تعاني السوق المصرية من تقلصات سلعية أوجعت جيوب كل المصريين، السلع تختفى فى لمح البصر، كما لو أنها ركبها عفريت، الدولة تسعى وتتحرك للحل، والمواطن يعانى لكنه يصبر على هذا الابتلاء حبًا فى البلد، لكن هناك الكثير ممن يعملون فى هذا لوطن لا يريدون لأبنائه الخير، ولا يريدون للبلد الاستقرار، وكل واحد منهم لا يهمه غير مصلحته الشخصية. ففى الأعوام الأخيرة انتشر بيننا «تجار الظلام»، وهم فى الأصل تجار الحرام، ممن يرفعون الأسعار بلا أى مبرر، ويحتكرون السلع ويخزنونها حتى تشحّ فى الأسواق، فيرتفع سعرها ويحصدون القوت الحرام من المواطن المجهد، وكلما تحركت الدولة لحل أزمة أدخلها تجار الظلام فى أخرى.
ففى الأشهر الماضية ظلت الدولة تحارب ارتفاع أسعار الأرز الذى غلا سعره من أربعة جنيهات إلى تسعة جنيهات للكيلو الواحد، بدون أى مبرر. فرغم أن مصر دولة مصدّرة للأرز، إلا أن تجار الظلام استطاعوا أن يجمعوا كميات كبيرة من الأرز وإخفاءها فى مخازنهم، لتعطيش السوق، ومن ثم يرتفع سعر الأرز فجأة، ويحصدون الفرق فى جيوبهم. لكن الدولة وقفت بالمرصاد لهؤلاء الجشعين، الذين لا ضمير لهم، واستطاعت السيطرة على سعر الأرز مجددًا، فعاود الانخفاض، لكنه لم يصل إلى سعره الأصلى الذى كان عليه قبل العملية الاحتكارية المنظمة.
وبنفس الطريقة لجأ تجار الحرام إلى رفع سعر السكر، بعد أن قاموا بذات الآلية بتخزينه واحتكاره، ليرتفع ثمنه من خمسة جنيهات إلى عشرة جنيهات للكيلو الواحد، دون أى مبرر، فى أزمة عجيبة ومريبة. فكيف تحدث هذه الأزمة ومصر أصلًا دولة منتجة للسكر؟ وإنتاجنا من هذه السلعة الاستراتيجية يغطى احتياجاتنا بنسبة ٨٠٪! الإجابة طبعًا أن أصحاب الضمائر الخربة استطاعوا، باحتكارهم وتخزينهم للسكر، رفع سعره إلى الضعف، مع العلم أن نفس الأزمة سبق أن تكررت مع سلع مهمة أخرى، مثل الزيت وأنابيب البوتاجاز، وغيرهما من السلع الاستراتيجية التى لا يستطيع أن يستغنى عنها أى المواطن.
إن البلد فى أشد الحاجة إلى الخلاص من هؤلاء الجشعين، على طريقة رئيس كوريا الشمالية، لأنهم يحرقون الوطن، ويحرقون دم المواطن الغلبان، الذى أصبح مغلوبًا على أمره، وحياته مملوءة بالعثرات، كلما خرج من أزمة وقع فى أخرى، حتى الخضار والفاكهة أصبح لهما محتكرون يتحكمون فى الأسعار بالشكل الذى يحلو لهم ويحقق لهم مكاسب فلكية، دون حسيب أو رقيب، وكأنهم فى عزبة لا صاحب لها ولا محاسب.
هؤلاء الجشعون يحتاجون إلى وقفة جادة من الحكومة، ومن المسئولين فى الدولة، لوقف تلك المهزلة التى لا مثيل لها فى دول العالم، خاصة أن أغلب هؤلاء التجار والمحتكرين معروفون للجميع، وهم أنفسهم محتكرو استيراد القمح، وهم أنفسهم مصدرو ومستوردو السلع الاستراتيجية من المواد الغذائية، وتستطيع وزارة التموين أن تعلن، فى بيان لها، أسماء هؤلاء المحتكرين، ليتم تجريسهم على الملأ، وفضح أفعالهم المعادية لاستقرار البلد، وتقديمهم للعدالة. تستطيع وزارة التموين أن تنشر البيانات الحقيقية بحجم الأموال التى استطاع الجشعون «تجار القوت والظلام» أن يجمعوها فى الحرام من دم الشعب الغلبان.
الأمر يحتاج إلى وقفة جادة مع هؤلاء اللصوص، الذين لا يستحقون أن يكونوا مصريين، بل لا بد أن يرتفع سقف عقابهم ليصل إلى إسقاط الجنسية المصرية عنهم، وطردهم من الوطن، حتى يتم تطهير المجتمع من أمثالهم، والقضاء على رءوس الفساد من هؤلاء الذين لا يعرفون الفرق بين الحلال والحرام، فمن يخُن الناس ومن يتاجر فى الأقوات، لابد أن يحارب ويعزل عن أرضنا، حمى الله مصر، وكفى الله أهلها شر احتكار السلع ورفع أسعارها.