ظل محمد مرسى منذ اليوم الأول لتوليه الرئاسة، يجرى اتصالاته المباشرة بالمرشد العام للإخوان، عن طريق هاتفه الشخصى الذى أصر على الاحتفاظ به واستعماله فى المكالمات الخاصة، وذلك رغم تحذيرات أمن الرئاسة له ومطالبتهم الدائمة بأن تتم جميع اتصالاته من خلال الهواتف المؤمنة، والتى يصعب رصدها، واستمر الحال هكذا حتى قام خيرت الشاطر بوضع أجهزة التنصت التى تحدثنا عنها فى مقال سابق، والذى استطاع من خلالها رصد مكالمات بعض الإعلاميين والمعارضين وربطها بغرفة عمليات مجهزة بمبنى مكتب الإرشاد بالمقطم تحت إشرافه، ويبدو أن الشاطر قد تيقن أن هاتف مرسى الخاص قد وضعته بعض الجهات المعنية تحت المراقبة، فاتفق معه على ضرورة أن تتوقف جميع الاتصالات المباشرة بينه وبين المرشد وأن يتولى أسامة ابن الرئيس مهمة نقل الرسائل الشفهية بينهما، فضلًا عن استمرار الاتصالات التى كانت تتم عن طريق وسطاء آخرين كمحمد البلتاجى وعصام العريان، وكان المرشد فى هذا التوقيت يرى ضرورة إقحام الجيش المصرى فى الشأن السورى وذلك لعدة أسباب، أولها: إشغال الرأى العام بمعركة خارجية يتناسى معها مشروع النهضة وجميع الوعود التى قطعها مرسى على نفسه ولم يحققها، وتسببت فى خروج أول مظاهرة ضده فيما عرف بجمعة الحساب، وثانيها: توريط الجيش وشغله عن الأمر الداخلى وما يرتب له مرسى مع جماعته بشأن أخونة الدولة لضمان استمرار حكمهم مدى الحياة، وثالثها: تقديم مرسى كزعيم للأمة العربية ينتفض لنداء الشعب السورى مرددًا لبيك سوريا، ورابعها: تقديم فروض الولاء للولايات المتحدة فى حربها ضد النظام السورى، وكنا قد ذكرنا أن مرسى قد عرض هذا على الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع فرفض الرجل بشكل قاطع، وحاول أن يوضح له أن مصلحة مصر تقتضى الحفاظ على وحدة سوريا، والتقت إرادة الجيش المصرى بإرادة الخارجية المصرية والمخابرات العامة، فجميعها رفض ذلك المقترح الذى تقدم به مرسى فور عودته من أمريكا بعد حضوره اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نهاية سبتمبر ٢٠١٢، وها هو شهر أكتوبر قد مر بأحداثه التى رصدناها فى المقالين السابقين، ليأتى شهر نوفمبر والذى كُتبت فيه شهادة وفاة حكم الإخوان ومحمد مرسى، ويبدو أنه هو من سطرها بيده حين أصدر إعلانًا دستوريًا يقضى بتحصين قراراته فى سابقة هى الأولى من نوعها فى تاريخ مصر الحديث، وقبل أن نخوض فى أمر هذا الإعلان الذى قسم مصر وتسبب فى جميع الأحداث التالية وصولًا إلى الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ يجب الذكر أن فى السابع عشر من نوفمبر حدثت كارثة قطار أسيوط حيث اصطدم القطار بحافلة أطفال كانوا فى طريقهم للمدرسة، فمات ما يقرب من الخمسين طفلًا لتتشح مصر بثوب الحداد على أطفالها، ويطالب الإعلام بمحاسبة المهملين، وضرورة أن يتقدم وزير النقل باستقالته بينما راحت الكتائب الإلكترونية للإخوان تشن حملة منظمة للدفاع عن الحكومة والرئيس ومهاجمة الإعلام الذى حاول ربط الحادث بفشل الرئيس، وفى غمرة الغضب العام وفى التاسع عشر من نوفمبر، قرر الذين يطلقون على أنفسهم لفظ الثوار إحياء الذكرى الأولى لأحداث محمد محمود فى ذات المكان، وذلك للمطالبة بالقصاص من قتلة المتظاهرين الذين كانوا يحاولون اقتحام وزارة الداخلية، وبدأ الاحتفال سلميًا، لكنه سرعان ما شهد بعض المناوشات وتبادل القذف بالطوب بين جنود الشرطة والمتظاهرين، ثم تطور الأمر بهجوم بعض البلطجية على المحتفلين بالذكرى وإلقاء زجاجات المولوتوف عليهم ليسقط لأول مرة فى عهد مرسى أحد المتظاهرين وهو جابر صلاح المعروف بـ«جيكا»، فازداد الغضب فى القلوب حتى جاء ظهر يوم الخميس الموافق الثانى والعشرين من نوفمبر وفيه صدرت التعليمات من مكتب الإرشاد إلى شباب الإخوان بضرورة التوجه إلى دار القضاء العالى ومحاصرته انتظارًا لقرارات حاسمة ستصدر مساء اليوم، وبالفعل توجهت الحشود فى الرابعة مساءً، وهم يحملون اللافتات التى تطالب بعزل النائب العام ويمسكون الليف والصابون فى إشارة منهم إلى التطهير وظلوا يهتفون دعمًا للقرارات التى سيصدرها الرئيس بعد قليل وكأنهم على علم تام بها، أى أن القرار قد تم وضعه فى مكتب الإرشاد أولًا، ثم ذهب إلى الرئاسة ليوقعه محمد مرسى ويعلنه ياسر على المتحدث الرسمى باسم الرئاسة فى تمام السادسة مساءً، حيث قطع التليفزيون المصرى إرساله ليذيع بيانًا مهمًا نقلته جميع الفضائيات وبدأ ياسر على فى قراءة البيان.. وللحديث بقية.
آراء حرة
30 يونيو المقدمات والنهايات "21"
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق