فى سابقة تكاد تكون الأولى من نوعها أصدر الدكتور الهلالى الشربينى، وزير التربية والتعليم، قرارًا باستثناء أعضاء البرلمان من مواعيد التحويلات والقبول وكل ما يتعلق بخدمات التعليم، حيث أصدر الكتاب الدورى رقم ٥٢ وجاء فيه بالنص الذى نشر الأهرام المسائى صورة ضوئية منه أن تلتزم جميع المديريات التعليمية بتنفيذ كل التأشيرات التى تصدر من الوزارة لأعضاء مجلس النواب والمذيلة بتوقيع منه شخصيا أو بتوقيع رئيس قطاع مكتب الوزير على أن يتولى أحد المختصين فى إدارات الاتصال السياسى تنفيذ التأشيرة ومتابعتها خلال ثلاثة أيام.
ووفقا للكتاب الدورى الذى أصدره الوزير فإنه فى حالة المخالفة وعدم الالتزام بالتنفيذ سيتعرض المسئول عن ذلك للمساءلة القانونية.
وقال مصدر بالوزارة لـ«الأهرام المسائي»: إن الوزير لم يكتف بذلك بل قام مدير مكتبه بالاتصال للتأكيد على تنفيذ التأشيرات لأعضاء البرلمان وفى الحال، على أن يتم إخطار الوزير بعدم التنفيذ، مشيرًا إلى أن التكليفات شملت تأشيرات رياض الأطفال فوق الكثافة فورًا مهمًا تكن كثافة الفصل ولما تم النقاش حول أن بعض الأعضاء يأتى بعشر تأشيرات على مدرسة واحدة مما يرفع الكثافات ويهدر تكافؤ الفرص قال: إنهم أعضاء البرلمان الذين يمنحون الثقة للحكومة.
الحكاية مش سابقة ولا حاجة فمنذ أيام السادات والواسطة والمحسوبية تلعب الدور الرئيسى فى كل قطاعات الدولة.
منذ أيام أرسل لى الصديق العزيز المهندس نبيل عتريس قصة بدأها «الرئيس المؤمن» أنور السادات وولده جمال وبدأ معها التدهور فى أحوال التعليم والمؤسسات التعليمية، القصة نشرها موقع «انفراد»، ويقول الكاتب الصحفى علاء رضوان:
كانت امتحانات الثانوية العامة عام ١٩٧٠، وبعد رحيل الرئيس جمال عبدالناصر فى اليوم الحزين ٢٨ من سبتمبر ١٩٧٠، لتغيب من بعده عدالة امتحانات تميزت بالحيدة والنزاهة ولم تُدنسها شهوات الرؤساء وزوجاتهم اللاتى دخلن قصر الرئاسة بالإعدادية وخرجن منه وهن يحملن «الدكتوراه»!.
وترصد «شهادة» العالم الدكتور عبدالعظيم أنيس، (شهادة للتاريخ: مجلة وجهات نظر) تفاصيل هذه المهزلة بكل دقة قائلة: «بعد أن وَلّى زمن العدالة، وشاهدها الأكبر عدم تمكن الطالبة «منى جمال عبدالناصر» من الحصول على مجموع يسمح لها بدخول جامعة القاهرة، فأدخلها والدها «الجامعة الأمريكية» (وكانت أقل شأنًا لأنها تضُم «الأقل ذكاءً» ممن لم ينجحوا فى الوصول إلى الحد الأدنى الذى تطلبه جامعات الدولة) وفى نفس العام دخل ابن سائقه الخاص إحدى «كليات القمة»، التى كانت «الهندسة» و«الفنية العسكرية» للقسم العلمى، و«الاقتصاد والعلوم السياسية» للقسم الأدبى، ونتابع قراءة «شهادة للتاريخ» للدكتور عبدالعظيم أنيس: «إننى أعتقد أن هذا الباب الخلفى قد فُتح على مصراعيه فى عام ١٩٧٤ عندما كان ابن رئيس الجمهورية السابق (أنور السادات ) طالبًا فى الثانوية العامة. كنت آنذاك وثيق الصلة بوزارة التربية والتعليم.
ويتابع الدكتور عبدالعظيم أنيس شهادته «ومن بين هذه المدارس التى كنت أزورها آنذاك «مدرسة بورسعيد» بالزمالك، حيث كان جمال السادات، وكان معروفًا بالمدرسة أنه يستحيل عليه أن ينجح فى امتحان الثانوية العامة المصرية (القسم العلمى)، فما بالك بالحصول على مجموع يدخله كلية مثل كلية الهندسة؟! ( التى تخرّج فيها «خالد جمال عبدالناصر» متفوقًا، وعُين فيها «مُعيداً».
