بدأ دونالد ترامب حملته للرئاسة الأمريكية بدعاية ظهرت فيها منافسته هيلارى كلينتون وأمامها أكياس من الفلوس ووراءها نجمة سداسية، أو نجمة صهيون، وانتهى، والدعاية الأخيرة له تظهر كلينتون وصورًا لرجال بارزين من نوع زوجها بيل وباراك أوباما، وثلاثة هم البليونير جورج سوروس، ورئيسة الاحتياطى المركزى جانيت يلين، ورئيس بنك الاستثمار جولدمان ساكس لويد بلانكمان.
الثلاثة هؤلاء يهود، ما جعل رابطة مكافحة التشهير باليهود تهاجم ترامب بحدة وشدة وتتهمه باللا ساميّة.
بين هذا وذاك وقرب نهاية الحملة الانتخابية، رأيت على التليفزيون فى مهرجان لترامب شابًا يميل إلى السمنة كأكثر الأمريكيين يشتم اليهود بالصوت العالي، كما رأيت شابًا آخر على قميصه شعار يدعو إلى سحل الصحفيين.
هذا كله وكثير مثله لم يمنع ترامب من الوصول إلى البيت الأبيض، وإصبعه على زر السلاح النووي، أراه عارًا على الديمقراطية الأمريكية.
الأمريكيون من خريجى الجامعات والعاملون الناجحون والليبراليون الذين يريدون الخير لجميع الناس انتخبوا كلينتون، أما ترامب فكان يمثل ثلث الأمريكيين الذين لم يتلقوا دراسة جامعية، ومعهم ملايين المتطرفين من «حزام التوراة» فى الولايات الجنوبية من البلاد، والعاطلون عن العمل فى «حزام الصدأ» فى ولايات ما يُسمّى وسط الغرب الأمريكي، حيث أغلقت أسهم شركات كثيرة- بينها شركات لصنع السيارات- مع النتيجة الأولى لفوز ترامب على خسارة فى بورصة وول ستريت التى خسرت أكثر من ٥٠٠ نقطة فورا.
إذا نظر الــقارئ إلى خريطة الولايات المتــحدة، يجد أن الولايات التى فاز فيها ترامب فى وسط البلاد، وأن الولايات التى فازت بها كلينتون تطل على المحيطَيْن الأطلسى والهادى فى شرق البلاد وغربها، هذا يعنى أن ولاية نيــويورك، عاصمة المال للعالم كله، وكاليــفورنيا، أولى الولايات فى عدد السكان وحاضنة التــكنولوجيا الحديثة، قدمتا المرشحة الأنثى الأولى للرئاسة الأمريكية على بليونير غوغائى تهرَّب من دفع الضرائب.
قبل هذا وبعده ترامب وقح، وحملته هاجمت الذين هاجموا دعايته الأخيرة، وقالت إن رابطة مكافحة التشهير باليهود «عليها أن تفتش عن اللا ساميّة حيث توجد، لا أن تزعم وجودها، حيث هى غير موجودة»، كل هذا وترامب يزعم فى الدعاية أن أصحاب القرار فى واشنطن يسيطرون على «المصالح الخاصة» بتريليونات الدولارات من دون أن يكون خير المواطن هدفًا لهم، كيف هذا وهو يريد خفض الضرائب على أصحاب البلايين؟
كنت توقعت أن تفوز هيلارى كلينتون بالرئاسة، ليس لأنها فاضلة أو منزّهة عن العيوب، بل لأنها أفضل من ترامب. ابنى الصغير الذى ولد فى واشنطن ويحمل الجنسية الأمريكية أفضل من ترامب الذى خلط الكذب بالوقاحة، وهو يخاطب أحط غرائز البشر فى حملته الانتخابية، الكل سمع المرشح الجمهوري الذى كان ديمقراطيًا حتى سنة ٢٠١٥، يتحدث عن بناء جدار بين الولايات المتحدة والمكسيك يدفع ثمنه المكسيكيون، وعن منع المسلمين من دخول بلاده، وعن خفض الضرائب على الشركات وأصحاب البلايين، وعن عزمه إلغاء قانون الضمانات الاجتماعية الذى وضعه باراك أوباما لمساعدة فقراء الأمريكيين، ربما أزد هنا أنه فاجأنى بالقول إن الولايات المتحدة تواجه إرهابًا، وإن ولاية مينسوتا تحديدًا تواجه كارثة من المهاجرين، لا كارثة إطلاقًا، فقد كان ترامب يتحدث عن مهاجرين من الصومال ولاجئين من حروب استقروا فى مينسوتا منذ عشرات السنوات.
الديمقراطية الأمريكية أنجبت رؤساء مثل جورج واشنطن وجون أدامز وتوماس جيفرسون وجيمس ماديسون بعد الاستقلال فى القرن الثامن عشر، ورأيناها تهبط إلى مستوى رونالد ريجان وجورج بوش الابن، والآن دونالد ترامب فى أيامنا هذه مع سيطرة جمهورية على مجلسى النواب والشيوخ، هل تنهض من كبوتها؟ لا أعرف.
نقلاً عن «الحياة اللندنية»