حدث بالفعل.. الدكتورة منى مينا وكيل نقابة الأطباء أطلقت تصريح حول اختفاء الأدوية والمعدات الطبية من المستشفيات، وقالت: إن طبيبا ما تحدث إليها وقال إن هناك أومر شفهية صدرت له باستخدام السرنجة أكثر من مرة، كان ذلك على الهواء مباشرة مع مذيع يحاول ويناور من أجل تثبيت هذا المشهد فهى لحظة "الشير العظيم" على وسائل التواصل الاجتماعى أو ما يطلق عليها "لحظة اليوتيوب" .. تحقق له ما أراد حيث صاغ صحفى ما فى جريدة خاصة كبيرة عنوانا "بياع" بلغة أهل الصحافة ووضع عليه كثير من البهارات والتوابل الصحفية من أجل "الترافيك العظيم"، ويكتب محمد البرادعى "تويته" ليزيد النار اشتعالا ثم ينتقل الخبر الفضيحة إلى قناة الجزيرة التى تحاول أن تصنع لمصر كارثة كل يوم من أجل تشويه صورتها أمام العالم، وتنقل عنها كل وكالات الأنباء والصحف والقنوات العالمية، تصدر وزارة الصحة تكذيبا لا أحد يهتم به، يخرج كل الإعلاميين لنفى الخبر ..لكن كان الوقت قد فات، المحصلة فضيحة دولية كبرى تذبح إنجازا عالميا حققته مصر فى مجال علاج فيروس سى بشهادة منظمة الصحة العالمية، ثم على إثرها يتوقف عدد من المستثمرين عن التفكير فى الاستثمارات العلاجية فى مصر، فكيف يعمل مستثمر فى بلد تجبر أطبائها على استخدام "السرنجة" أكثر من مرة !
لا أنوى اتهام وكيل نقابة الاطباء بأي اتهام ..وإن وجدت أدلة عديدة تدين تصريحها، وعلها تعلم جيدا نتيجة ما قامت به فهى بعلم أو بغير علم شاركت فى الحلقة الجهنمية التى تدفع الدولة المصرية للوراء دائما وتشكك فى كل خطواتها الإصلاحية ، بل وتزيد من حدة الأعباء الملقاه عليها ، إعلام منفلت فاقد للرشد تائه عن بوصلة وطن فى أزمة ، إعلام يحمل السم لكل شرايين الدولة ..أقول ذلك وأنا أحد أفراد تلك المنظومة التى لا أجد لها لا ضابط ولا رابط ..حتى رئيس الجمهورية أعلى سلطة فى البلاد ينأى بنفسه عن المسألة برمتها ويتحدث عن أنها تجربة ويجب أن تصحح مسارها بنفسها ..ولا أدرى كيف يمكن أن يتم ذلك دون تخطيط أو وعى فالأمر لم يعد محتمل لا من الحكومة ولا من الشعب الذى ضج هو الآخر من تسخينه وتضليله وتعميته ، حتى فقد الثقة فى الجميع ..حكومة ومعارضة وإعلام .
حينما انتفض الأستاذ مكرم محمد أحمد أمام الرئيس فى شرم الشيخ دفاعا عن مهنة امضى فيها حياته قال مقطع فى غاية الأهمية " الحرية ليست الفوضى ..الحرية مسئولية خاصة فى ظروفنا الاقتصادية الصعبة التى تتطلب منا التوحد الوطنى وأن نكون صوتا واحدا فى الشدائد " مؤكدا أن الصحفى ليس محرضا وإذا كان يريد أن يكون زعيما سياسيا فليترك الصحافة " ثم حذر من غياب الحرفية والمصداقية .
ما أشار إليه الأستاذ مكرم هو أصل الأزمة غياب الحرفية وضياع المصداقية وتحول أجيال من الصحفيين والإعلاميين إلى زعماء سياسيين تغلبهم انتمائتهم السياسية وآرائهم الشخصية وتمنعهم من تحرى الصدق أو الصالح العام فيما ينشر ، بل كثير منهم يتعامل بخفة مع المعلومات والقصص الإخبارية من نوع ما قامت به منى مينا وكأن الأذى سيحدث فى دولة أخرى بينما الحقيقة تقول إن بيته يشتعل بنيران كبريته .
كان ما سبق عن الإعلام أما عن المسئول ، فإذا كان مغرضا فى تصريحه يجب أن يعاقب بالقانون ، والمنظومة القانونية تحتاج لقانون يكافح الشائعات ، ويحمى المصلحة العامة من الأضرار بها تحت دعوى ممارسة حرية الرأى والتعبير ، فالحرية مسئولية فى الأساس ، والموظف العام أو ممثل النقابة أو أى شخص يتصدى للأعلام يجب أن يراجع أفكاره ويظبط مصطلحاته ويقيم تأثير ما يقوله على الصالح العام ، وكذلك الصحفى ، فالحرفية مطلوبة مهما كانت مغريات السبق والتميز ، ومصلحة عموم المواطنين مقدمة على مصلحة الصحفى او الاعلامى والوسيلة التى يخاطب الناس منها .
تطبيق القانون على منى مينا وعلى أى مسئول يتورط فى ترويج شائعة او يصنع أزمة للرأى العام واجب وضرورة قصوى فالوضع لا يحتمل عبأ الخسائر الاجتماعية و الاقتصادية الناجمة عن مثل هذه التصريحات الخرقاء ، وكذلك تفعيل الآليات القانونية والنقابية على الاعلاميين الذين لا يتلزمون بميثاق الشرف وإجراء تحقيقات فى مثل هذه الوقائع ومحاسبة الصحفى أو الإعلامى ووسيلته على أن يعوق ذلك سير العدالة فى حالة نظر القضية أمام المحاكم .
ويجب أن نعلم جميعا أن الناس ضاقت من الانفلات حتى فى أعرق الديمقراطيات ، فالناس لم تعد تحتمل التلاعب بها وبعقولها .