ماليش فى الاقتصاد.. ولا فى السادة الذين يتحدثون عنه وفيه، باستثناء عدد محدود من الخبراء.. ولا يعنينى ذلك على الإطلاق إلا فى تأثيره المباشر وغير المباشر على أحوالنا المعيشية.. باختصار تقول الصندوق والقرض والدولار.. وسلة العملات.. أقولك.. ده هيفرق معانا فى إيه؟!
وباختصار برضه اللى فهمته من الليلة اللى إحنا فيها لينا كام شهر.. إن التعويم علشان الاستثمار.. وإن الدولار طول ما إحنا بنستورد هيفضل فى العالى.. وهنفضل نلف وراه ونشحت من طوب الأرض.. طيب يا عمنا ونستورد ليه من أصله؟! الإجابة وباختصار برضه.. لأنه ما عندناش بديل.. طب وماعندناش بديل ليه؟! دى بقى المؤامرة اللى بجد؟!
واحنا صغيرين فى ريف الصعيد.. كان أهلنا يزرعون أنواعا غريبة من البقوليات -غريبة علينا كأطفال- مثل الفول والعدس واللوبيا والفاصوليا.. كنا نفرح بزرعها.. وربما نفرح بأكل هذه النباتات وهى خضراء.. لكننا كنا بنكره «العدس» عمى.. بدون مبررات.. وكان منه نوعان، واحد أصفر، ده اللى كل الناس عارفاه.. والثانى أسمر نسميه «أبو جبة».
وعرف معظمنا كيف يتعامل مع العدس حينما التحق بالقوات المسلحة.. أو سكن فى «المدن الجامعية» حتى إلفناه، وبقينا نعمل منه شوربة.. مرة سادة ومرة بالشعرية.. ومرة بشوربة اللحمة.. وممكن أسميلك عشر أصناف كمان.
طب إيه اللى جاب صندوق النقد عند العدس يا خال؟
أقولك يا سيدى..
تصور إننا بنستورد سنويا بما قيمته ٢.٥ مليار دولار عدس وفول بس؟! تصور يا سيدى أن ما نستورده يصل إلى ما نسبته ٨٠٪ من الاحتياج المحلى من العدس اللى ماكانش بيعجبنا واحنا عيال و«مسمار جحا».. الفول المسلح؟! تصور كمان إن من بين أهم الدول التى نستورد منها تركيا بتاعة أردوغان؟ طب ليه كده.. وليه يوصل سعر كيلو العدس إلى ٢٤ جنيه.. آه والله بـ٢٤ جنيه.. ومين اللى منع الفلاحين إنهم يزرعوه ويصدروه.. هو إحنا ماكناش بنعمل كده.. كنا يا سيدى ولحد سنة ١٩٨٤.. يعنى لحد بدايات العصر المباركى يحرسه ويصونه.
العدس تحديدا موجود فى مصر من أيام الفراعنة.. بدليل وجود نقوش له فى المعابد.. ويقال إن الهنود يقدسونه.. وبالمناسبة جاء ذكره فى القرآن.. ويزرع فى مصر فى الشرقية.. وبلاد الصعيد.. قنا وأسيوط وسوهاج تحديدا، وتتميز فرشوط وإسنا بزراعة «أبوجبة» مثلما تميزت قوص لسنوات بزراعة «الحنة القوصى» و«القصب الأحمر/أبواللبايش».
طب مين اللى خرب بيوتنا بالشكل ده وخلانا نستورد ٣٠٠ ألف طن عدس سنويا، و٨٠٠ ألف طن فول.. وأوصل حجم المزروع من العدس فى بلادنا إلى ١٤٠٠ فدانا فقط؟!
بص يا سيدى.. شوف عمك الحاكم بأمر الله عمل إيه أيام الفاطميين يمكن نفهم «الفولة».
عمنا الحاكم ده.. قرر أن تكون وجبة الإفطار الرسمية فى مصر هى الفول.. ليه بقى لأنه باختصار فيه كل فوايد اللحمة.. والأهم إنه بيلكم يعنى تاكل من هنا.. وتتلكم لطول النهار.. المهم تحبس بشوية شاى.. طبعا لو فيه سكر.
وعلشان الحكاية ماتبقاش كله ضرب ضرب.. أمر الحاكم بأمر الله بمقدار من الذهب سنويا يمنحها لبائع الفول.. عشان بيجر عربيته ويلف فى الشوارع يبيعه للمصريين، وده كان أمر متعب جدا لزم أن تقوم الدولة بتعويضه عنه.. فماذا فعلنا نحن حتى نشجع فلاحينا على زراعة الفول والعدس؟ أقولك يا سيدى.. شجعناهم على هجرة الأرض.. حتى نوفر للمستوردين من عند أردوغان فرصة الكسب وتحويش المليارات فى بنوك سويسرا.
عملنا إيه يا عم.. قلنا لهم بلا عدس بلا نيلة اسمعوا كلام يوسف والى وازرعوا كنتالوب.. عدس إيه وكلام فارغ إيه.. ما هو مرطرط فى السوق.. و«نحته أسهل من قطمه».. يعنى إيه يا عم.. يعنى الميه بفلوس.. والسولار بفلوس.. والمبيدات مغشوشة والتقاوى مغشوشة.. والفدان مايجبش ربع تكاليفه يبقى نزرع عدس ليه.. عشان نعمله علف للبهايم؟ بالمناسبة علف العدس من أفضل أنواع الأعلاف بلاها فول.. بلاها عدس.. خلينا فى الكنتالوب بلا شيل.. بلا حط.
ووصلنا للحال اللى إحنا فيه.. طب نقدر نرجع نزرع عدس وفول تانى.. آه نقدر.. واخوانا فى مراكز البحوث يقدروا يعملوا أصناف بتنتج كميات أكبر.. آه يعرفوا وعملوا فعلا.. وعندنا حوالى عشر أصناف من العدس لوحده.. إشى أحمر وإشى أصفر وإشى بطربوش!
طب حد سمعهم.. حد سألهم.. حد فكر يدعم الفلاح اللى يزرع عدس وفول على طريقة الحاكم بأمر الله؟ لا ماحدش.. واللى بيفكر بيتحارب.. وتتمنع عنه الترقيات.. ومش بعيد لو عمل كده اليومين دول نبلغ عنه بكام تقرير ونقول إنه إخوان، ولو مش مصدقين شوفوا إيه اللى حصل مع الأساتذة بتوع جامعة الزقازيق اللى استنبطوا صنف رز مصرى لا يحتاج للماء إلا كل أسبوعين، وسموه أحمد عرابى نسبة إلى الزعيم أحمد عرابى ابن محافظة الشرقية التى تقع فيها الجامعة!! والسبب الغريب لتجاهل تجارب هؤلاء العباقرة أنهم تبع الجامعة.. يعنى تبع وزارة التعليم العالى مش تبع وزارة الزراعة.. رغم أن الأبحاث الأولى خرجت من الوزارة نفسها.. هنا مربط الفرس يا بشر لو كنتم تريدون إصلاحا.. إنما لو عايزينا نفضل نلف وندور فى أفخاخ بتوع الاقتصاد اللى آخرهم كام قرض ويجيبونا الأرض.. فمعاكم ربنا.