السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

من أين نبدأ؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في شبابى الباكر طالعت الكتاب الذي ألفه المفكر الإسلامى المعروف «خالد محمد خالد» «من هنا نبدأ». وهذا الكتاب أثر في جيلى من الشباب في هذا الوقت تأثيرًا عميقًا، لأننا وجدنا مفكرًا أزهريًا من بين مراجعه كتاب «العقد الاجتماعى» لروسو وغيره من المفكرين التنويريين الغربيين.
وهكذا قدم لنا كتابة عصرية فيها هذا التأليف الخلّاق الذي نفتقده هذه الأيام، بين الأفكار الإسلامية المضيئة والأفكار الغربية العلمانية. وبدلًا من ذلك نشاهد صعودًا لتيارات التطرف الدينى التي هي وقود الإرهاب، إضافة إلى نزعات التعصب العرقى والمذهبى.
تذكرت قراءتى كتاب «خالد بن خالد» القديم، حين سألنى شقيقى الأكبر، وهو بمثابة معلمى: كيف نبدأ؟
وكرر السؤال نفسه عدد من تلاميذى الذين تفضلوا وزارونى في مكتبى بالأهرام.
من أين نبدأ؟ هذا هو السؤال.
والمقصود هنا ـ على سبيل القطع ـ من أين نبدأ في مجال حل مشاكلنا التي تراكمت في الفترة الأخيرة بشكل غير مسبوق.
لدينا في المقام الأول مشكلة اقتصادية. ولدينا مشكلة سياسية. ولدينا مشكلات اجتماعية. ولدينا أخيرًا مشكلات ثقافية.
المشكلة الاقتصادية واضحة وضوحًا شديدًا ولا تحتاج إلى مؤشرات عديدة للإشارة إليها. ولعل أبرز هذه المؤشرات العجز المزمن في الميزانية، وتصاعد معدلات الدين الخارجى إلى معدلات غير مسبوقة.
وفيما يتعلق بالعجز في الميزانية نُشر أن الأجور والمرتبات تصل إلى ١٢٠ مليار جنيه في العام، وهذا في الحقيقة رقم بالغ الضخامة، ومرده في الواقع إلى أن الجهاز الإدارى للدولة متخم بعدد ستة ملايين مواطن غالبيتهم العظمى لا يؤدون أعمالًا حقيقية يستحقون عنها مرتبات!، فإذا أضفت إلى الأجور المبلغ الإجمالى الخاص بالمعاشات، لأدركت أن هناك حاجة إلى إعادة ترتيب الأولويات في التخطيط الاقتصادى. وقد بلغ من طموح واضعى الدستور الجديد أنهم حددوا مبالغ معينة للتعليم والصحة والبحث العلمى بغير دراسة موضوعية لحالة الميزانية المصرية، مما يدفعنا إلى التأكيد على أن زيادة ما ينفق على التعليم مثلًا لا طائل من ورائه إطلاقا إذا ما نظرنا إلى الحالة المتدهورة لنظام التعليم والذي لا يحتاج ـ في تقديرنا ـ إلى ميزانيات أكثر بقدر ما يحتاج إلى «مفهوم جديد» لتعليم عصرى يقوم على تأسيس «العقل النقدى» بدلًا من العقل «الاتباعى» الذي يتم غرس مبادئه في عقول التلاميذ والطلبة، والتي تجعلهم «يصمون» المعلومات صمًا بدون فهم دقيق، نظرًا لغياب الحوار في العملية التعليمية بين المدرس والطالب.
ومن ناحية أخرى فإن عجز الموازنة وارتفاع الدين الخارجى أحد أسبابه العميقة عصابات الفساد في الحكومة، وفى بيئة رجال الأعمال الذين يستحلون أموال الشعب والإثراء الحرام، ويكفى أن نشير في هذا الصدد إلى قضية فساد صوامع الغلال، إذ قدرت النيابة العامة الأموال التي ضاعت في سراديب الفساد بثلاثة مليارات جنيه!، وبعد ذلك نتحدث عن عجز الموازنة أو حاجتنا الملحة إلى قروض من الخارج؟.
لابد من إعادة هيكلة أجهزة الدولة على أسس إدارية عصرية جديدة، فنحن نعيش الآن في عصر ثورة الاتصالات والمعرفة الرقمية، وانتهى عهد الورقة والقلم وختم النسر والذي يتم تزويره أحيانًا!.
بعبارة أخرى نحن لابد أن نقوم أولا بثورة إدارية حتى نفتح الطريق أمام التخطيط الاقتصادى العلمى الذي لابد له أن ينطلق من المؤشرات الكمية والكيفية لأبعاد خريطة الواقع المصرى.
ولو تأملنا هذه المؤشرات لاكتشفنا ما يلى- طبقا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء- أن معدل الأمية في مصر ٢٦٪، وأن هناك ٢٦ مليون مصرى يعيشون تحت خط الفقر، وأن ١٨ مليون مصرى في العشوائيات.
وإذا أضفنا إلى هذه المؤشرات مؤشر البطالة وخصوصًا بين الشباب لأدركنا أن هذه المؤشرات، بالرغم خطورة ما تشير إليه من سلبيات، ينبغى أن تكون هي الأساس في رسم أي خطة اقتصادية واقعية تكفل إشباع الحاجات الأساسية للجماهير العريضة.