دائمًا ما كانت وسائل الإعلام الأمريكية، قبيل إعلان النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية فى أمريكا التى فاز فيها المرشح الجمهورى دونالد ترامب رجل الأعمال اليهودى على المخضرمة السياسية هيلارى كلينتون، تتشدق بالحيادية والمهنية العالية التى لا تضاهيها أى موضوعية أو مهنية فى وسائل الإعلام الأخرى فى العالم المتقدم والنامى، لاسيما العالم العربى ودول العالم الثالث، وكانت تؤكد دائما على قوة مراكز استطلاع الرأى الأمريكى فى جس نبض المواطنين فى أمريكا واستكشاف رؤاهم مبكرا حيال كافة القضايا الداخلية والخارجية التى تمسهم من قريب أو بعيد، إلا أنها كانت على موعد مع الفضيحة المدوية التى هزت عرش الميديا الأمريكية ومراكز استطلاع الرأى هناك وكشفت المستور وخلعت الأقنعة عن حقيقة هذا الإعلام الكاذب ومراكز الاستطلاعات التجارية غير الأمينة وتلك الديمقراطية الأمريكية الزائفة عقب إعلان النتيجة عندما جاءت الرياح بما لا تشتهى سفن مراكز الاستطلاعات والإعلام الأمريكى.
وفاز ترامب عندما تم الترويج الكاذب للمرشحة فى انتخابات الرئاسة الأمريكية كلينتون بأنها الفائزة - لا محالة - فى الانتخابات بحسب جميع المؤشرات بما فيها استطلاعات الرأى، فضلا عن أنها تتمتع بدعم الإدارة الأمريكية والإعلام الأمريكى «غير المحايد» ربما لمصالح عديدة كانت منتظرة من فوز كلينتون باعتبارها سياسية محنكة وربما لعدم رغبة الكثيرين من دول الخليج والإخوان فى فوز ترامب خاصة بعد إعلان قيادات إخوانية استياءهم الشديد وقلقهم من فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية مثل جمال حشمت وآخرين.. على أى حال فقد تم فضح الإعلام الأمريكى المتحيز لكلينتون ومراكز استطلاعات الرأى العام قبل التصويت النهائى للانتخابات.
بالقطع أثبتت نتيجة الانتخابات أيضا أن استطلاعات الرأى هناك ليست جديرة بالثقة، ولا تحدد النتيجة النهائية، مهما كانت هذه الاستطلاعات محسومة.! وأن أكذوبة الإعلام الأمريكى بدت بقوة عندما صنع هذا الإعلام هالات هلامية وفقاعات خيالية اسمها «مستحيل أن يفوز ترامب» بل استخدمت كل ما تعرفه عن صناعة الرأى العام، وتعديل المعتقدات، وتسيير الناخبين والمتابعين حول العالم فى اتجاه واحد one way !
كما صنع الإعلام الأمريكى من ترامب ما يشبه البهلوان فى السيرك أو أراجوزا لإضحاك الناس أو مصارعا فى الحلبة كالثور الهائج ربما كانت حركات ترامب تساعد أحيانا على تأكيد هذه الصورة وترسيخها لدى من يتابعه إلا أن كل هذا لم ينل من مقدرة ترامب على الفوز برغم كل استطلاعات الرأى التى أكدت تفوق كلينتون، ولم يشر أى استطلاع إلى أن المرشح الجمهورى ترامب سيكون هو الفائز برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى امتداد أسابيع طويلة كانت استطلاعات الرأى التى أجرتها وسائل الإعلام الأمريكية مثل «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز»، أو قنوات مثل CNN وABC تؤكد تقدم كلينتون على ترامب بفارق كبير وصل إلى ٩ نقاط فى أحد الاستطلاعات، وفى استطلاع لشبكة «NBC» وشركة «Survey Monkey»: أكدت أن كلينتون تتقدم على ترامب بـ٦ نقاط، وهناك استطلاع لوكالة «Bloomberg» وشركة «Selzer»: أن كلينتون فى الطليعة بفارق ٣ نقاط، واستبيان لصحيفة «Washington Post» وقناة «ABC News»: أن كلينتون تتفوق على ترامب بـ٤ نقاط! لكن لا شيء من ذلك حدث بل العكس فاز ترامب، وبفارق كبير، مما يشكك فى مصداقية ما يسمى بمراكز الاستطلاعات الأمريكية التى صدعتنا ليلا ونهارا بقدرتها على استطلاع النتيجة مبكرا ومعرفة الغيب وقراءة الكف وفك الودع!
ولكن على أى حال فالانتخابات هذه المرة تعد أغرب انتخابات شهدتها بلادهم فى تاريخها، فلم ير مواطنو هذا البلد، صاحب الديمقراطية العريقة انحطاطا فى التنافس الانتخابى وفى لغة الخطاب السياسى كما رأوا فى هذه الانتخابات، ناهيك الإشكالية فى الاختيار بين مرشحة مستهلكة سياسيًا ومرشح يفتقد أى تجربة سياسية بلغت به بذاءة اللسان وغرابة الأفكار وعنصرية الأطروحات ما بلغت. وتحديات دولية تواجهها فى صعود الصين وروسيا وفوضى الشرق الأوسط، وداخلية من وضع اقتصادى يحتاج حلولًا ناجعة واضطرابات اجتماعية ناجمة عن التمييز ضد السود!، بل سقطت الأقنعة الأمريكية عندما بدت بعض الظواهر الجديدة مثل حرق العلم الأمريكى علنًا فى الشوارع، ورفع شعار «ليس رئيسى» Not my President، وخرجت أصوات من ولاية كاليفورنيا تطالب بالانفصال عن الولايات المتحدة والخروج من الاتحاد!!، ربما أن هذه المراكز تسعى لتحقيق ثروات طائلة من خلال تزييف الحقيقة وتضليل الناخبين والتحيز لمرشح دون الآخر من أجل ترجيح كفته والضغط على الرأى العام لاقتناص أصواتهم لصالح مرشح بعينه والمتاجرة بطموحات الشعب من دافعى الضرائب.
وقياسا مع الفارق، تقوم بعض مراكز الاستطلاعات المصرية بالتضليل والخداع فى أحيان كثيرة عندما أعلن مركز يدعى «بصيرة» فى عام ٢٠١٢، أن محمد مرسى، الذى فاز بانتخابات الرئاسة فى مصر آنذاك، قد حل فى فى المركز الخامس والأخير بالاستطلاع بنسبة ٩٪ بعد شفيق وعمرو موسى وأبوالفتوح وحمدين! فهذا هو الوجه الحقيقى القبيح للميديا الأمريكية ومراكز استطلاع الرأى فيها التى فشلت فى أن تكون حيادية بل متآمرة وتجارية مثلما حدث ويحدث فى أمتنا العربية والإسلامية التى ضحكت من جهلها الأمم.. كما قال المتنبى!!