سبحان الله.. عصر الجمال.. وعصر جمال!. وكلهم كأجمل وأجل ما يكون: فى الصدارة. كل منهم فى مجال!.
جمال عبدالناصر: القائد فى تاريخنا الأنبل والأعدل والأكمل.. جمال حمدان: المفكر الفيلسوف الاستراتيجى المنطلق من تخصص الجغرافيا، إلى علم السياسة إلى فقه شخصية مصر وشخصية المصريين، فى دائرة الأمة ورحاب الإنسانية وفلسفة التاريخ وأفق العصر.. جمال السجينى: النحات المبدع الأعظم منذ محمود مختار، الذى هو بدوره النحات المبدع الأعظم منذ مصر الحضارة الفرعونية.
وجمال قطب: الذى فقدناه الأسبوع الماضى، الأحد (١٦ أكتوبر ٢٠١٦).. أعظم رسام واقعى عرفته حياتنا الإبداعية التشكيلية على الإطلاق (مثلما أن يوسف كامل هو الرسام الأعظم لدينا فى مذهب التأثيرية على سبيل المثال).
إن جمال قطب هو الأقدر والأتقن والأرهف فى مذهب الواقعية فى فن الرسم المصرى والعربى، بلا منازع أو مثيل.. لكن يماثله فى انتهاج الواقعية بالمفهوم المذهبى الصحيح الدقيق للواقعية نجيب محفوظ فى فن الرواية، وصلاح أبوسيف فى فن السينما.
وسبحان الله.. مرة أخرى ودائمًا أبدًا. فإنه لهذا لا غرابة، وليست مصادفة أن فى مقدمة أعمال صلاح أبوسيف فى إبداعاته السينمائية الواقعية، فيلم «بداية ونهاية» الذى أخذه عن رواية بنفس العنوان لنجيب محفوظ، وكذلك فيلم «القاهرة ٣٠» المأخوذ عن رواية لمحفوظ بعنوان «القاهرة الجديدة» (وقد طبعت مرة بعنوان «جريمة فى القاهرة»).. أضف أعمال أبوسيف التى كتبها للسينما محفوظ مثل أفلام «الفتوة»، و«بين السماء والأرض»، و«ريا وسكينة»، و«الوحش» وغيرها.. (الإجمالى: أربعة عشر فيلمًا اشتركا فيها معاً)..
ولا غرابة، وليست مصادفة فى ذات الوقت: أن من أكثر، إن لم يكن أكثر، ما اشتهر به جمال قطب من إبداعات، رسمه لجميع أغلفة كتب نجيب محفوظ، رواياته ومجموعاته القصصية بلا استثناء، عند صدورها عن (دار مكتبة مصر)، فضلًا عن الرسوم الداخلية للكتب، وحينما أعادت مؤخرًا (دار الشروق) طبع هذه الكتب لمحفوظ، من دون أغلفة ورسوم قطب، افتقد قارئ محفوظ مذاقًا وجزءًا أصيلًا من تجربة محفوظ الإبداعية، كأنما رسومات قطب شريك أساسى وعضوى فى الإبداع المحفوظى، لا يكون مكتملًا إلا بها، ولا نتعرف عليه تمام التعرف إلا بصحبتها، وإلا بالائتناس بها!.
وقد كان إحساسى دائماً: وأنا أضع روايات محفوظ فى مكتبتى، أو أتابع وأطالع.. أننى على الدوام أتعامل هنا مع ثنائية أو ثنائى: (محفوظ/قطب). نعم لهذا الحال (المحفوظي/القطبي) خصوصية، ترجع أولًا إلى انتهاج كليهما المذهب الواقعى، وأن كليهما بلغ فى مجاله مكانة صدارة هذا الانتهاج.. على أن جمال قطب أيضًا، أبدع الكثير والغزير، من أغلفة كتب أدباء فى أرفع مكانة مثل توفيق الحكيم ويوسف إدريس.. وأبدع وأودع ضمن كتب قيمة ألفها (صادرة عن نفس الدار) «بورتريهات» دقيقة نفاذة، لعدد ضخم من الشخصيات فى حياتنا وواقعنا وعالمنا والتاريخ الإنسانى وفى كل مجال.. فضلًا عن مؤلفاته العديدة الأخرى مثل: (الملهمات فى الفن والتاريخ/ الفن والحرب/ التأثيرية والفن الحديث).. وغيرها. فضلًا عن أفيشات الأفلام هائلة التميز والإتقان.. إن بالغ الأهمية، والبليغ: فى فن جمال قطب الواقعى.. أنه لم يكن يحاكى الأصل وينقله، وإنما كان يقدم الأصل ويتقنه، لكن مع المقدرة الواضحة فى ذات الوقت على النفاذ إلى الروح، والملامح الداخلية، والمعنى والجوهر والمغزى.