ويروى الدكتور عبدالعظيم أنيس أنه شُكّلت «لجنة وزارية» لبحث موضوع المناهج من د. حسن الشريف وزير التأمينات ود. محمود عبدالحافظ وزير الإسكان، والدكتور كامل ليلة وزير التعليم الأسبق والمرحوم الأستاذ على عبدالرازق وزير التربية والتعليم.
وكان ظاهرًا من أول الاجتماع حسب شهادة الدكتور عبدالعظيم أنيس، أن «مادة الرياضيات» هى المستهدفة! ولذا دارت مناقشة حادة بينى وبين وزير الإسكان طالت لأكثر من ساعة، وصممتُ على موقفى برفضى طلب وزير الإسكان بـ«إلغاء كتاب التفاضل والتكامل من مناهج الثانوية العامة».
وفى يوم أخبرنا الجيران أن سيارة من رئاسة الجمهورية جاءت تسأل عنى مرتين، وأن رجلًا بالسيارة ترك لدى الجيران ورقة لتسليمها لى، وعندما فتحت الورقة وجدت أنها من مكتب الرئيس ومكتوب عليها بالحبر: «رجاء الاتصال بأرقام التليفونات ...» ثم توقيع غير واضح . وأدرتُ قرص التليفون بأحد هذه الأرقام وقلت : «أنا فلان … ماذا تريدون منى؟»، وعرفتُ أن الذى يرد على التليفون هو رجل عرف عن نفسه بأنه «العقيد رؤوف»، وأنه يريد أن يعرف متى يرسلون سيارة من الرئاسة لحضورى إلى منزل الرئيس لأن جمال لديه أسئلة فى الرياضيات يريد أن يسألنى فيها؟!
وهنا قال الدكتور عبدالعظيم أنيس: امتلأت نفسى بالغضب وقلت لمحدثى وأنا أحاول أن أضبط أعصابى: «إنك لا شك لا تعلم أن أستاذ الجامعة يحال إلى مجلس تأديب إذا أعطى دروسًا خاصة»، قال فى برود: «لا أعرف». وقلت: «أنا واثق من ذلك.. وواثق أيضًا أنك لا تعرف أننى واضع امتحان الثانوية العامة»! قال فى برود أيضًا: «لا .. لا أعرف».. ووضعت السماعة .
لكننى بقيت فى ثورة غضب طوال الليل، حتى مقابلة الوزير فى الصباح لكنى وجدته يحاول أن يقنعنى بالذهاب مرة واحدة إلى منزل السادات لتقييم «الولد».
وصممتُ على رفض طلب الوزير، وقد حاول مستخدمًا معى حججًا أخرى، فقد قال: «إن السادات خارج من حرب أكتوبر، وليس لديه وقت للإشراف على الولد»! وضحكتُ وقلت: «هل تريد أن تقنعنى أن السادات لو لم يكن خارجًا من حرب أكتوبر لساعد ابنه فى الرياضيات؟ إننى بصراحة لا أتوقع من وزير التعليم أن يطلب منى هذا الطلب».
وانصرفتُ من مكتب الوزير حزينًا وتَملّكنى شعور بأن ما حدث بالأمس ليس إلا المحاولة الثانية، بعد فشل المحاولة الأولى فى اختصار المناهج بشدة على يد اللجنة الوزارية، وكان أشد ما أحزننى هو الشعور بأن مصر تُدار كعزبة.. وعلى الخولى والتَمّلى والأنفار أن يكونوا فى خدمة «السيد صاحب العزبة»، وأن الحديث عن سيادة القانون هو عبث فى عبث!
كان هذا فى إبريل ١٩٧٤ ولم يبق على امتحان الثانوية العامة المصرية غير شهرين.
وقد عرفتُ بعد ذلك أن شخصًا ما تقدم لهم بالحل العبقرى.. وهو إخراج ابن السادات من امتحان الثانوية العامة المصرى وإدخاله امتحان الثانوية الإنجليزية فى يونيو، حيث لا يوجد امتحان فى اللغة العربية، وحيث «امتحان الرياضيات» هو امتحان الضرب والقسمة، ولا شىء أكثر!
إلى هنا تنتهى «شهادة» د. عبدالعظيم أنيس (شهادة للتاريخ: مجلة وجهات نظر - العدد ٧٦ - مايو ٢٠٠٥ - الصفحة ٦٧ : ٦٩) عما كان شاهدًا عليه فى «عزبة أنور السادات»، الذى يِطالب وزير إسكانه بلا قطرة خجل إلغاء مادة «التفاضل والتكامل» من منهاج الرياضيات، لأن «النَنّوس» كان لا يفقه أَلِف «التفاضُل» من باء «التكامل». لكن أنور وجيهان يريدان أن يدرس ابنهما هندسة «زى ابن عبدالناصر» .
وهكذا دخل جمال أنور السادات «قسم الهندسة الكيمائية» بكلية هندسة القاهرة، وكانت بداية ضرب التعليم فى مقتل إلى أن وصلنا إلى أسوأ حال على يد وزراء هذا الزمان.