قبلة على محياك وانحناءة فى حضرتك الأستاذ الكبير مكرم محمد أحمد شيخ الصحفيين ومعلمهم، مهما تباعدت الأجيال، وآخر النقباء المخلصين الذين دافعوا عن المهنة وأبنائها بقوة الكلمة وحصافة الفكرة.
جاءت كلماته فى المؤتمر الوطنى الأول للشباب بشرم الشيخ بمثابة روشتة لعلاج الصحافة والإعلام مما أصابهما من آفات وأمراض خلال السنوات الماضية.
قدم الأستاذ الجليل وصفة بسيطة بعيدة عن التقعر والتحذلق بدعوته إلى العودة للقواعد المهنية والأصول والتقاليد التى رسختها الصحافة المصرية منذ نشأتها، والتى تقوم على المصداقية والأمانة فى نقل المعلومة دون حذف أو إضافة أو تلوين، ومبدأ تعدد الآراء وتنوعها على أرضية المصلحة الوطنية التى تتعارض مع منهج التشكيك والتفريق وإثارة الفتن عبر نشر الشائعات والأكاذيب واعتمادها كحقائق فى التفسير والتحليل.
كلمات الأستاذ على انفعالها جاءت نافذة فى العقول قبل القلوب لأنها انتصرت لمهنة الصحافة التى ذابت فيه وذاب فيها، فصفق له الجالسون أمام الشاشات فى بيوتهم مع الحاضرين فى قاعة المؤتمر، فها هو يعلن أن مصر بفضل كفاح وتضحيات صحفييها واحدة من الدول الديمقراطية التى يحاور فيها الصحفيون الرئيس من منطلق الندية وأنها فى ذلك فريدة ومتميزة بمحيطها الإقليمى، وعاد يؤكد معتزًا بمهنته ونضال زملائه أن الحرية التى يتمتع بها الصحفى المصرى ليست منة أو منحة من رئيس أو حاكم.
ولأن الأستاذ يحرص فى كل ما يقوله أو يكتبه على تعليمنا أن جراءة الصحفى لا تعنى تجاوزه حدود اللياقة والأدب اعتذر فى نهاية مداخلته عن انفعاله.
لم يحالفنى الحظ لأكون واحدًا من التلاميذ المباشرين للأستاذ الكبير بالعمل معه والتدريب تحت إشرافه لكنى كنت وما زلت ممن يحرصون على متابعة كل ما يصدر عنه من كتابات أو أحاديث علىّ أتحصل بعضًا من دروسه.
غير أن الدرس الأهم الذى تعلمته عن الأستاذ هو أن الخبر الصحيح والمعلومة اليقينية تظل الشغل الشاغل للصحفى مهما كان موقعة ومهما بلغ عمره هنا يتواضع الصحفى أمام قارئه ولا يصاب بمرض تورم الذات أو يتحول إلى زعيم سياسى لا يأتيه الباطل من بين يديه أو خلفه ويفرض على الناس أكاذيبه وأفكاره كونه فهامة عصرة وعلامة زمانه.
أحد دروس الأستاذ مكرم محمد أحمد فى التواضع المهنى الحوارات التى كان يجريها مع وزراء وسياسيين بصحيفة الأهرام خلال عامى ٢٠٠٩-٢٠١٠ وكانت توقع فى آخر الصفحة باسم الأستاذ بنفس الفونط الذى يكتب به اسم أحدث محرر فى الصحيفة، بينما كانت بعض الصحف الحزبية والخاصة تنشر أسماء محريريها بحجم فونط المانشيت أعلى الصفحة عندما يحاورون مصدرًا أو شخصية عامة.
ومن دروسه أيضا فى التواضع المهنى حرصه حتى الآن، وهو من هو على حضوره المؤتمرات الصحفية المهمة جالسًا إلى جانب الصحفيين الشباب محترمًا آداب المهنة برفع يده طالبًا الكلمة ليسأل فى موضوع المؤتمر ويظل منتظرًا دوره دون أن يستغل مكانته وقدره المهنى الرفيع ليتجاوز أو يجور على حق تلاميذه الذين يعتبرهم زملاء له.
مكرم محمد أحمد أستاذ كبير، لأنك تجد فى كل مقالاته الصحفية خبرًا أو معلومة سعى للحصول عليها أو تدقيقها من مصادرها الأصلية ولا يعتمد على ما ينشر فى بعض المواقع الصحفية ومواقع التواصل الاجتماعى من شائعات أو أخبار مبتورة كما يفعل إعلاميون كبار.
مكرم محمد أحمد نموذج حرى بالصحفيين الشباب والكهول مثلى أن يحتذوه فى مهنيته، وهو مثال للنقيب المدافع بشراسة وحنكة عن المهنة وأبنائها وأظن أننا بحاجة إليه كنقيب إذا ترشح أو على الأقل يكون أداؤه المهنى والنقابى معيارًا فى اختيارنا للنقيب المقبل من بين المرشحين وقبل ذلك أظن من واجبنا الالتفات حول دعوته لتشكيل المجلس الوطنى للإعلام والصحافة بهيئتيه كخطوة تسبق إصدار قانون الصحافة والإعلام الموحد ليتولى المجلس طبقًا للدستور ورأى الأستاذ إعداد مشروع القانون.