تبقى واقعة عجيبة حدثت لى مع «قطب» فن التشكيل المبدع الاستثنائى (جمال قطب)... وسأذكرها كما هى، كما حدثت، وسأتركها لكم ربما بلا تعليق!.
فى اليوم السابق على رحيله اكتشفت مصادفة على صفحات «الفيس بوك»، أن للفنان جمال قطب صفحة.. فاتجهت على الفور إليها، ووجدته ينشر لوحات وتعليقات.. فاخترت إحدى هذه اللوحات له، وكانت بعنوان: (المقاومة فى بورسعيد)، وقمت «بمشاركة» واضعًا إياها على صفحتى مصحوبة بسطور تعليق لى، نصها: (لوحة للفنان العملاق جمال قطب.. الذى أبدع أغلفة كل كتب نجيب محفوظ فى طبعاتها التى صدرت عن «مكتبة مصر».. قبل أن تطبع حاليًا عن «دار الشروق» بغلاف يفتقد ويفتقر إلى لوحات قطب المتقنة النفاذة: التى كانت تزين روايات محفوظ وكثيرين غيره من الأدباء.. ولقطب مجموعة من أرقى وأجمل كتب الفن التشكيلى لا تزال تبيعها دار مكتبة مصر). وفى نفس الوقت، توجهت بطلب صداقة على «الفيس بوك»، وبعد قليل وقبل أن أغادر هذه الوسيلة الحديثة الأشهر للتواصل الاجتماعى، وجدت وسعدت باستجابة للطلب هكذا: (تمت الموافقة على طلب الصداقة من جمال قطب)..
المفاجأة، أنى بعد (إحدى عشرة ساعة بالتمام كما رصد وسجل الفيس بوك)، فى عودة لاحقًا لى لإلقاء نظرة على «الفيس».. وجدت للصديق الناقد الكبير محمد الروبى سطرًا واحداً: (جمال قطب.. سلامًا)، مع صورة للفنان الكبير!!.. لم أفهم فى البداية ما حدث، أو لم أستوعب الموقف: قلت لنفسى، محورًا أو محاولاً.. لعله يقصد بـ(سلامًا) إلقاء تحية على مبدعنا.. دخلت صفحة (الفنان جمال قطب.. الصديق الجديد منذ لحظات معدودة على الفيس بوك)، لأجد الخبر والتعليقات والرسائل كلها... تنعى، وترثي!!.
لا يبقى ما أقول، سوى أن أختم هنا، بالنص الذى كتبته على صفحتى «بالفيس بوك»، عندها:
- (طب إزاى..
من ١١ ساعة اكتشفت حضوره على «الفيس».. ونشرت على صفحتى هذه لوحة له من صفحته بعنوان (المقاومة فى بورسعيد)، وكتبت معها تعليقى.. وأرسلت له طلب صداقة.. فأرسل لى استجابته للطلب على الفور.
... والآن يقولون: غاب.
أية أقدار ساقتنى إليه فى هذه اللحظات...
كأنما قدر لنا: أن يتعرف، ويعرف.. أن هناك فى هذه الدنيا، عاشق لإبداعاته على الأغلفة وفى صحافتنا منذ الصغر..
بل إن أول وجه لفتاة أعجبت به فى حياتى على الإطلاق.. كان الوجه الذى رسمه على غلاف رواية نجيب محفوظ (عبث الأقدار).. وقعت فى غرامه من أول نظرة (وأنا صبى أقف أمامه فى شارع «السكة الجديدة» بمدينة المنصورة.. عبر زجاج مكتبة «السروى» الكبيرة التى ما زالت حتى الآن فى هذا الشارع الرئيسي).
من رواية (عبث الأقدار).. إلى معنى الأقدار: فى تعرفى فى هذا التوقيت الذى ليس كأى توقيت.. على «جمال قطب»: أحد تشكيليين هما أول من أغرمت بأعمالهما منذ بدأ يتفتح الوعى لدى، هو و(سيف وانلي) العظيم.. ثم كان ثالثهما (جمال) آخر هو النحات العبقرى: جمال السجينى... ماذا أقول. سوى: سبحان الله).
هذا ما كتبت. نعم.. إنها أقدار. وإنى ما زلت لأعجب من هذه المصادفة والأقدار. خاصة أننى رغم إعجابى الشديد به والمبكر والدائم.. لم يسبق أى تواصل لى معه ولم أره على الإطلاق حتى فى ندوة أو أى مكان!... وكأنما من المقدر لنا تواصل ما، فى هذه الدنيا... ولو عابر فى اللحظة الأخيرة!!