صغيرة، ومشاكل المستثمرين تصل لغيرهم، وفى النهاية الدولة تدفع ثمن إحجام المستثمرين عن الدخول فى السوق المصرية التى لم تعد لها ملامح أو معايير أو حتى قاسم مشترك يتيح ويشجع المستثمر أن يحضر ويدفع الملايين، ويزيد من فرص العمل للمصريين، ثم يفاجأ بأن كل ما تم البناء والعمل على أساسه بمثابة كثبان رملية تنهار فى أول حركة شطرنج سياسية أو اقتصادية.
لدى قناعة بأن هناك من داخل الحكومة من يفتعل ويشعل الأزمات ولا يسعده أن تصل الرسالة المصرية بأن هناك فرصا عديدة، ومتنوعة وجيدة للعمل والاستثمار داخل السوق المصرية، وقروضا لا غبار عليها للحماية، وشروطا مناخية صحية ذات شفافية ومعلنة بالطبع، وكذلك الالتزام بعدم الانحراف ولو بنسبة ضئيلة عن الهدف المنشود ومصلحة المستثمر واستمراره، وعدم خروجه عن حلبة إنتاجه فى هذا البلد الذى يحتاج ذلك ليقفز اقتصاديًا للأمام.
وإلا ما فائدة القوانين الأخيرة لضبط العملية الاقتصادية دون وجود مستثمرين يعبئون مدخراتهم من التدفق إلى عالم الاستثمار، سواء كانت تلك الشركات عربية أو أجنبية تعمل وتنتج، وبالتالى يتحقق عائد تنموى يخفف من الآثار الجانبية، ويكبح جماح أثرها إذا اقتضى الأمر، وانعكاسات تلك القرارات على المواطن.
وأقول فى جسارة: طول عمرنا ننظر تحت أقدامنا، لدرجة أننا وصلنا إلى انكسار الظهر، بل وأصبنا بأمراض الرقبة.
والأمور على الأرض الآن اختلفت كثيرًا، وأكثر وعيًا ونضجًا عن ذى قبل، فكل مسئول بمن فيهم الرئيس السيسى مهتم بمستقبل المصريين.. خطط الإسكان، الزراعة، البترول، الثروة التعدينية، الطرق التشغيل... كلها عناوين للمستقبل لبناء مصر الجديدة التى نحلم بالعيش فيها.
هنا على الحكومة أن تهتم بتشغيل مجموعات للتنبؤ واستشعار الأزمات قبل حدوثها، وكذلك وضع سيناريوهات بحلول لها.
على سبيل المثال وليس الحصر، أزمات أمطار الشتاء والكهرباء والطرق والأماكن الخطرة وحتى السياسية منها، وسواء كانت كبيرة أو صغيرة فالأهم كيف يمكن مواجهة تلك الأزمة مبكرًا، وكذلك اتخاذ حلول وقائية لعدم حدوث ما لا يحمد عقباه، وليس انتظار وقوعها، وكأنها أمر واقع ومقرر على أبناء الشعب المسكين واللاهث إلى الرخاء والمعيشة الكريمة.
برامج التوعية والإرشاد يجب أن تنير الطريق أمام المواطن والحكومة، فالتغيير من أجل المستقبل جزء يقع على كاهل الحكومة، والآخر على المواطن، فالمطلوب أن تتغير رؤيتنا بشأن ضرورة المحافظة على الدولة ومشروعاتها الخدمية من مواصلات وطرق ومدارس ومستشفيات إلى آخره من أصول المال عام، يجب أن يتضاعف إحساسنا بأن مثل هذه الممتلكات هى ممتلكات الشعب، ليقفز المواطن إلى موقع المسئولية، وهنا يتغير المواطن ليشارك الحكومة دورها فى بناء هذا الوطن الذى يجمعنا ونسير فى طرقه ونعالج فى مستشفياته ونتعلم فى مدارسه وجامعاته ومعاهده.
لا شك أن هناك أزمة ثقة كبيرة بين المواطن والحكومة، والعكس، حيث يحصر البعض منا دور الحكومة فى «جباية الضرائب» والبيروقراطية القاتلة والرشاوى من أجل إنهاء الخدمات المطلوبة، والهجوم عليها من أجل الابتزاز السياسى المعهود.
وهناك لدى الحكومة أخطاء وتباطؤ فى القرار، وغياب للرؤية، وتكرار لعمليات «سد الخانة»، وكذلك تصريحات للوزراء، للتبرير بحجج أصبحت الآن من سمات الموضة القديمة.
إذا كانت هناك جهات تحاول أن تصنع المستقبل للبلد، فالحلقة لن تكتمل إلا أن ينتقل هذا الحلم ويتبناه الجميع حكومة ومواطنا.
حيث أثبتت التجارب الحياتية أن اجتهادات الحكومة لا تكفى، وتحرر أفكار المواطن وحدها لا تصنع وطنًا قويًا ومستقرًا.
والحل: بجد نسأل أنفسنا حكومة وأهالى: هل فعلًا نريد مصر أن تبقى قوية ومستقرة وغنية؟
لو فعلًا الرغبة مشتركة، على كل طرف أن يقوم بدوره، ويؤدى وظيفته دون تداخل، ولو حدث ذلك لتحقق حلمنا.