الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الإمبراطورية الأمريكية والإرهاب الأسـود "٦"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لقد أصبحت الهيمنة الأمريكية أمرًا لا لبس فيه بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة مع انعقاد مؤتمر بيرتون وودز، وبداية الحرب الباردة، وإطلاق مشروع مارشال بديلا عن «دبلوماسية السفن الحربية». غير أن الأثر القريب الحالى «لحديث الإمبراطورية» هو الموقف العالمى الذى تغير بعد الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١، وكما هو معروف فإن مصطلح «الحرب على الإرهاب» تم تصديره لإضفاء الشرعية على الحروب العسكرية لكل من أفغانستان والعراق. وتنعكس الروح العسكرية الأكبر بشكل جزئى على تصرفات الولايات المتحدة بشكل منفرد فى الشئون الدولية على نحو متزايد. 
ومنذ أوائل السبعينيات، استبدل بنظام بريتون وودز الخاص بأسعار الصرف الثابتة المرتبطة بالذهب وبالدولار الأمريكى نظام أسعار صرف مرن، ولكن أفول شمس نظم بريتون وودز فى عام ١٩٧١ لم يعن نهاية تدويل الدولار وإقامة نظام للديون الأمريكية بالخارج، وبذلك يكون «المعيار الدولارى» الافتراضى - والقائم ضمنيًا فى ربط قيمة الدولار بسعر الذهب - قد «تحرر» من مرجعية الذهب. ومن غير إطار نظام بريتون وودز أصبحت الهيمنة السياسية والثقة الشيئين الأكثر أهمية. فالعولمة الاقتصادية فى هذا السياق وتدهور البدائل النظامية أسهما أيضًا فى تقوية ترتيبات جديدة. 
إن هيمنة الدولار الأمريكى كانت تعنى أن النمو الاقتصادى خارج أمريكا يزيد الطلب على أصول بالدولار، وفى حين تزيد البنوك المركزية من المعروض النقدى، فإنها تريد أيضًا أن تحتفظ بمزيد من الأصول الدولارية احتياطيًا لدعم عملاتها. ومع العولمة فإن الارتفاع غير المتكافئ فى تعاملات قصيرة الأجل عبر الحدود يحتاج إلى مزيد من الدولارات لتغطية التعاملات، وبذلك يظل الاقتصاد العالمى وبشكل متزايد رهين السياسة النقدية الأمريكية، فى حين يحدد البنك المركزى الأمريكى سيولة العالم، وبذلك ينضم الموقف الانكماشى العام للبنك المركزى الأمريكى مع اتفاق النمو والاستقرار الأوروبى وسياسة الانكماش النقدى اليابانية التاريخية، وذلك فى مؤامرة على النمو الاقتصادى السريع عالميًا وبشكل ظاهر، لتجنب التضخم المنتظر والمصاحب له. 
إن ربع القرن الأخير، والذى ارتبط بالعولمة والتحرر، ارتبط أيضًا بانخفاض معدل النمو عن العقود الثلاثة التى أعقبت الحرب العالمية الثانية. وهناك شواهد كثيرة على عدم الاستقرار الاقتصادى العالمى، واتساع فجوة التفاوت الاقتصادى بين دول العالم الغنية من ناحية، والفقيرة من ناحية أخرى. وتراجع تدفق المساعدات، وغيرها من التطورات الاقتصادية المتناقضة، وهى جميعًا أحوال تساعد على صعود الشركات العابرة للحدود، خاصة من النواحى المالية. وفى هذا العهد الجديد الذى وصلت فيه الإمبراطورية الأمريكية إلى وضع القوة العظمى الوحيدة فى العالم، يجرى حاليًا إعادة تشكيل كثير من المؤسسات المتعددة الجنسيات، بما فيها نظام الأمم المتحدة، حتى حلف شمال الأطلسى. لقد لاحظ عالم الاقتصاد الأمريكى البارز، جوزيف ستجليز، أن صندوق النقد الدولى قد تقدم بإرشادات فى مجال السياسة الاقتصادية فى السنوات الأخيرة قلصت - بلا شك - النمو الاقتصادى التراكمى والرفاه لمئات الملايين من البشر. فقد أسهمت سياسات صندوق النقد الدولى فى اقتصاديات الاتحاد السوفيتى السابق فى واحدة من أسوأ الكوارث الاقتصادية فى تاريخ العالم فى التسعينيات، حيث فقدت روسيا أكثر من نصف دخلها القومى. وفى روسيا والبرازيل عام ١٩٩٨ انهارت فى النهاية السياسات التى كان صندوق النقد الدولى يدعمها، مسببة ضررًا اقتصاديًا كارثيًا. إن «المحافظين الجدد» فى الإمبراطورية الأمريكية ليسوا الوحيدين فى السعى وراء تعزيز الهيمنة الأمريكية على العالم. وقد اتضحت الحقيقة تمامًا فى الخطاب «السيادى» الذى سبق وصول جورج دبليو بوش إلى السلطة فى أواخر عام ٢٠٠٠، وتصر الولايات المتحدة فى حقها المنفرد فى اختيار القوانين الدولية والمعاهدات التى تخدم مصالحها، والتى تعزز العولمة الاقتصادية، ومن ثم مصالح الشركات الأمريكية. هؤلاء «السياديون الجدد» من بينهم ليبراليون أمثال السياسى الأمريكى مايكل إيجناتيف الذى قال «إن كونى إمبرياليًا يعنى فرض نظام على العالم بشكل يخدم المصالح الأمريكية». 
من المؤكد أن المبررات المطروحة للتفاوت الرهيب وللهيمنة الاقتصادية موجودة على الساحة منذ فترة زمنية طويلة، خاصة منذ اندلاع «الثورة المضادة» على اقتصاديات التنمية خلال الثمانينيات من القرن العشرين مع صعود نجم مارجريت تاتشر ورونالد ريجان فى الغرب. وأصبح بعث مثل هذا الخطاب الإمبريالى الأمريكى أكثر طنينًا فى السنوات الأخيرة، مع تداول متبجح عن إعادة تشكيل الإمبراطورية الأمريكية، خاصة مع بعث الاهتمام بما يعرف باسم «الداروينية الاجتماعية» و«الدول الفاشلة».