لا شك أن انعقاد المؤتمر الوطنى للشباب بمدينة شرم الشيخ يُعد بادرةً طيبة من قِبَلِ الدولة المصرية لاحتضان شبابها.
ويأتى هذا المؤتمر تتويجًا لعام الشباب الذى أطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى اليوم العالمى للشباب فى التاسع من يناير الماضى، وإطلاق البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة العام الماضى. ولا شك أن ما تابعته قُبَيْل كتابة هذا المقال من لقاءات وحوارات وجلسات أُذيعت على الهواء مباشرة من قاعات المؤتمر وبحضور الرئيس نفسه وكبار رجال الدولة هى بداية مبشرة لتواصل الدولة بفعالية مع شبابها.
إن الشباب بعد ثورتيْن عظيمتيْن كان هو فيهما المعلمُ والنِبْرَاسُ والقائدُ، شعر أنه بعد كل ثورة يتم تهميشه ولا يتم إدماجه فى العملية السياسية، وفى عملية صنع القرار ولا يتم التعبير عن مصالحه المباشرة سواء فى نظام جماعة الإخوان بعد ثورة يناير أو فى نظام ما بعد ٣٠ يونيو، وهو ما جعله يتقوقع على نفسه، ويعود أدراجه التى خرج منها منذ الشرارة الأولى التى أطلقها عصر يوم ٢٥ يناير ٢٠١١، اعتقادًا منه أن الدولة قد تعاملت معة بقسوة لم يكن يتوقعها بعدما قدمه لها من دماء زكية أُريقت من أجلها فى ميادين الثورة يوم جمعة الغضب فى ثورة يناير أو على أسوار الاتحادية فى عهد جماعة الإخوان.
لقد لاحظت ومن قبلى الرئيس عبدالفتاح السيسى نفسه، أن هناك فجوة أو جفوة بين الشباب والدولة، يتجلى منها دون عناء أننا لم نولٍ هذا الشباب حقه من الاهتمام، علمًا بأن مصر ٦٠٪ من تعدادها شباب يستطيعون لو أرادوا أن ينهضوا بهذا الوطن على النحو الذى نرجوه ونتمناه، وذلك بأفكار شبابية جديدة تتلاءم مع عالم جديد لا يعلم الشيوخ من السياسيين والوزراء والمسئولين عنه شيئًا.
إن أهمية المؤتمر الوطنى للشباب تكمن فى أن نتعرف نحن الكبار كيف ينظر الشباب إلى العالم من حوله، وكيف ينظر الشباب إلى مشكلات مصر الراهنة، وما الحلول أو السياسات البديلة التى يضعها الشباب لهذه المشكلات التى تحيط بنا من كل اتجاه فى التعليم والثقافة والمحليات والاقتصاد والدين والعلم، وما رؤية هذا الشباب لمستقبل مصر فى العشرين سنة القادمة؟.
إن حيوية المناقشات والتفاعلات داخل قاعات المؤتمر كانت شيئًا مبهجًا.. مصر تتحدث مع شبابها، نحن ننقل لكل الشباب سواء فى مصر أو خارجها أن هناك عصرًا جديدًا ورؤيةً شابةً جديدة للدولة المصرية، أن هناك نقطة انطلاق أو ارتكاز جديدة فى الوثوب نحو المستقبل، وهذا الوثوب لن يستطيعه سوى الشباب سوى بقدراتهم العقلية أو اعتمادًا على صبرهم وجلدهم فى العمل فى كل قطاعات المجتمع.
كان جميلًا ودالًا أن تُفْتَحَ كلُ الملفات دون مواربة وبحضور الرئيس سواء من قِبَلِ الشباب أو من قِبَلِ المدعوين لحضور المؤتمر من المفكرين والمسئولين والإعلاميين، كان هناك كلام عن قانون التظاهر، وكان هناك كلام عن الشباب المحتجزين، وكان صدرُ الرئيسِ رحْبًا ولم يضق بكل ما يُقَال، وقام بالتعليق الوافى على كل المداخلات، وأوضح السياق الذى صدر فيه قانون التظاهر، ووعد بالإفراج عن الشباب الذين حُبسوا لأسبابٍ سياسية بعد حصرهم فى قوائم، وهو الوعد الرئاسى الذى انتظرناه منذ فترة.
ورغم كل هذه الصورة الجميلة التى بدأ بها المؤتمر الوطنى الأول للشباب، فهناك بعض المحاذير التى يجب أن نضعها فى الحسبان حتى لا يتحول هذا المؤتمر إلى «مكلمة» تنتهى ببعض التوصيات العامة التى يمكن الأخذ بها أو إهمالها فى الأدراج، أولها أنه لا بد من وضع آلية لتنفيذ كل توصية يخرج بها المؤتمر والجهة المنوط بها تنفيذ هذه التوصية، حتى لا تصير التوصيات دخانًا يتطاير فى سماء مدينة شرم الشيخ حتى قبل أن يغادرها الشباب بعد انتهاء فعاليات المؤتمر، كما يجب أن يتم تشكيل لجان متابعة من الشباب لتقييم مدى تنفيذ التوصيات التى خرج بها المؤتمر، على أن تعرض هذه اللجان تقاريرها فى المؤتمر الوطنى الثانى للشباب المزمع عقده فى نوفمبر ٢٠١٧.
كما يجب على الدولة أن تعى أن الشباب ليسوا هم الثلاثة آلاف شباب الذين حضروا مؤتمر شرم الشيخ، مصر كبيرة وغنية بشبابها الذى يصل إلى ما يزيد علي أربعين مليون شاب. وبالتأكيد يجب أن تفكر الدولة فى كيفية جذب اهتمام هذه الملايين من الشباب للانضمام بأفكارها ورؤاها فى رسم خريطة المستقبل لهذا الوطن.
وثمة أمر آخر، يجب علينا التفكير فيه، وهو ضرورة أن يكون لدينا مشروع قومي كبير بحجم المشروعات القومية التنموية الكُبرى التى تنفذها الدولة، على أن يكون هذا المشروع من تخطيط وتنفيذ وإبداع الشباب. إن هذا المشروع القومى سيمثل فى رأيى تجسيدًا على أرض الواقع لشعار المؤتمر.. «أبدع.. انطلق».
إن ما حدث فى مدينة شرم الشيخ هو مجرد بداية لا بد أن يستتبعها جهود كبيرة للبناء عليها فى الأيام والشهور بل والسنوات القادمة. وأيًا كان الأمر فهذه بداية مبشرة أعتقد أن مصر سعيدة بها، فلأول مرة منذ سنوات تشعر مصر بأن شبابها يعودون إلى أحضانها الدافئة.. مصر يا أم.. شبابك أهُم.. حَمَى اللهُ مصر وشبابها من كل سُوء.. وتَحْيَا مِصْر.