الإثنين 18 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

لماذا هزمت مهزلة الشيخ "ميزو" نضال الشيخ أبوحراز؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مفارقة عجيبة تلك التى حدثت هذا الأسبوع.. الشيخ «سلمان أبوحراز» والشيخ «ميزو».. كلاهما يسبق اسمه لقب «الشيخ».. أنا لا أثق كثيرا فى رجال الدين بشكل عام «أى دين»، ولكن توجد دائما استثناءات فى هذه الحياة.. الشيخ «سلمان» واحد من هذه الاستثناءات، المثير للدهشة أن ما حدث له على يد السفلة لم يأخذ اهتمامًا إعلاميًا لائقًا.. والمثير للدهشة أكثر هو الاهتمام بكلام «ميزو» الذى كلما سمعت اسمه تذكرت المسلسل الكوميدى الشهير «ميزو» للرائع «سمير غانم».. وهو دليل على أن مجتمعنا يعانى من خلل ما.
لا أدرى كيف لا تنقلب الدنيا رأسًا على عقب وقد ذبح رجل عجوز بهذه الطريقة البشعة، من إرهابيين يستوطنون أرضه، كيف لا يهتم الإعلام برجل يوضح جرم داعش ومن على شاكلته، ويتم الترويج لذبحه عالميًا ليعرف العالم كله أن الإسلام بريء من هؤلاء، بدليل أنهم يذبحون شيوخ الإسلام كما يفعلون فى غير المسلمين بالضبط.. أى أنهم ليسوا من الإسلام فى شيء ولا يمثلونه.
وأليس ما حدث جديرًا بالتفكير والتأمل فيما تضعه أمامنا هذه الجريمة من دلالات، عن كيفية تمكن هؤلاء من أرضنا وأهلنا، بصورة أصبحت خطيرة ومحرجة لدولتنا.. كيف يتجرأون على تكوين دولة داخل الدولة.. يرتعون فيها، ويخطفون ويستعبدون وينفذون أحكام الإعدام على طريقتهم؟.. فقد تدهور الحال بشكل مقلق للغاية.. والجريمة الأخيرة كان لا بد أن تأخذ حيزًا من اهتمام الصحافة والإعلام والمسئولين والشعب أجمع، لأنها فعلا مؤشر خطير عما وصلت إليه الأوضاع فى سيناء الغالية.. فهم يستبيحون الأرض والعرض.
يطلق على الشهيد «شيخ الزاهدين».. وهو الشيخ «سلمان أبوحراز السواركي»، وقد تجاوز من العمر المائة عام، وكان فاقدًا للبصر، ولكنه لم يفقد البصيرة قط مثل من قتلوه، البصيرة التى كانت تجعله دومًا يتوقع حدوث أشياء تحدث بالفعل، لدرجة أنه توقع أن يموت مقتولًا على أيدى الجهلاء، كما جاء على لسان تلاميذه ومريديه فى سيناء، الشيخ الصوفى وهو أحد أكبر مشايخ الطرق الصوفية، وقد كان فى مكانة العلماء اتهمه التنظيم الداعشى بالكفر والتكهن وادعاء معرفة الغيب والشرك بالله.
فعلوا ذلك فى الرجل العجوز الضرير بقلوب أقسى من الحجارة، لأنه كان يقف لفتواهم وكذبهم وافترائهم على الإسلام بالمرصاد، فكان بالفعل يهدم أفكارهم الشاذة التى يروجون لها، ويغتالهم معنويًا وفكريًا، ويؤكد بعض مشايخ القبائل فى سيناء، أنه كان له الفضل فى عدم تصديق وانجراف شباب كثيرين فى سيناء وراء أفكار التنظيم الكاذبة بشأن الإسلام والتكفير، وبالتالى منع العديد من الشباب من الإيمان بهم والانضمام إليهم.. لأنه كان شيخًا معتدلًا، وهو ما جعل الدواعش يصفونه بأنه من «شيوخ الطواغيت».. ولا بد من القصاص منه، لأن ذلك يصب فى مصلحة الإسلام والمسلمين على حد زعمهم. الغريب أن الإسلام نفسه يحرم قتل العجزة وكبار السن والضعفاء، أى أن هؤلاء يخالفون تعاليم الإسلام ومبادئه.. ولم تأخذهم بالرجل شفقة ولا رحمة، كما اختطفوا شيخًا آخر كان معه وهو الشيخ «أقطيفان المنصوري» وقتلوه بنفس الطريقة، ونشر التنظيم الإرهابى الصور وكتبوا عليها «تنفيذ الحكم الشرعى على كاهنين».
