تشابهٌ كبيرٌ بين «البومة» كطائر وبين «الإخوان» كجماعة يدركهُ الدارسُ المتعمق لكلا المخلوقيْن العجيبيْن اللذيْن أنتجتهما ثقافتنا العربية عمومًا والمصرية خصوصًا؛ فقد جـاء فى المُعجم الوسيط أن «البومة طائر يكثر ظهوره باللّيل ويسكن الخراب، ويُضْرَبُ به المثل فى الشؤم وقُبْحِ الصورة والصوت»، فلم يرَ العرب فى البومة إلا رمزًا للخراب ونذيرًا بالشؤم، فهم لم ينظروا لأبعد مما يظهر لهم. فالبومة كائن ليلى، وحشى الطبع، يُصْدِرُ أصواتًا مخيفة، وهى بالتالى رمز شرير.. وهكذا كانت وستظل جماعة «الإخوان» فى مراحل النشوء والارتقاء وقُرْبِ الزوال.
وبطبيعتها الفطرية كطائر «البومة»، لم تتأخر جماعة «الإخوان» بتنظيمها الدولى وقياداتها الهاربة القابعة فى تركيا الأردوغانية، فى التعاطى مع ما اتخذته الحكومة المصرية من قراراتٍ اقتصادية بتحرير سعر صرف العملة الوطنية ورفع سعر المحروقات، فعقدت اجتماعًيْن مشبوهيْن تتآمرُ فيهما على الدولة المصرية واستقرارها أحدهما الخميس ٣ نوفمبر «يوم صدور القرارات»، وثانيهما السبت ٥ نوفمبر، وحضرهما ممثلون اقتصاديون وخبراء بسوق المال العالمى لدراسة الإجراءات التى اتخذتها الحكومة المصرية وكيفية استغلالها فى إحداث الفتنة والوقيعة بين الشعب وحكومته.
وقرر الحاضرون فى الاجتماعيْن الاستمرار فى تنفيذ خطة شاملة بهدف الوصول لحالة من الإرباك، والتخبط فى الإدارة المصرية للعمل على عرقلة تنفيذ الإجراءات الاقتصادية، والاستفادة مما جاء بها لمصلحة التنظيم، والعمل على إثارة الشارع المصري وفقًا لعدة آليات، كما وضع المتآمرون خطة اقتصادية تقوم على استمرار تكليف جميع أعضاء التنظيم، وخاصة رجال الأعمال على مستوى مصر بجمع أكبر كمية من الدولارات بأى سعر، واستمرار توجيه الشركات، والكيانات الاقتصادية التابعة للتنظيم بشراء سندات البنك المركزى، وجميع البنوك التى ستطرح الدولار، واستمرار تنشيط جميع العناصر التابعة بالقطاع المصرفى، لرصد حركة البيع والشراء، إضافة لافتعال أزمات داخل جميع فروع البنوك لإثارة الرأى العام.
ولا شك أن الاجتماع الذى عقده الرئيس عبدالفتاح السيسى، وضم كلًا من رئيس الوزراء، ومحافظ البنك المركزى ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية والمالية والتموين ورئيس جهاز المخابرات العامة ورئيس هيئة الرقابة الإدارية، كان مهمًا وحاسمًا فى مساندة الدولة لمواطنيها، حيث أكد الرئيس ضرورة محاربة كل أشكال الفساد بكل حزم، والقضاء على السوق السوداء للعُملة ومتابعة تحرير سعر الصرف، وضرورة التوسع فى برامج شبكات الحماية الاجتماعية، للتخفيف عن محدودى الدخل من آثار القرارات الاقتصادية الأخيرة، خاصة الفئات الأكثر احتياجًا، وتكثيف الرقابة التموينية على الأسواق والتعامل بحزم مع الممارسات الاحتكارية، وضمان توفير السلع الغذائية الأساسية بأسعار مناسبة. وتوجيه الرئيس بعدم رفع أسعار الكهرباء رغم ارتفاع التكلفة التى تتحملها الدولة بعد تحرير سعر الصرف.
