سبحان الله، وفق الله تعالى كل مطرب من مطربينا العمالقة: مع شاعر أغنيات، ومع ملحن أغنيات، كأنما كانوا: «مخلوقين لبعض».
مثلا عبدالحليم حافظ: مع الشاعر مرسى جميل عزيز فى الأغانى الوجدانية العاطفية، ومع الشاعر صلاح جاهين فى الأغانى السياسية الوطنية، ومع محمد الموجى فى الأولى، ومع كمال الطويل فى النوعيتين.
مثلا شادية: مع الشاعر فتحى قورة، ومع الملحن منير مراد،
ومن قبل أم كلثوم: مع شعراء أبرزهم أحمد رامى وبيرم التونسى، ومع ملحنين أبرزهم رياض السنباطى ومحمد القصبجى وزكريا أحمد، إلى أن التقت بمحمد عبدالوهاب.
أيضا محمد عبدالوهاب: مع الشاعر حسين السيد، ملحنا طبعا لنفسه، وفريد الأطرش مع الشاعر مأمون الشناوى، ملحنا طبعا لنفسه،
إنه لأمر يدعو للدهشة!
كل «لائق» مع رفيقه، روحا وإبداعا إلى أبعد مدى، فتركوا لنا جميعا تراثا من الإبداع الحقيقى الصادق الفذ، تراثا خالدا، بحق. ولذلك، فهم يعيشون معنا، وسيعيشون مع جميع الأجيال من بعدنا.
رحمهم الله تعالى، ورحمنا.
٦ أكتوبر.. معضلة السينما المصرية:
«حرب أكتوبر» هى مشكلة المشكلات فى السينما المصرية، لذلك يتعذر تقديمها.
فإنها إما أن تقدم: «كنهاية سعيدة»، لحرب الاستنزاف، وهى الحرب التى أرادت عهود ونظم حكم أن يتم التعتيم عليها، وألا يرد ذكرها!.
وإما أن تقدم: «كبداية سعيدة»، (هائلة هادرة نبيلة ورائعة)، لدراما وطنية سياسية تنتهى لا بد بنهاية حزينة، هى «كامب ديفيد»، وهو أمر أيضا تعارضه بصرامة رقابة عهود ونظم حكم، تتخذ كامب ديفيد نهجا تتمسك به وتصر عليه.
ولذلك، قلنا إن تقديم حرب أكتوبر حقا وصدقا فى السينما المصرية: هو وبكل معنى الكلمة، معضلة هائلة. وللإنصاف فإنه تمت لمرة واحدة فقط، فى السينما المصرية، تقديم الحدث الوطنى الجلل الجليل غير العادى، عبور حرب أكتوبر، كنهاية رائعة، ونتيجة وامتداد لحرب الألف يوم (حرب الاستنزاف) المجيدة، فى فيلم «أفلت» هو: (أبناء الصمت) عام ١٩٧٤، للمخرج المقتدر محمد راضى عن قصة الروائى الكبير مجيد طوبيا. وقد كتب مبدعان من الشوامخ هما: أسامة أنور عكاشة، ويسرى الجندى، نصين للسينما لم يريا النور حتى الآن، عكاشة كتب دراما عن حرب أكتوبر، حال دونها وأن تنتج ميليشيات نظام مبارك فى أجهزته وإعلامه (واستعملوا أدواتهم وقتها مثل: إبراهيم سعدة على رأس دار أخبار اليوم)، والجندى كتب سيناريو فيلم عن الحرب والبطل الشهيد إبراهيم الرفاعى عن الرواية الرائعة (الرفاعي) للأديب الكبير جمال الغيطانى،
ثم «يندبون»، ويقولون كل سنة (فى موسمهم خلال شهر أكتوبر): أين حرب أكتوبر، فى السينما؟! فاروق شوشة: صاحب (لغتنا الجميلة)، فقدناه، وسنفتقده. رحل جزء من أجمل وأعز وأميز ما كان فى حياتنا، شاعر مرهف صادق إلى أبعد مدى (فى قضايا الجمال والحب والوطن والحرية على السواء)، وسبحان الله، هو من مواليد دمياط، من قرية (اسمها الشعراء)، أيضا إعلامى رائع، المذيع والإعلامى كما يجب أن يكون، ذو نبرة خاصة محببة، نبرة حانية مدققة، مقنعة دوما بصدقها ومنطقها وتجردها، وهو يقدم بل و(يعلم) بكل معنى الكلمة، فى برنامجه الفريد (لغتنا الجميلة)، إنه البرنامج الإذاعى الذى يمثل شعار الحكيم كأدق ما يكون: (نحو الأرفع والأمتع والأنفع)،. والأمر ذاته ينطبق على برنامجه فى التليفزيون (أمسية ثقافية): أيضا هو برنامج كان بنفس القدر لامعا، ومتفردا، شاهدنا من خلاله، دون غيره أقطاب إبداع، مثل يوسف إدريس وصلاح عبدالصبور وأمل دنقل وأعلاما ومعلمين مثل الناقد العظيم رجاء النقاش وغيرهم، واستمعنا واستمتعنا بتحاورات «فاروق شوشة» الراقية المتعمقة معهم. سلاما: فاروق شوشة، صاحب وسامة الملمح والروح، ووسامة النبرة والإلقاء، ووسامة الكلمة الشعرية وكتابات وكتب فى النقد الدقيق والتحليل العميق، وكلمة الحق الثقافية الحضارية التى تزدهر وتنير باستمرار ولا تغيب.
يحكى أن: (شادية)، مثلا: اسم لمطربة مبدعة، أحسن المطربين حينما مثلوا على الإطلاق، أيضا اسم لإحدى ربات الرقة، والأنوثة الراقية عند سكان البلاد الأصليين، قدماء المصريين الذين كانوا يعيشون هنا منذ خمسين ألف سنة، وقد اختفوا، ولا نعرف إلى الآن، أين هم! ويحكى أن أقواما غريبة عجيبة التكوين، زحفت وسيطرت على البلاد ابتداء من سبعينيات القرن العشرين، واسمها: قبيلة العقول الخشبية، وفى قول آخر «ذوى العقول الوهابية». تجربة «مسرح مصر» فى التليفزيون: مجموعة من ممثلى الكوميديا، موهوبة جدا، مع نصوص ضعيفة جدا، النتيجة: مسرح بدائى جدا. أما المسرح الكوميدى الحقيقى، فهو قصة أخرى تماما، إننا نفتقد بشدة فى كل وسائل الفنون لدينا، الكوميديا بمفهومها الأصيل والجميل والنبيل، الكوميديا كأحد عمادى الدراما، باعتبارها (دراما مرحة) إلى جانب التراجيديا (أو الدراما الجادة)، بل لم نعد نطمح إلى مشاهدة كوميديا حقيقية بمضمون عميق، ولكن حتى ذات المضمون البسيط نبحث عنها، فى مسرحية أو فيلم أو تمثيلية، فلا نجد إلا نادرا جدا!، لا نجد سوى تلك الفكاهات (كالتى فى مسرح مصر)، ذات الطابع البدائى بالغ الفجاجة، والذى يهدر مواهب مبشرة فى التمثيل، ويهدر وقت جمهور تستغرقه الشواغل والهموم، فيبحث عن بسمة مصحوبة بتأمل جميل، لكن ليس أمامه مع الأسف فى حياته كلها، سوى سخافات و«بشاعات» فى كل المجالات، وكل مناحى المشتغلين بالدين والسياسة والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون، على السواء!