نفرق فى علم الاجتماع بين «الاجتماعى» و«المجتمعى». «الاجتماعى» صفة لوصف ظواهر اجتماعية منفردة كالرشوة والفساد، أما «المجتمعى» فتستخدم لوصف المجتمع ككل، ونعنى كل النخب السياسية كلها قديمة كانت أو شبابية حديثة، بالإضافة إلى الجماهير التى تتوزع بين الطبقات العليا والوسطى والدنيا، وكذلك القيم السائدة.
ونعنى علم وجه التحديد بالغيبوبة غياب «العقلانية» سواء فى مجال صنع القرارات أو فى مجال السلوك الاقتصادى والسلوك الاجتماعى والتوجهات الثقافية. ولنأخذ أولا نماذج من «الغيبوبة» فى مجال تصريحات بعض الوزراء الذين يحتلون أعلى قمة فى المناصب السياسية للدولة.
التصريح الأول لوزير التعليم العالى والبحث العلمى، والذى قال «أحلف بالمصحف إن التعليم الجامعى كويس»!
وهذا التصريح الكارثى –إن صح التعبير- لا يعود فقط إلى أن وزيرا مسئولاً هو أصلا أستاذ جامعى يستخدم لغة العوام للتأكيد على صدقه وإنما لعبارته الغريبة والزائفة أن التعليم الجامعى كويس!
ومبعث الغرابة فى الواقع أن هذا الأستاذ الجامعى «الوزير» –بدلا من الاستناد بشكل علمى إلى مؤشرات جودة التعليم عموما والتعليم الجامعى خصوصا -يذكر أنه «كويس»!، ومعنى ذلك أنه لا دراية له بمؤشرات جودة التعليم التى كان ينبغى أن يستند إليها فى الحكم بأنه جيد أو ردىء.
لكن الأخطر من ذلك أن الوزير بتصريحه هذا إنما ينكر واقع تردى التعليم الجامعى، وهى ظاهرة عليها إجماع سواء من قبل المتخصصين أو من قبل الجماهير أو من قبل الشركات والمؤسسات التى تشكو من انخفاض مستوى الخريجين الجامعيين، وضعف كفاءاتهم وعدم صلاحيتهم لسوق العمل.
ثم شاء وزير التربية والتعليم ألا يتأخر فى إصدار تصريحات «الغيبوبة» فقال فى تصريح أخير إنه لاحظ إضراب التلاميذ عن الذهاب إلى المدارس وانتظامهم فى مراكز الدروس الخصوصية فى نفس الوقت، ما أكده الوزير نفسه الذى فى زيارة مفاجئة لإحدى مدارس البنات لم يجد سوى ثلاث تلميذات!
ولذلك أخذ السيد الوزير «يفكر ويفكر» حتى اهتدى إلى حل «غيبوبى» عبقرى هو أن نعطى دعما ماليا لأولياء الأمور حتى يحثوا أولادهم على الانتظام فى الذهاب إلى المدرسة!.
يقترح الوزير ذلك مع علمه بأن ميزانية الدولة فى حالة عجز مزمن! وأخطر من ذلك عدم عقلانية الاقتراح، بل الدليل المؤكد على أن الغيبوبة المجتمعية تؤدى عادة إلى الإفلاس الفكرىّ!.
أما الغيبوبة السياسية فتتمثل فى أن أعضاء النخب السياسية والحزبية القديمة مازالوا مصرين على إعادة إنتاج خطابهم السياسى القديم سواء كانوا ينتمون إلى اليمين أو اليسار، بغير إدراك منهم أن العالم تغير والفروق لم تعد قاطعة كما كان الأمر فى القرن العشرين بين اليمين واليسار!.
وقد شملت الغيبوبة السياسية النخب السياسية الجديدة أو ما يطلق عليهم «النشطاء السياسيون» الذين يركزون تركيزا مضحكا فى الواقع فى نقدهم لقانون التظاهر -ومن المؤكد أنه يتضمن بعض السلبيات- على أن التظاهر ينبغى أن يكون بمجرد الإخطار!، أى أن أى جماعة سياسية أو حتى مجموعة من «بلطجية السياسة» يخطرون وزارة الداخلية أنهم سينزلون فى مظاهرة إلى ميدان التحرير فى تاريخ كذا، حيث سيهتفون أى هتافات حتى لو كانت المظاهرة تسعى عبثا إلى هدم الدولة أو الهجوم على القوات المسلحة!.
أما عن الغيبوبة الإعلامية فحدث ولا حرج. فبالإضافة إلى الإعلام الخاص الفوضوى المزدحم بكل علامات العبث والصياح وتزييف وعى الجماهير، فإن الإعلام الرسمى فى ماسبيرو على وجه الخصوص فى حالة غيبوبة كبرى!.
ويشهد على ذلك واقعة إذاعة خطبة قديمة للرئيس «السيسى» فى الجمعية العامة للأم المتحدة بدلا من الخطبة الجديدة!.
أما آخر واقعة تجسد حالة الغيبوبة الإعلامية فهى مذيعة الأخبار فى ماسبيرو التى بكل وقار ذكرت فى خبر عاجل «أنه صدر حكم على السيد الرئيس الدكتور «محمد مرسى» اليوم بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة عشرين عاما»!.
لا تحتاج إلى أدلة أخرى على سيادة الغيبوبة المجتمعية!.
eyassin@ahram.org.eg