رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عمرو أديب وأميرة الغناء الأوبرالي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الإعلام قد يضيء شمعة تنير العقول وتفتح أبواب الأمل ويشير إلى مواطن النجاح والتميز.. وقد يفتح أبواب اليأس على مصراعيها ولا يرينا سوى السواد والغم والكآبة.. وما أسعدنا حين نستقبل لحظات النور التى قلما تأتينا من برامج التوك شو فتمنحنا الطاقة الإيجابية.. وخاصة حين يطل علينا شباب مصر الناجح فى دول العالم، الذين طبعوا بصماتهم ورفعوا اسم مصر عاليا ليمنحونا البهجة والأمل فى غد أفضل.. ورغم شعور الكثيرين بتدهور المناخ الفنى والثقافى حتى أصبحوا يتحسرون على زمن الفن الجميل كما يسمونه.. إلا أن العديد من شبابنا تغلبوا على الإحباطات واستطاعوا أن يكونوا سفراءنا فى العالم من خلال الفن الراقى ولغة الموسيقى العالمية.. وقد شاهدنا منذ أسابيع السوبرانو «فاطمة سعيد» ابنة السياسى البارز أحمد سعيد (عضو مجلس النواب والرئيس السابق لحزب المصريين الأحرار) التى فازت بعدة مسابقات دولية.. واستمعنا إلى حوارها الممتع عن رحلة دراستها فى الخارج وعملها بدأب حتى استطاعت الوقوف على أهم مسارح العالم.. وقد استوقفنى فى حوارها صدقها وأمانتها حين أسبغت عليها مقدمة البرنامج أ.منى الشاذلى صفة العالمية وقدمتها وكأنها مغنية الأوبرا المصرية الوحيدة التى قدمت أدوارا خارج مصر.. وهو ما يحدث من الكثيرين بسبب الخلط بين تقديم حفلات فى الخارج والحصول على جوائز فى مسابقات دولية، وبين الوصول إلى العالمية والتى تعنى تحقيق مكانة وشهرة تتخطى حدود الوطن وتصل إلى العالم كله.. وفى حقيقة الأمر لم يصل نهائيا إلى حمل هذه الصفة فى المجالات الفنية سوى الفنان عمر الشريف لمشاركاته المتعددة فى السينما العالمية.. بينما كل الفنانين والموسيقيين المصريين الذين أسبغت عليهم صفة العالمية لم تكن سوى وهم أرادوا تصديقه.. لكن لم تكتف فاطمة سعيد بالتوضيح ولكنها أشارت إلى نبوغ غيرها من فنانات الغناء الأوبرالى الذين استطاعوا إثبات أنفسهن فى الخارج أيضا مثل: جالا الحديدى وأميرة سليم وهما من أفضل مغنيات الأوبرا فى مصر حتى الآن.. وقد قدم الإعلامى المتميز عمرو أديب فى برنامجه «كل يوم» مقتطفات من عروض السوبرانو «أميرة سليم» فى الخارج.. وأميرة هى ابنة أستاذة البيانو فى الكونسرفتوار الفنانة مارسيل متى والفنان التشكيلى المرحوم أحمد فؤاد سليم.. وقد عرض البرنامج أغنية قدمتها أميرة فى أوبرا فيينا من أوبرا «الناى السحرى» للمؤلف النمساوى «موتسارت» ولكن بإعداد موسيقى جديد، شمل آلة الكولة-وهى من فصيلة الناى ولكن تعطى صوتا أغلظ وأكثر شجنا-إلى جانب الإيقاعات الشرقية وتعريب الجمل الموسيقة التى أضفت الروح الشرقية على الموسيقى الكلاسيكية التى أبدعها موتسارت.. وارتدت أميرة سليم زيا شرقيا وقامت بأداء حركى