يطيب لى أحيانا أن أكتب قصصا قصيرة للغاية وأجد فيها نفس المتعة التى أراها فى القصص العادية والمسرحيات الطويلة، وهذه بعض القصص التى لا تخرج عن صفحة أو أقل:
١- حلم الكتابة
أنا أحلم كثيرا.
أعرف أنها ليست جريمة فكل الناس تحلم. لكنى لا أجد من أحكى له أحلامى.
بالأمس حلمت أنى أكتب طول الليل. يمر وقت طويل أو هكذا يخيل لى.
أتوقف حينا بحثا عن المعنى أكاد أصطاده لكن الكلمات تراوغنى وتهرب منى، فأشعر بعجزى. ثم أخيرا تهطل على ذهنى الأفكار كالمطر بعد الغيوم فأشعر أن ما كتبته حسن.
أصحو من نومى متحمسا أهرول إلى الأوراق وأمسك القلم ولكنى أفشل فى تذكر حرف من أحلامى. (يظهر من وسط المكتبة شخص بملامح غامضة ينظر من خلفى إلى الأوراق) فأشعر أن هناك من يراقبنى كظلى.
٢ - حلم الفرح
نزور قريبنا الفقير فيلقانى بمرح يحملنى على يديه ويرفعنى لأعلى يقول هيا بنا نلعب. فى آخر الزيارة يهدينى مجموعة ألوان وأوراق أفرح بها كثيرا وأتمنى أن أراه دوما.
أبى وأمى وجدتى يبكون بتأثر. بعد وقت قليل أفهم أنه مات بالمرض الملعون. تمر أيام وأنسى. يطلبنى قريبنا الثرى لنزوره وأسمعهم يقولون إنه يعانى نفس المرض. أزوره مشفقا عليه فأجده متماسكا كالسليم يبتسم فى وجهى ويهدينى لعبة. أنسى أنى لن أراه ثانية وأفرح بالهدية كثيرا. الجدة تأخذنى إلى فراشى لأرقد باللعبة فى فرح وهى تهدهدنى بأسى وتقول إلى متى تدوم فرحة الصغير؟. ثم تغلق الظلام لثانية. وأصحو فأجدنى قد كبرت!.
٣ حلم الشهادة
فصل بمدرسة ابتدائية. جالسا وبجوارى زميلى. مدرس اللغة العربية يتفرس فى ملامحى وهو يعطينى الكراس ويسألنى هل اسمك يوسف عيسى خليل؟
أهز رأسى بالإيجاب فيقول إذن اقرأ الفاتحة.
أقرأ الفاتحة. (يتنهد بارتياح ويبتسم برضا عن نفسه) عظيم.
(زميلى يقف وبلهجة اعتذار) أستاذ: أنا اسمى شنودة وأنا قبطى يا أستاذ.
(يشيح عنه متجاهلا)، يكتب على السبورة: درس اليوم النقاب فريضة واجبة.
٤- حلم الألم
فصل بمدرسة إعدادية.
على السبورة حروف اللغة الإنجليزية.
(أجيب تباعا) D. E. F. A.B.C (ثم أسكت فيسأل): ما هذا الحرف؟
لن أتركك حتى تنطق (يهرس أذنى بأصابعه): ما هذا الحرف؟
(أقاوم رغبتى فى الصراخ)
ما هذا الحرف؟.
(تفلت منى آهة خافتة)
(المدرس بنشوة): هو حرف أى ولن تنساه أبدا.
أنا فى الثلاثين من عمرى أدخل الفصل وأجد كل شيء كما هو.
(المدرس يشير بالمؤشر مبتسما): ما هذا الحرف؟
أقول ليس حرفا من حروف اللغة الإنجليزية. إنه جملة عربية تامة المعنى.
٥- حلم الأستاذ
أمشى كثيرا.. كثيرا. ولا أبرح المكان.
المكان ميدان «سفنكس» أم هى حديقة خضراء واسعة؟.
واقفا أتطلع إلى تمثال نجيب محفوظ. أو هكذا قصد النحات.
لماذا جئت إلى هنا؟ و إلى أين أنا ذاهب فى هذا الليل؟.
وفيم وقوفى أمام التمثال كالتمثال؟ وإلى متى؟.
هل يتذكرنى الأستاذ لكى أخاطبه؟.
وماذا أريد أن أقول له؟.
هل يصدقنى إذا قلت له إننى لم أهجر حبيبتى؟.
هل يصدقنى إذا قلت له إنها هى التى هجرتنى؟.
هل يعتب على إذا قلت إنى من وقتها لم أعد قادرا على الحب؟.
ولا على تحمل العيش بلا حب؟.
أم ترى يسامحنى؟.
اقتباس: أنا فى الثلاثين من عمرى أدخل الفصل وأجد كل شيء كما هو. (المدرس يشير بالمؤشر مبتسما): ما هذا الحرف؟ أقول: ليس حرفا من حروف اللغة الإنجليزية. إنه جملة عربية تامة المعنى.