أن يكون حلمك مخبأ فى علبة «بسكويت» أو «باكو شاى» فما أتعسك،
وأن تحلم بورقة اليانصيب وتأمل فى القدر خيرًا فهذا شأنك.
فالفتاة التى كانت تمر على سكارى الليل أو رواد المقاهى والأماكن العامة تبيع لهم برضاهم وبجهد منها أو حنكة أو لسان معسول ورقة الحظ، ليأمل الشارى فى الورقة الرابحة وتأمل هى فى مكافأة مجزية، لم يعد لها وجود .. كانت تلك مرحلة ومضت إلى غير رجعة.. تماما كمشاركة أبناء طبقة معينة فى سباق الخيل والمراهنة على الحصان الربحان.. تلك النوعية من المراهنات لم يعد لها مكان أيضًا فى ظل السموات المفتوحة والعالم القرية الذى تمدن ليتريف ويتصحر فكرًا وثقافة وسلوكاً.
الكل يأمل فى الربح وينتشى بلحظة الفوز هذا صحيح ولكن أن يتحول الحصان الرابح لصندوق أسود فارغ أو مملوء بالمال الوفير فى برنامج استعراضى أبطاله هم الجمهور الذى صادفه الحظ أيضًا أن يكونوا من المشاركين وجمهور آخر يجلس فى منزله أمام الشاشات وهو حاقد أو متمن حالم بذات اللحظة فيمتعض أحيانًا ويتحسر فى أحيان أخرى ويتحمس ربما أو يتطلع للمشهد وللمشاركة فيه ليحبط فى أغلب الأحيان، وهكذا دواليك.
وبحكم طبائع الأشياء وسنن التطور وقوانين الصيرورة تتحول الفتاة البائسة السريحة ليل نهار والتى ترضى بالقليل.. لنجمة شهيرة لا ترضى بذلك القليل أو بالربح غير المعلوم أو النسبة غير المحسوبة.. فكل شيء محسوب لصانعى اللعبة ولا شيء مضمون أو محسوب للملعوب بهم وبأقدارهم باسم الحظ وإرادة الله وتوفيقه ووجوب حمده على أى حال مع الدفع لمعاودة الكرة ومن ثم إدمانها لتصبح نمط حياة كاملة متكاملة تقوم على فكرة اللعب وانتظار لحظة الحظ التى ربما لا تجيء فهذه هى لعبة الحياة وقانونها الوجودى!!
تجلس النجمة ساعتين على كرسى فخم مرة واحدة فى الأسبوع ولا ترضى كما سبق أن أوضحت بمجرد مكافأة «حلاوة الفوز» أو حلاوة الدعاء لها بأن يمنحها المعطى خيرًا ورزقًا كما كانت سببًا فى الربح تلك المكافأة المتروكة لتقدير الزبون حتى وإن كان تقديره هذا «دعوتين حلوين عند صاحب الدعاوى» هذا ليس فى قاموسها «عقدها»، فعقدها هو ثقافتها وثقافتها تعنى المال السهل الوفير، فالنجمة تتقاضى سلفًا آلاف العملات الأجنبية نظير اللعب بأحلام وحيوات المواطنين.. إنها ثورة الإحباطات والتطلعات يا سادة يا كرام والتى أرهصت للثورة المصرية.
ما كان يحدث يا حضرات يمكن وبمنتهى الأريحية تصنيفه كجريمة مكتملة الأركان.. لم تشارك فيها النجمة وحدها بل شارك فيها صاحب رأس المال «الحزبى» و الفضاء المفتوح على مصراعيه لبث ذلك الفكر والتوجه دون حسيب عينه تتابع ما قد تئول إليه أحوال البلاد والعباد، وفى ظل انعدام تفعيل أو سن قوانين تنظم عملية بث المواد التى تعرض على أفراد الشعب وقد تعلقهم أو حتمًا تعلقهم بأوهام بل تشكل وعيهم وثقافتهم القائمة على الحلم بالوهم الذى لا يخلو من تغييب، وبالتالى غفلان العلم كركيزة أساسية لنهوض المجتمعات والاعتماد على فكرة الاجتهاد.
وهنا بلغ التحفظ مداه.. ودفع ذات التحفظ لحالة من حالات الاستفزاز القصوى لا مجرد الغضب.. حالة من حالات الشحن تجاه ذلك النمط والنموذج المطروح كطريقة مثلى أو وحيدة لممارسة الحياة ومن ثم الترسيخ لثقافة الاستسهال والرغبة فى الاعتماد على ضربة الحظ والوصول للثراء السريع بدون مجهود وبدون الارتكاز على فكرة المؤهلات التى توصل صاحبها لمبتغاه وتحقيق حلمه الإنسانى المشروع والحصول على حقه أيضا، ذلك النوع من الثقافة التى رسخت لفكرة اللعب والاعتماد على الحظ أولا وأخيرًا لا على الجهود المبذولة فى الاتجاه الصحيح متسلحةً بالعلم أو حتى بالموهبة.
هكذا كان الحال حتى عام ٢٠١٠ الذى جسده أحد البرامج التليفزيونية الذى كان يحمل اسم «لعبة الحياة»- وغيره كثير - ذلك النمط من التفكير وهذا النوع من الثقافة الوضيعة القائمة على فكرة الاستسهال والاستهبال وتطويع المواطن الإنسان لها ليصبح فردًا طيعًا مؤدلجًا ينقاد لتلك الطريقة من ممارسة الحياة بوصفها لعبة وبوصفها أيضًا نوعا من المقامرة تكسب فيها أو تخسر.
ناهيك عن عوامل التشويق والإثارة بدءًا من حماسة الجمهور ومغازلة حواسهم وعواطفهم بالمؤثرات الصوتية والإضاءة فتشتد الأعصاب وتتعلق العيون بالصندوق وسط تعاطف من أقارب المتسابق وغيظ من غير المشارك وأمنيات الجالسين أمام الشاشات فى الوصول لحالة ذلك النجم الذى ستخفت نجوميته حتمًا بعد دقائق ويُنسى تماما كأن لم يك شيئا بمجرد نزوله من حلبة التصارع وابتعاده عن مصدر الضوء ليصعد غيره وهكذا دواليك.