فإن التنظيمات الإرهابية تجد فى الجهل والفقر، فرصة كبيرة للتوغل داخل المجتمعات، ولذلك فهم يحاربون العلم والعلماء ويضمرون الكراهية للتنوير والوعى والثقافة، وشيخ مثل الشهيد «أبو حراز» يمثل خطورة حقيقية عليهم، خاصة أنه كان مؤثرًا فى الشباب لما له من مكانه كبيرة فى نفوس أهل سيناء، وقد استطاع فعلًا الشيخ الضرير التأثير على عدد كبير من الشباب السيناوى الذى يجاور الخطر، ومنع داعش من استقطابهم وضمهم للتنظيم أو تجنيدهم لحسابه.
وهذا يوضح أن محاربة الفكر المتطرف لا بد أن تكون بالفكر أيضًا، بالعلم والمعرفة وليست حلولًا أمنية وعسكرية فقط، لأن الجيش والشرطة مهمتهما حماية الأرض وتوفير المناخ الآمن للشعب، وليس مواجهة أفكار وتعاليم ومبادئ. فذلك من شأن العلماء والمثقفين، وعدم حدوث ذلك هو الذى أوصلنا لهذا الحال الأسوأ.
العلم والثقافة هما العدو الأول والأهم للتيارات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية، وليس المدافع والصواريخ والرشاشات وحدها، فهم يستطيعون مواجهة الأسلحة والجيوش المنظمة، ولكن العلم لا يستطيعون مواجهته لأنه حتما ينتصر عليهم، وأعتقد أنه حان الوقت ليعى المسئولون عن الدولة أن القضاء على الإرهاب بشكل تام، لن يتم إلا بإطلاق يد العلوم والفنون والثقافة والحضارة وليس بقمعهم وحصارهم.. بل على الدولة دعم كل صاحب رأى وفكر، فإن حرية الرأى والتعبير تخلق مناخًا يحارب الفكر المتطرف ويذهب به الى غيابات الجب. فإن أى دولة تخنق مناخ الحرية تقدم للإرهابيين هدية على طبق من فضة وتدعمهم بشكل غير مباشر، ولعل ما حدث للشيخ سلمان ومن قبله الكاتب «فرج فودة» خير دليل على محاربة العلم والثقافة للإرهاب.. وعلى أن المناخ الحر المتحضر يهدد عرش التطرف والتشدد.
المثير للاشمئزاز.. أنه بدلًا من تناول السيرة الذاتية للشيخ «سلمان» وطرح أفكاره، التى قتل بسببها وعلمه الذى فعل ما لم يستطع فعله الأمن والسلاح، فى الحد من انضمام شباب القبائل فى سيناء لتنظيم «داعش». يحكى المجتمع وينشغل بأفكار السفهاء بدلًا من تجاهلها.. فإن استضافتهم فى الإعلام والصحافة يروج لجهلهم على حساب العلم والثقافة، التى هى الحصن الحصين ضد ما نعانيه ويعانى منه العالم من قتل وسفك للدماء على أيدى الضالين المرتزقة، حتى ولو حدث ذلك بحسن نية، فإن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة، ولو بسوء نية فهو خيانة للوطن بتعميق الجهل ونشر التخلف. ذبح الشيخ العجوز يطرح العديد من الأمور التى تحتاج إلى وقفة ومراجعة، مثل مدى تمكن الجماعات المتطرفة من أرضنا، وحتمية إعادة صيغ المواجهة بأن تكون بالعلم والتنوير وليس بالسلاح والحلول الأمنية فقط.