يخطئ من يتصور أن ما يتم ترويجه من أوهام واكاذيب مرتبطة بدعوات التظاهر فى ١١-١١، قاصر على نشاط اللجان الإلكترونية المملوكة لجماعة الإخوان الإرهابية، التى تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعى بحسابات مزيفة لبث أجواء الفوضى والتوتر.
ذلك أن المجال العام يعج بأصوات وأقلام لصحفيين وإعلاميين ما زالوا يتبنون خطاب الحركات الاحتجاجية التى ظهرت منتصف العقد الماضى (كفاية وأخواتها).
وبالطبع يمكن تفهم أسباب تمسكهم بذلك الخطاب الثورى وكان عجلة الزمن لم تتحرك خطوة، فهم أولًا من قاموا بصياغته وصك مفرداته ومصطلحاته كما أنهم ينتمون فى أغلبهم للتيار اليسارى بتنويعاته الناصرية والماركسية، وتوقفوا بأفكارهم وتصوراتهم عن العالم عند ستينيات القرن الماضى.
هؤلاء يقبضون على مواقفهم كالقابض على الجمر دون اعتبار لحركة التاريخ، فهم كتاجر أحمق يبيع الناس بضائع قديمة عفا عليها الزمن.
تجدر الإشارة هنا إلى أن جماعة الإخوان الإرهابية كانت شريكًا أصيلًا فى صناعة كفاية وأخواتها مع قيادتها الناصرية والماركسية وساهمت فى صياغة خطابها وشعاراتها، ولا يختلف ذلك الخطاب عما تروجه الآن. ويزيد عليه نشر أكاذيب وشائعات تستهدف ضرب ثقة المواطن فى قوة وتماسك مؤسسات الدولة، وإشاعة مناخ الفوضى والقلاقل، منها الادعاء بأن دعوة ١١-١١ خرجت من أجهزة سيادية غير راضية عن إدارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لشئون البلاد.
ويتماهى خطاب فلاسفة الصحافة والإعلام مع ما تبثه الجماعة الإرهابية ليصل إلى ذات الهدف، بترديد أكاذيب مثل أن أجهزة الأمن تقوم بممارسة القمع الممنهج ضد المواطنين، وأن الدولة تفرض رقابة صارمة على كل ما ينشر، وأن وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية تختار وتحدد الإعلاميين والمذيعين الذين يطلون من شاشات الفضائيات، أو هكذا قال بالحرف الواحد الصحفى الفذ والإعلامى الأبرز الباشا إبراهيم عيسى الذى لم يصرح لجمهوره عن الجهاز الأمنى أو حتى اسم الضابط الذى عينه تماما، كما لم يخبرنا كتاب آخرون عن الجهات الأمنية التى منعت مقالات لهم.
هذا الفريق من الصحفيين والكتاب المبتسرين شنوا أكبر حملة تشكيك فى كل ما تقوم به الدولة من مشروعات قومية كبرى، واستدعوا من قاموس الستينيات أفكار ومصطلحات للطعن فى برنامج الدولة للإصلاح الاقتصادى، دون أن يقدموا بدائل يقبلها العقل والمنطق واكتفوا باجترار تجارب الماضى.
وأشاعوا عبر منابرهم الإعلامية كذبًا أن الحكومة منحازة لرجال الأعمال، وأن إدارة السيسى ليست معنية بالفقراء، وأن منهجه أدى إلى احتقان الشارع، بل أن أحدهم حذر من اقتراب ساعة الغضب.
حركة غلابة الإخوانية بنت كل دعايتها لـ ١١-١١ على هذا الخطاب المراهق والمريض، ولم تجد فى خيال الإبداع للتحريض على العنف وإثارة الفتنة، ما هو أبدع وأفضل مما صاغه وأشاعه كتاب الفوضى.
مثل هؤلاء من أباطرة إعلام التشكيك تأخروا كثيرًا فى دخول متحف الدجماطيقية الحجرى، الذى يضم كل الذين تحجرت عقولهم وتيبست أفكارهم، فعمت أبصارهم عن كل هذه التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة.
نعم سنعانى جميعًا من تطبيق سياسات الإصلاح الاقتصادى الجديدة، لكنه ثمن التغيير الذى ينبغى دفعه.
كل شعوب العالم دفعت أثمانا أكثر فداحة من أجل بناء أوطانها على أسس وقواعد صحيحة، ولا أظن أن الفراعنة أقل همة من الألمان أو اليابانيين أو غيرهم، فى النهوض ببلدهم وتحمل ضريبة بنائها كدولة مدنية حديثة ومتقدمة.
وأظن أنه قد آن الأوان لمواجهة وتفكيك الخطاب الناصرى الذى أصبح جزءًا من التراث، فلا ينبغى أن نسمح له أن يجرنا إلى الوراء كما فعل بنا الخطاب الدينى، لذلك أتصور أن عملية تجديد الخطاب الدينى يجب أن تشمل الخطاب السياسى والثقافى السائد إذا كنا جادين فى السعى من أجل بناء خطاب مجتمعى داعم للتقدم ومنظومة القيم الأخلاقية.