رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لن يقفل باب مدينتنا.. لؤلؤة الأديان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«بكيت حتى انتهت الدموع، صليت حتى ذابت الشموع، ركعت حتى ملنى الركوع، سألت عن محمد، فيك وعن يسوع، يا قدس، يا مدينة تفوح أنبياء، يا أقصر الدروب بين الأرض والسماء، يا قدس، يا منارة الشرائع، يا طفلة جميلة محروقة الأصابع، حزينة عيناك، يا مدينة البتول، يا واحة ظليلة مر بها الرسول، حزينة حجارة الشوارع، حزينة مآذن الجوامع، يا قدس، يا جميلة تلتف بالسواد، من يقرع الأجراس فى كنيسة القيامة؟ صبيحة الآحاد، من يحمل الألعاب للأولاد؟ فى ليلة الميلاد، يا قدس، يا مدينة الأحزان، يا دمعةً كبيرةً تجول فى الأجفان، من يوقف العدوان؟ عليك، يا لؤلؤة الأديان، من يغسل الدماء عن حجارة الجدران؟، من ينقذ الإنجيل؟، من ينقذ القرآن؟، من ينقذ المسيح ممن قتلوا المسيح؟ من ينقذ الإنسان؟»، تذكرت كلمات نزار قبانى الرائعة التى تعبر عما تعيشه القدس الآن، فقد أصيبت الدولة الصهيونية المحتلة والمختلة بحالة خبل، فأصدرت قرارًا بمنع الأذان فى القدس، وستناقش حكومة الاحتلال إصدار قانون بذلك من الكنيست، يريدون تهويد المقدسات والأراضى العربية، متناسين أن أرضنا ومقدساتنا فى قلب وعقل كل عربى، نحن أصحاب الأرض وإسرائيل ستظل عنصرًا دخيلًا على أمتنا، لم يبال الصهاينة بمشاعر مليار ونصف المليار مسلم، وهم يرون أفعالهم واستهانتهم بالشعائر الدينية، وكما يريدون إسكات صوت الأذان يريدون أيضا إسكات أجراس الكنائس، ويعلم سكان الأرض الأصليون ما يريده الصهاينة من تزييف للتاريخ وطمس المعالم العربية، وأنهم كما ضربوا مسجد عمر ضربوا كنيسة المهد، وكما يمنعون المسلمين من القدس يمنعون المسيحيين من الأقصى وكنيسة القيامة، يحاولون منع الأذان الذى يرفع على أرض فلسطين منذ ألف وأربعمائة عام، عندما فتح الخليفة عمر بن الخطاب القدس ووقف بلال بن رباح مؤذن الرسول ليرفع الأذان على أرض فلسطين، هل أزعجهم الآن؟!، أم أن عقدة النداء «الله أكبر» والتى زلزلت الأرض فى ١٩٧٣ وأتت بنصر أكتوبر تطاردهم مع كل أذان، هل يذكرهم الأذان أن الله أكبر منهم رغم الحرق والقتل والاغتصاب، فيريدون أن يصمت، ولكن لن يصمت الأذان طالما هناك قلب عربى ينبض على أرض فلسطين، لقد منعوا الأذان فوقف إخوتنا المسيحيون فى الكنائس يرددون الأذان بأصوات رائعة، ووقف المسلمون والمسيحيون فى البيوت والأسطح يؤذنون للصلاة فأصبح الأذان يحاوطهم فى كل مكان، وكأنهم كقول الله تعالى فى سورة التوبة: «يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ»، ووقف النائب أبوعرعر فى الكنيست الإسرائيلى بكل شجاعة وقال: تريدون إسكات الأذان؟ ستسمعونه فى كل مكان ووقف ليردد الأذان بكل شجاعة رغم صياح الصهاينة لمنعه، ولكنه لم يتوقف حتى الانتهاء من إسماعهم الأذان بكل ثبات وهدوء، وكما تحرق المساجد تحرق الكنائس ولولا خشية الاحتلال من غضب الغرب لأغلقوا أجراس الكنائس، وخاصة بعد أن أصدرت منظمة اليونسكو قرارًا بأن الأقصى تراث إسلامي خالص، بموافقة ٢٤ دولة، ورغم امتناع ٢٦ دولة عن التصويت كفرنسا، ومعارضة القرار من ٦ دول منها الولايات المتحدة وبريطانيا، ولأن الصهاينة مضللون فقد حاولوا شرعنة قرارهم، وذلك بإذاعة برنامج على القناة العاشرة يحتوى آراء لبعض مشايخ المسلمين منهم الشيخ خالد الجندى، وادعوا أنهم يطالبون بإلغاء الأذان، لأنه يسبب الإزعاج لغير المسلمين ويؤرق راحتهم، وهى مغالطة كبيرة، لأن تلك الآراء كانت على ارتفاع صوت الميكروفونات بالأذان بشكل مبالغ فيه، ولم يقصد أحد من هؤلاء الشيوخ عدم إقامة الأذان، ولكن اعتمادهم على آراء المشايخ يلفت النظر إلى ضرورة التدقيق فى إبداء الآراء أو الفتاوى التى تستغل من أعداء الأمة أسوأ استغلال، فهم متابعون جيدون لكل أحوالنا ودقائق أمورنا وخاصة الفتاوى الدينية الشاذة، التى تجعلهم يتهكمون علينا ويسفهون من شعائرنا، ويقللون من قيمة ديننا العظيم بفعل أيدينا، علينا أن نستيقظ من غفوتنا ونحمى ديننا وكرامتنا فنحن مستهدفون، وإرادتهم زعزعة الثوابت الدينية الراسخة فى وجداننا، وهدم الوحدة الوطنية التى نتمسك بها ونحافظ عليها، ويومًا بعد يوم يقدم المسيحيون العرب القدوة والمثل فى الوطنية والإخلاص والانتماء، وهو ما نراه اليوم على أرض فلسطين، وسبق أن عشناه هنا على أرض مصر أثناء محاولات إشعال الصراع الطائفى بحرق الكنائس والكاتدرائية على أيدى الجماعة الإرهابية، فقال البابا تواضروس: «لو أحرقت الكنائس سنصلى بالمساجد»، ولم نسمع صوتًا واحدًا يطالب بالمساعدة الغربية أو بيانات مستهجنة ما يحدث، بل على العكس تقبلوا الإرهاب بصبر وصمت لحماية الوطن، فليهنأ الصهاينة بقرارهم وقانونهم. فدولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة، وسنظل نسمع رائعة الأخوين رحبانى التى غنتها فيروز، «لأجلك يا مدينة الصلاة أصلّى، لأجلك يا بهيّة المساكن يا زهرة المدائن، يا قدس يا مدينة الصلاة أصلّي، عيوننا إليك ترحل كل يوم، تدور فى أروقة المعابد، تعانق الكنائس القديمة، وتمسح الحزن عن المساجد، يا ليلة الإسراء يا درب من مرّوا إلى السماء، الطفل فى المغارة وأمّه مريم وجهان يبكيان، لأجل من تشرّدوا، لأجل أطفال بلا منازل، لأجل من دافع واستشهد فى المداخل، واستشهد السلام فى وطن السلام، وسقط العدل على المداخل، حين هوت مدينة القدس، تراجع الحبّ وفى قلوب الدنيا استوطنت الحرب، الغضب الساطع آتٍ وأنا كلى إيمان، الغضب الساطع آتٍ سأمرُّ على الأحزان، من كل طريق آتٍ بجياد الرهبة آتٍ، وكوجه الله الغامر آتٍ آتٍ آتٍ، لن يقفل باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأصلّى، سأدقّ على الأبواب وسأفتحها الأبواب، وستغسل يا نهر الأردن وجهى بمياه قدسية، وستمحو يا نهر الأردن آثار القدم الهمجية، وسيهزم وجه القوّة، البيت لنا والقدس لنا، وبأيدينا سنعيد بهاء القدس، بأيدينا للقدس سلام آتٍ».