توقفنا فى المقال السابق عند السابع عشر من أكتوبر ٢٠١٢، حيث نشرت صحيفة ذا تايم أوف الإسرائيلية، خطابًا أرسله محمد مرسى إلى الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز فى يوليو من ذات السنة، متضمنًا الكثير من عبارات الود والمحبة والتمنيات بالخير والرفاهية للشعب الإسرائيلى ومتصدرًا بوصف بيريز بصديقى العظيم، وعندما نقلت مواقع التواصل الاجتماعى ما نشر فى إسرائيل، وبدأ النشطاء فى تداوله والتعليق عليه سارع ياسر على المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية، بنفى أن يكون الرئيس مرسى قد بعث بخطاب إلى بيريز، وقال بالحرف الواحد فى بيان نشرته جميع الصحف المصرية صباح اليوم التالى: «هذا الكلام عارٍ تمامًا من الصحة، والرئيس مرسى لم يرسل أى خطابات لرئيس إسرائيل، وإن ما نشرته الصحف الإسرائيلية فى هذا الشأن هو محض افتراء». ووصف ياسر على الصورة المتداولة للخطاب على مواقع التواصل الاجتماعى بأنها مزورة، وفى المساء طلت علينا عبر برامج التوك شو عشرات الوجوه من رجال الإخوان، ليؤكدوا أن الرئيس مرسى لم يبعث بشىء كهذا لشيمون بيريز، وأن إسرائيل تريد الوقيعة بين الرئيس وشعبه، وكلما أدرت المؤشر إلى محطة تليفزيونية أخرى ستجد رجلًا آخر من قيادات الإخوان يؤكد نفس المعنى، وكأن أمرًا قد أصدر إليهم جميعًا بالظهور فى برامج التوك شو المختلفة، وتكذيب ما نشر عن الرسالة وما جاء فيها، وأثناء ذلك قام الموقع الإلكترونى لصحيفة هآرتس الإسرائيلية بنقل ما يقال على الفضائيات المصرية، وطالب الموقع مكتب شيمون بيريز بتوضيح الحقيقة فورًا، وبالفعل وفى غضون نصف الساعة فقط، أصدر مكتب الرئيس الإسرائيلى بيانًا يؤكد صحة الرسالة التى نشرتها الصحف الإسرائيلية، وقامت وكالات الأنباء بنشر هذا البيان وترجمته، فاستشعرت الرئاسة المصرية الحرج واضطرت للاعتراف بالأمر فى كلمات قصيرة جاء فيها «إنها رسالة روتينية وكل الألفاظ التى وردت بها تستخدم عادة فى الخطابات المتداولة بين الرؤساء». وفى مساء اليوم التالى طلت علينا نفس الوجوه التى كانت تنفى أمر الرسالة بالأمس، لتؤكد اليوم أنها مسألة روتينية، ولا يجب التوقف عندها وأن الرئيس مرسى لم يكتب شيئًا فيها، وإنما وقع عليها فقط وأن هذا هو المتبع منذ عهد مبارك، وفى أحد البرامج قال صبحى صالح إن مبارك كان يكتب رسائل غاية فى الرقة لإسحاق رابين ولغيره من قادة إسرائيل، وأراد أحد الخبثاء أن يضع نظام الإخوان فى مأزق مبينًا أكاذيبهم التى لا تنتهى، فقام بنشر عدة رسائل للرئيس مبارك مرسلة إلى رابين وشامير وغيرهما من قادة إسرائيل، ولم تكن متضمنة نفس عبارات المودة التى صاغها مرسى بنفسه، وهنا وجهت الدكتورة باكينام الشرقاوى اللوم للخارجية المصرية ولموظفى الرئاسة باعتبار أن أحدا لا يعرف طريق هذه الرسائل إلا فى هاتين الجهتين، وأجرى السفير رفاعة الطهطاوى رئيس ديوان رئاسة الجمهورية تحقيقًا مع عدد من الموظفين، وقد تم أثناء هذا التحقيق مراجعة بعض المحفوظات من وثائق وخرائط وخطابات بمعرفة لجنة كان من بين أعضائها أسعد شيخة وباكينام الشرقاوى وعصام الحداد وأحمد عبدالعاطى، وتم نقل الكثير من هذه المستندات إلى خارج القصر الجمهورى إلى أن ضبطت فى حقيبة ابنة أحد القيادات الإخوانية المسافرة إلى قطر قبل الثلاثين من يونيو بعدة أيام، وهى قضية ما زالت تنظر حتى الآن فى المحاكم، ولكى يتناسى الجميع أمر الخطاب الذى أرسله مرسى إلى بيريز فكر محمد بديع المرشد العام للإخوان فى إلهاء الناس وشغلهم بموضوع آخر، فأوعز إلى شباب الجماعة بالخروج فى مظاهرة تطالب الرئيس بعزل النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، بحجة أنه السبب فى براءة المتهمين فى قضية موقعة الجمل، حيث لم يقدم الأدلة الدامغة على إدانتهم، رغم أن الرجل لا علاقة له بهذه القضية من قريب أو بعيد، فقد أوكل التحقيق إلى قاضٍ بقرار من وزير العدل، وإذن فلا شأن للنائب العام بمجريات التحقيق، وفوجئ الجميع بمؤتمر صحفى لأحمد عبدالعاطى مدير مكتب الرئيس، حيث أعلن أن الرئيس مرسى قد أصدر قرارًا بتعين المستشار عبدالمجيد محمود سفيرًا لمصر فى دولة الفاتيكان، وأحدث القرار جدلًا كبيرًا فى جميع الأوساط، ودعا المستشار أحمد الزند رئيس نادى القضاة إلى عقد جمعية عمومية طارئة، فليس لرئيس الدولة أن يعزل النائب العام، وفى حشد لم يسبق له مثيل اجتمع قضاة مصر فى ناديهم، وأعلنوا رفضهم عزل المستشار عبدالمجيد محمود وتضامنهم معه خاصة أن هذا القرار يعد تدخلًا فى شئون القضاء المصرى، وهو ما لم يحدث منذ عهد عبدالناصر، وهو أيضًا لم يكن مبنيًا على أى سند قانونى أو دستورى، وفى نفس التوقيت شن الإخوان حربًا شرسة ضد النائب العام وحملوه مسئولية دماء الشهداء، واحتدم الأمر وتحول إلى أزمة كبرى انتهت باجتماع عقده مرسى مع المجلس الأعلى للقضاء بحضور نائب الرئيس ووزير العدل، وحاول مرسى إقناع عبدالمجيد بتنفيذ القرار خاصة أنهم قد أشاعوا أن القرار قد أصدره مرسى بالاتفاق مع عبدالمجيد وبموافقته ولكن أثناء الاجتماع تبين أن الرجل فوجئ بالقرار، وانتهى الاجتماع بتراجع مرسى عن قراره.. وللحديث بقية.
آراء حرة
30 يونيو المقدمات والنهايات «19»
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق