فى سهرة لطيفة من بتوع الملوك.. جلس المعتمد البريطانى اللورد كرومر يستمع إلى مطرب الملوك والأمراء عبده الحامولى.. وعمنا عبده اتسلطن زيادة واداها «نقلات» من «مقام لمقام» والراجل اتبسط فى الأول.. بس شوية لقى نفسه زهقان.. شوية اتخنق.. شويتين واتضايق.. شاور لواحد من اللى معاه وميّل عليه سأله.. «هو الراجل ده بيغنى يقول إيه»، فرد الرجل يشرح لعمنا كرومر أن الحاج عبده بيقول «هاتولى حبيبى».. يعنى عاوز الناس تروح تشوف حبيبه فين وتجيبهوله.. فاستغرب اللورد.. سائلا من جديد يعنى كل اللى بيعيد ويزيد فيه بقاله أربع ساعات هما الكلمتين دول بس.. ما فيش حاجة تانية؟! فرد الرجل نعم.. هما دول بس.. وظن الرجل أن اللورد يشك فى ترجمته فأقسم على ما قال.. فما كان من «الإنجليزى المخلص إلا أن قال.. طب ما حد يروح يجيبهوله ويخلصنا»..
إيه اللى فكرنى بكرومر.. وعبده الحامولى.. أكيد انت بتسأل.. هقولك.. وباختصار مافيش نظام سياسى.. أو حكومة مالهاش علاقة بالموسيقى.. فالذين لا يتوددون إلى الإيقاع لا يمكنهم أن يعرفوا «إحساس الجماهير» ولا حركتها.. «الإيقاع» أصل الكون.. «ساعة» يظبط الجميع حركتهم وقراراتهم عليه.. ومن لا يدركون الوقت والإيقاع لا يدركون الحياة ذاتها.
فى عصر حسنى مبارك الذى لم يغرب بعد.. كنا نلاحظ فى الحفلات العامة التى يحضرها الرجل أنه «يمثل» أنه على علاقة جيدة بالموسيقى.. يميل على الأنغام كيفما اتفق، بحيث يبدو أنه يعرف.. لكن العارفين بعلوم الإيقاع كانوا يدركون من خبطة يده على رجله.. أنه «خارج الإيقاع».. يا إما سابق يا إما متأخر.. وفى الأغلب كان بيتأخر.. يعنى بلغة أهل الموسيقى «بره التمبو»!! لكن مبارك كان يملك من الرجال المحيطين به، منهم من كان على علاقة طيبة بالموسيقى.. فاروق حسنى مثلا.. أنس الفقى من بعده.. حبيب العادى كان يفهم فى الموسيقى بالمناسبة.. وأشهر رجال عصر مبارك المعروفين بعلاقتهم الطيبة بالموسيقى كان السياسى المحنك أسامة الباز الذى كثيرا ما كنا نصادفه فى جلسات «أهل الدايرة» دائرة الموسيقى طبعا.
لكننا هذه الأيام.. وبالمناسبة فيه مهرجان شغال دلوقتى اسمه «مهرجان الموسيقى العربية»، نلاحظ أنه لا أحد من المحسوبين على النظام الحالى يدرك أهمية الموسيقى «طبعا ما أقصدش عمرو مصطفى»، فما يفعله الرجل لا علاقة له بالموسيقى من أصله.
وهذا ما يجعلنى أغفر لهؤلاء علاقتهم الغريبة بأحوال الناس ومشاعرهم.
لقد خرج علينا السيد الوزير المحترم أحمد زكى بدر، وهو بالمناسبة وزير للتنمية المحلية.. مع أنه آخر واحد له علاقة بالتنمية.. أو «بالمحليات»، فلقد جاء الرجل من منزلهم العامر ابن وزير الداخلية فى عهد مبارك زكى بدر إلى رئاسة جامعة عين شمس.. ولموقفه المتشدد والشرس من طلبة الإخوان جاءوا به وزيرا للتعليم العالى.. ولما نجح فى تربية «عيال الجامعة» قالك ينفع «يربينا» فى بحرى والصعيد، فأوكلوا إليه مهمة «التنمية المحلية» ففشل وأفشل محافظيه.
خرج علينا الرجل فى عز أزمة السيول.. والمياه تطارد الناس فى غرف نومها البسيطة فيخرجون مذعورين يطلبون النجاة تحاصرهم السيول من أمامهم.. فيموتون غرقى.. مات ٢١ واحد من هؤلاء الذين لم يتربوا فى بيت وزير داخليته.. فخرج علينا الوزير المحترم غاضبا.. «ويعنى إيه واحد وعشرين ماتوا».. طبعا يعنى إيه.. الرجل خارج الإيقاع.. وخارج الزمن علاقته بالموسيقى مقطوعة تماما.. فكيف يشعر بآلام الذين فقدوا ذويهم.. حتى ولو كان فردا واحدا.
ومثلما فعل السيد وزير التنمية المحلية فعل محافظ النبك المركزى.. ولست بحاجة إلى أن أذكركم من هو وإلى أى أسرة ينتمى.
خرج الرجل ليعلن علينا كارثة تحرير سعر الجنيه.. وهو يبتسم.. ونعدى الابتسامة الراجل بشوش طول عمره، لكن أن يخبرنا بأن السيدة الفاضلة زوجته مبسوطة من «التعويم»، وأن انبساط زوجته يعد دليلا على أن السعادة ستحاصرنا من كل حدب، فهذا أكبر دليل على أن الرجل يعزف لحنا «نشاز» من يوم ما اتولد.
وأن البشر الذين يعرفهم.. أصحاب السيدة الفاضلة زوجته وجيرانها فى «الكمبوند»، حتما يعزفون موسيقى «الهوب هوب».. ودى حاجة تانية خالص غير «موسيقى أحمد شيبة».
ملعون أبوك يا فقر حاوجنى للأندال.. ومثلما فعل محافظ المركزى فعل السيد رئيس الوزراء عندما خرج ليبرر لنا الإجراءات التى اتخذتها حكومته فى توقيت سيئ.. ليعلن أن «المترو كمان لازم سعر تذكرته يزيد».
وهذه حكومة لا تعرف الناس.. لا تعرف الشارع.. لا تعرف السوق.. حكومة تكره الموسيقى وتكره نفسها من الأساس.. ربنا يرحمنا برحمته وعمنا الحامولى يلاقى حد يجيبله حبيبه!