الخميس 30 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أعمـق أنْتَ مما تبدو على السطح

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لماذا يبدو الأمر محيرًا جدًا أمام بريق عينيك، كيف يجتمع الضِدَّان؛ الملاك والشيطان فى إنسان؟!، كيف يختلط النَّقيضان؛ الأبيض والأسود فى كفين؟!، كيف ينسجمان، يندمجان، يتحدان؟!، ولماذا تغافلت عينى اليقظة جدًا عن «الشيطان»، وأبصرت فقط «الإنسان»؟!، ولماذا لم ألتفِت إلى صخَب نهرِك الآسِـن، وأمعنت النظر فى أغوارِ الكِتْمان؟!
قل لى بالله عليك: من أنْت؟!، ولماذا تسكُننى فى مكان ما، مقتحم، آسِـر؟! ولماذا لمست شيئًا ما داخلى، أذبت كتلته الجليدية، وبعثت فيه الحياة، ليصير قوة ثائرة، نشطة، تخترق الحواجز، تفتح النوافذ، تشعل المواقد، ترتاد المجاهل الخطرة، تتجرد من الأقنعة، وتُغِير على الحدود؛ كل الحدود، بلا قيود، بلا خشية، بلا خوف؟! 
لماذا أُصِر على السير بخطى واثقة إلى مدائنك المرتعشة والمتكسرة؟!، لماذا أمد يدى الناصعة إليك، ولا أخاف أن ترتد لى خائبة مهزومة؟!، لماذا لا أستطيع التخلى عن قضيتك؟!، ومن أين جاءنى هذا اليقين فيك حتى قبل رؤيتك؟!
و«الله العظيم» لا أعرف!، كيف تكتب عن العشق والحب، وأنت لا تعرفهما؟! لم تقنعنى!، كيف تقدس الخيال والجنون، وأنت لا تعرف عنهما شيئًا؟!، كيف تكتب عن هزائم الوطن، وأنت مهزوم؟!، كيف تنادى بحريته، وأنت سجين قشرتك؟!، كيف تكتب عن نكسات العالم، وانحرافات الكون، وأنت....؟! كيف تكتب عن الصدق، وأنت تكذب وتخادع؟!، كيف تنادى بقيم التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية و«المُلوخِية بالتَّقْلية»، وأنت تعتدى عليها كل لحظة، وتنزعها حتى عن نفسك؟!
أدرك أنه لا يوجد إنسان بلا أخطاء، كُلُّنا أخطاء، لكن هناك من يعافر فى الصخر، حتى لا تطعنه سِهام العَتَم، يواجه عدوان قوى معرقلة، تريد ابتلاعه فى جوفها طول الوقت، ويظل يَضِل، ويتهاوى، ويختنق، ويتشظَّى، لكنه دومًا محاصر بإرادة أعلى، تكتب له النجاة فى لحظةٍ مُباغِتَة.
قل لى سيدى: لماذا تعشق الرحيل، وتدمن الفرار؟!، لماذا تخشى المواجهة، وتُؤثِر التلصص؟!، لماذا تتوغل إلى القاع، وأنت لست من أهلِه؟! لماذا تخلَّيت عن قوتك الروحية، ومقاومة الابتلاع؟!، لماذا تستعذب الاستسلام الآمن لقوى الركود والموت والعدم؟! 
لماذا لا تغادر كرسى المشاهدة، وتحطم الأغلال؟!، لماذا لا تتلقى الطلقة الأخيرة، وتخترق شاشة العرض؟!، لماذا لا تعيش قصتك، وتحرك الأحداث؟!، لماذا لا تشاكس القدر، وتجيد مغامراته الذكية؟!، لماذا لا تسترد سلطاتك المفقودة، وأنت قادر؟!، لماذا لا تطفو على السطح من جديد، كائنا خفيفا مُجنَّحا؟! 
هذه دومًا هى الشُروخ والتَّصدُّعات فى جدار «الحب»، الذى عرفته من روايات وأشعار وأفكار وأعمال درامية مدهشة لأدباء ومفكرين رواد، لهم الفضل فى تشكيل وعْى ووجدان جيل كامل، كالكاتب المبدع «أسامة أنور عكاشة» فى رائعتيه «رحلة أبوالعلا البشرى» و«الشهد والدموع». 
يقول «البِشْرى» فى مشهد عبقرى: (أعْنِى «الحب» المثالى؛ ببساطته، وعذريته، وروح الطهر، والشاعرية، التى تسكن تفاصيله، كأنك تقرأ شعر، أو تسمع موسيقى، أو تتأمل لوحات ناجى، ومحمد صبرى، ومحمود سعيد).
( كانت مجرد لمسة من اليد، تُغْرِقنا فى عوالم أسطورية، ونظرة من العين، تُسهِّرنا للفجر، أما رعشة الكلمة الحُلوة على الشفايف، فكانت تبكِّينا؛ لذا كنا نخاف القرب أكثر من البعد، وفى البعد يقتلنا الحنين للقرب مرة أخرى).
( كنا نرى الأشياء البسيطة جدًا فى الحياة، ذات قيمة ثمينة؛ كوشوشة الريح فى الشجر، ونور القمر الساطع فى الظلام، كنا نشعر أن كل شىء له معنى، وطعم، ومتعة، حتى حينما كنا نسمع صوت «أم كلثوم» لساعات طويلة، كنا نقول كل شىء، دون أن ننطق كلمة واحدة).
وتصرُخ «ليلى» – أستاذة الأدب الإنجليزى – فى وجه «الحبيب الغادر والزوج لليلة واحدة» فى مشهد عاصف من «الشهد والدموع»: (يمكن تعتبرنى مخلوق من حبر وورق، أفكار يمكنك قراءتها، إذا استطعت فقط الوصول لمستوى المكتوب داخلها، لكنك دومًا لن تستطيع التعامل معها بلغة المشاعر، والأحاسيس، سواء كانت ندم، حب، كره، أو حتى صلة دم مشؤومة).
يرد «الحبيب»: (كيف يكتب مخلوق من حبر وورق هذه الكلمات؟!)، ثم يقرأ مقالاً منشورًا لها بإحدى الجرائد: (لست أدرى ما بعينى، غير أنَّى لم أنَم، حِيرة فى السُهد تبدو، ثم يغشاها الألم، طيف ليلات الغرام، ثم أطياف الندم، ثم أغدو كالغريق بين أمواج العدم، أين فى الأضواء نورى؟!، أين فى الأصداء همسى؟!، أين قيثار الحبيب؟!، أين فى الأعراس عرسى؟!، هل غدت نارى رمادًا؟! أم جرى الإعصار عصفى؟!).
وأخيرًا.. أسألك سيدى العنيد جدًا: لماذا أراك أعمقُ كثيرًا مما تبدو على السطح؟!، وكيف يمكن بعد رحلتى الطويلة والمتعبة جدًا فى البحث عنك، أن أجدك فى النهاية، حلمًا هزيلاً، بائسًا، يائسًا، يلفُظ أنفاسه الأخيرة، مُلقَى على قارعة الطريق؟!، وأسأل نفسى: هل أملك ردًا لدفع رغبات قدرى الساخر جدًا؟!.. لا أظـن!