ورغم ذلك كله، فإن الشعب ما زال يأمل فى الكثير من قائده وحكومته لكى تصبح الحياة اليومية ممكنة، ونعبر جميعًا الأزمة الاقتصادية الراهنة بسلام وبأقل الخسائر الممكنة. لا يكفى أن نقول إنه لا زيادة فى بعض الأسعار الحالية مثل الكهرباء وتذكرة المترو ورغيف الخبز، لأن كل الأسعار الأخرى الخاصة بالسلع، قد زادت ومرشحة لمزيد من الزيادة فى الفترة القادمة بعد استئناف الاستيراد بالأسعار الجديدة، وخاصة فيما يتعلق بالسلع الأساسية والأدوية اللتين كانا يتم استيرادهما بالسعر الرسمى للدولار، وتطبيق الجمارك بسعر الدولار بعد تحريره على كل السلع والخامات المستوردة.
ويمكن أن نُبدى هنا بعض الاقتراحات التى يمكن أن تخفف عن كاهل الشعب منها على سبيل المثال إقرار علاوة اجتماعية استثنائية تتراوح بين ١٠ ـ ١٥٪ لمواجهة الغلاء وارتفاع الأسعار بدءًا من يناير القادم، ومد مظلة الحماية الاجتماعية الخاصة بمشروع «تكافل وكرامة» إلى مليوني أسرة بأسرع ما يمكن بدلًا من مليون أسرة فقط بالنظر إلى مدى احتياج هذه الأسر، وليس بالنظر إلى الفئات العمرية، رفع حدود الدعم للفرد على البطاقة التموينية من ٢١ إلى ٣٠ جنيهًا، وخاصة بعد تآكل هذا الدعم مع ارتفاع أسعار السلع التموينية، ويمكن تمويل هذه الزيادة من إلغاء البطاقات التموينية المكررة والصادرة لمتوفين ومسافرين إلى خارج البلاد، توجيه الدعم الذى تقدمه القوات المسلحة والشرطة ورجال الأعمال على السلع المختلفة، من خلال ضخ هذه السلع بشكل يتسم بالدوام والاستمرارية فى المجمعات الاستهلاكية التابعة لوزارة التموين وتشديد الرقابة لوصول هذا الدعم للمواطنين.
وعلاوة على ذلك، لا بد من تشجيع المبادرات التى تساهم فى تخفيف أعباء المواطنين؛ ولا يكفى بالطبع أن تُطلق جامعة القاهرة مبادرة بتخفيض رسوم الإقامة فى المدن الجامعية للطلاب المغتربين بنسبة ٥٠٪، بل يجب أن يتم تعميم هذه المبادرة على كل المدن الجامعية بالجامعات المصرية من خلال المجلس الأعلى للجامعات، كما يجب أن يتم تعميم مبادرة تخفيض الكشف الطبى على المرضى بنسبة ٥٠٪ فى المستشفيات الحكومية والخاصة وأكبر عدد من العيادات الخاصة. ويمكن كذلك إنشاء صندوق لمكافحة الغلاء يقدم مساعدات للأسر الأكثر احتياجًا من حصيلة التبرعات. ولا أعلم مدى إمكانية أن يكون لدينا «بيت الزكاة المصرى» على غرار ما هو موجود فى بعض الدول العربية والإسلامية، يكون مسئولًا عن تجميع أموال الزكاة، وتوجيهها إلى مصارفها الشرعية، ومنها توفير الدعم والمساندة للمحتاجين وسداد ديون الغارمين ودفع نفقة الأولاد الذين لا عائل لهم فى مراحل التعليم.
إن هذه بعض المقترحاتِ التى حرصتُ على تقديمها لمواجهة الظروف الاقتصادية الراهنة، ولا يزالُ البابُ مفتوحًا للمقترحات والأفكار المبدعة لكى نبرهن للعالم أجمع على أن أهلَ مصر فى رِبَاط إلى يَوْم يَبْعَثُون.. ولكى لا نَسْمَعَ نَعِيقَ البُومِ القَادم مِن بعيد.