تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
ها هو الستار يُسدل على العام 2012، فمن الذي يأسف في مصر على رحيله ويتمنى أن يطول؟. أغلب الظن أن الإجابة ستكون: لا أحد، فقد عانى ملايين المصريين من شهوره الثقيلة المرهقة، وثمة ما يشبه الإجماع على أن العنوان الأمثل للعام هو “,”القلق والاضطراب“,”، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وإعلاميًا وثقافيًا.
بعض الأحداث التي شهدها العام المنصرم توحي بغير ذلك، فقد عرفت مصر أول انتخابات رئاسية تنافسية في تاريخها، أسفرت عن جولة للإعادة بين الدكتور محمد مرسي والفريق أحمد شفيق، وصولاً إلى انتخاب مرشح الإخوان المسلمين بفارق ضئيل عن منافسه.
في العام نفسه، أنهى الرئيس الجديد المنتخب سلطة المجلس العسكري، التي آلت إليه بعد سقوط مبارك، ووافق الشعب بأغلبية تقل عن الثلثين على مشروع الدستور الجديد. رئيس منتخب، وتقلص نفوذ العسكريين على الساحة السياسية، ودستور جديد، فكيف تتوافق كل هذه “,”الإنجازات“,” مع عنوان القلق والاضطراب؟!.
المشكلة كلها تكمن في الآثار السلبية الوخيمة المترتبة على خطوات يبدو ظاهرها إيجابيًا، فمعركة انتخابات الرئاسة كشفت عن انقسام واضح للأمة، والإزاحة الشكلية للمؤسسة العسكرية لم تتجاوز الظاهر، والسياسة التي اتبعها الدكتور محمد مرسي تكفلت بتعميق التشرذم والتطاحن، فلا يملك محلل موضوعي إلا أن يقر بانحيازه الصريح للإخوان المسلمين وحلفائهم في المقام الأول، ولا أحد يصدق أنه الرئيس العادل بكل المصريين دون تمييز.
من ناحية أخرى، ولد الدستور الجديد المشوه ميتًا أو كالميت، فالمعارك حوله لم تنته ولن تتوقف. الغائب عن المتصارعين جميعًا أن النصوص الدستورية في ذاتها لا تعني شيئًا بمعزل عن الإرادة السياسية لتفعيلها، وليس أدل على ذلك من دستور سنة 1971، فهو حافل بالمواد المضئية المتوهجة التي تنتصر للحريات وحقوق الإنسان، وتحد من التسلط والاستبداد بإرساء مبادئ الدولة القانونية، لكن التجربة العملية تبرهن على أن السادات ومبارك، مع اختلاف جزئي في المنهج والممارسة، قد عصفا بكل ما فيه، وتحول كلاهما إلى ديكتاتور مستبد، يملك ويحكم ويوجه ويوشك أن يكون من المعصومين!.
الثقة غائبة بين القوى السياسية المختلفة، ولهذا السبب وحده يبدو الحرص على التصيد والتأويل السيء والتفتيش في النوايا، والإعلان الموصوف بالدستوري، الذي أصدره الدكتور مرسي في 21 نوفمبر، بكل ما فيه من بنود سيئة الصياغة كارثية المضمون، أكد للجميع أن في الأمر ما يريب، وأن النية مبيتة للالتفاف حول فكرة التوافق الوطني، انتصارًا لمصالح فصيل بعينه.
ارتباك المشهد السياسي ينعكس بالضرورة على شتى مفردات الواقع الاجتماعي، فللمرة الأولى في تاريخهم يتحول الاختلاف السياسي والفكري بين المصريين إلى كراهية أصيلة عميقة، تصل إلى حد الاقتتال في الشوارع. ومع ترهل الدولة وغياب سلطة القانون، بات مشهدًا مألوفًا أن تتكرر الاعتصامات والاحتجاجات بشكل عشوائي يخاصم التحضر، وأن تُقطع الطرق وتُهاجم أقسام الشرطة، ووصل التدهور إلى حد غير مسبوق بمحاصرة قصر الرئاسة ومبنى المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامي.
لا يمكن الدفاع عن هذه الإفرازات السلبية باسم الحرية، فقد انقلب الأمر إلى فوضى عارمة تهدد جوهر الديمقراطية الوليدة، وبعد أن كان الشعار السائد قبل سنوات قليلة هو “,”المحمول في يد الجميع“,”، تحول خلال العامين الأخيرين إلى “,”السلاح في يد الجميع“,”!.
كيف ينجو الاقتصاد المصري مما يحيط به من مظاهر الاضطراب والقلق والانقلاب والفوضى؟!.
السياحة تحتضر، والبطالة تزداد، والاستثمار يتراجع، والعملة الوطنية تتعرض للهزيمة، والاحتياطي النقدي يتلاشى، والوقوف على حافة الإفلاس يبدو أقرب مما يتصوره الغافلون المنهمكون في العراك السياسي.
العام 2012 ينتهي، وليس فيه من ذكرى طيبة تستدعي وداعه بالشكل اللائق. دعاء الملايين من بسطاء المصريين ألا نشهد عامًا مثله، وأن تكون نهايته تمهيدًا لبداية جديدة مختلفة، نراود فيها الصحة والعافية، فما الذي يحمله لنا 2013، وما الذي نؤمله فيه؟