نسمع يوميًا عن سقوط شهداء من ضباط وجنود الوطن فى سيناء والعبور وأبوصوير، وفى كل مكان.
منذ كنت صغيرًا وكنت أدرس فى الكلية الحربية، وكان من يسبقونا فى الأقدمية قبل النوم فى كل ليلة يقولون لنا: نم على جنبك الأيمن واقرأ الفاتحة للشهيد الذي كان نائمًا قبلك على هذا السرير. وكان ذلك فى مطلع التسعينيات، وكنا نستغرب أحيانا من ذلك ونقول هذه الأسرّة جديدة ولم تكن نفس الأسرّة أيام الحرب، ولكننا كنا نؤمن بأن روح الشهيد تحوم وتطوف فى المكان.
تعلمنا أن الشهيد لا يموت وأنه أخذ أكبر هدية يمكن أن يأخذها إنسان من ربه فى حياته، وظللنا ندعو ربنا فى كل دعوة اللهم توفنى شهيدًا وارزقنى الشهادة واجعل مكانى بعد وفاتى مع الشهداء، فكانت الشهادة هدفًا وشرفًا. تعلمنا أيضًا فى بلادنا أن من يحارب بلدك ويقتل أخاك عدو، وإن كان لونه كلونك ولغته كلغتك، ويدعى أنه من دينك، وأن حق أخيك علينا واجب فالثأر من عدوك لأخيك حق، فدم أخيك أمانة فى رقبة كل وطنى غيور على عرضه.
ومن القتال المسلح لقتال لقمة العيش. فعدو الوطن من يصنع الأزمات ليجعلك تعيش فى حالة نفسية ناقمًا على وطنك وأرضك. فمن أزمات الكهرباء لأزمات الغذاء وتتوالى الأزمات، ونسمع عن قضايا حررت لأناس يخزنون المواد لرفع سعرها وآخرين يحتكرون أصنافًا للتحكم فى أسعارها وآخرين يصنعون سوقا سوداء للتلاعب فى أسعار العملات، وكلهم عدو، عدوى وعدوك من لا يريد لوطننا خيرًا، عدونا يريدنا راكعين جائعين مستسلمين.
أين العدلة الناجزة، أين البتر، أين الردع، أين الثأر؟
العين بالعين والسن بالسن والبادى أظلم. وأكررها مرة أخرى ليس العدو فقط من يحمل السلاح، بل هو من يمنع لقمة العيش عنا ومن يتلاعب بالسوق، ومن يتاجر فى سعر عملتنا كلهم عدو وكلهم ملطخة أيديهم بدماء أبنائنا، وكلهم يستحقون الإعدام وأخذ أعضائهم والتبرع بها لمنظومتنا الصحية.
سار ملك ليلًا فاصطدم برجل ولكنه عذره لشدة الظلام.
وبعدها أصدر الملك أمرًا بأن يسير كل إنسان ومعه مصباح.
وفى اليوم الثانى اصطدم الملك بنفس الشخص فقال له: ألم آمرك بأن تحمل مصباحًا؟
قال له الرجل: هو معى.
قال الملك: ولكنه خالٍ من الشمع!
فأصدر الملك أمرًا بوضع الشمع فى المصابيح.
وفى اليوم الثالث اصطدم الملك بنفس الشخص.
فقال له: ألم آمرك بحمل المصباح وبداخله الشمع؟.
قال: هو كذلك ولكن لم تأمر بإشعال الشمع.
وعندها أصدر الملك أمرًا بتعيين هذا الشخص لصياغة قوانين المملكة.