مصاحب ومحاك للغناء بشكل جديد وذكى، لإدراكها أن أوروبا بها مئات من مغنيات الأوبرا البارعات، لذلك أرادت أن تتميز وتجذب الانتباه بأداء حركات راقصة على الإيقاعات الشرقية دون أن يؤثر الأداء الحركى وخفة الظل المصرية على دقة وانضباط غنائها الرصين.. وقد ظهرت جليا مهارتها الشديدة فى أداء الأغنية الصعبة بالإضافة للخامة الصوتية الرائعة التى منحها الله لها.. كما عرض أغنية للمؤلف الفرنسى «أوفنباخ» من أوبرا «حكايات هوفمان» التى تحكى عن الدمية الميكانيكية «أوليمبيا» التى أغوت بسحرها هوفمان ولكن انكسر قلبه بعد أن قام مخترعها بتحطيمها.. وقد أدتها بأداء تمثيلى عبرت فيه عن الدمية المتحركة بأداء كوميدى معبر عن الكلمات وبتمكن بالغ.. وقد علق «أديب» على أدائها المبهر، ولكنه لم يعرف الأعمال الموسيقية التى قدمتها والتى كانت ستزيد من تقدير وفهم الجمهور لغنائها، ولكنه بأسلوبه الساخر طالب الجمهور بعدم السخرية من الغناء الأوبرالى الذى لا يجد فى مصر جمهورا كبيرا.. والواقع أن العيب ليس على الجمهور ولكن على المسئولين عن الثقافة الذين هبطوا بمستوى ما يقدم بحجة الوصول إلى العامة.. بدلا من أن ينهضوا بثقافتهم حتى يتذوقوا الفنون الراقية.. وأذكر مهرجان القلعة الذى أنشأه المايسترو شريف محيى الدين منذ التسعينيات وكانت تقدم فيه السيمفونيات والأغانى الأوبرالية والموسيقى الكلاسيكية فى رحاب قلعة صلاح الدين وبالمجان، فكان الجمهور يأتى من كافة الطبقات للاستمتاع بالموسيقى وتذوقها.. ولكن بكل أسف أصبح المهرجان يهبط بالفن الذى يقدم الآن حتى يجتذب أعدادا أكبر من الجمهور!!..والغريب أنهم أصبحوا يطلقون عليه إعلاميا مهرجان الناس الغلابة رغم أن الحفلات لم تعد بالمجان بل أصبحت بتذاكر حتى وإن كانت بأسعار رمزية!!.. أميرة سليم وغيرها الكثيرون استطاعوا أن يثبتوا أنفسهم فى دول العالم، ولكن كالعادة لن يجدوا التقدير إلا إذا تم تسليط الضوء من الإعلام!!.. فلم نجد مسئولين يحتضنون المتميزين بالفعل وليس رياء؟!..دون فرض الأمر عليهم من وسائل الإعلام التى تقوم بإحراجهم.. مصر مليئة بالموهوبين والأفذاذ فى كل المجالات.. ولكن يجب أن نتساءل أين هم؟!.. ولماذا لا نراهم سوى ومضات كل حين دون أن نستفيد منهم بحق؟..إلى متى سيظل المسئولون الذين يقبعون على صدر الوطن ويمنعون النفس عن أبنائه محتكرين الخيرات لأقاربهم وذويهم دون حق؟!.. مصر تحتاج أبناءها المتميزين الذين استطاعوا أن يحفروا أسماءهم بالجدية والاجتهاد رغم الصعاب.. لن ننهض من كبوتنا سوى بالاهتمام بالثقافة والتوعية الحقيقية.. ولن تقوم لنا قائمة دون أن نقدر أهمية العلم ونعى قدر أبنائه فى كافة المجالات.. على المسئولين أن يبحثوا عن المتميزين ويبرزوهم.. وكفانا محاولات طمس النجاح والإحباط وقص ريش المبدعين حتى لا يحلقوا ونسمع تغريدهم.. لتظل الغربان تنعق وحدها فى سماء مصر.