الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حرة دائمًا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كانت الحياة حولهن بابًا مغلقًا على السلطة، والظلم، والأنانية، ومع ذلك كانت الحياة بالنسبة لهن بابًا مفتوحًا على المستقبل، والأمـل، والتحرر.
إنها حتشبسوت، ونفرتيتى، وكليوباترا، وشجرة الدر، وإيزيـس، المانحة للحياة، التى انصهرت فى هتاف كل المصريين فى ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، تنادى بحق الحياة، فشعرت - لأول مرة - أنها حرة، وقويـة، لا أحد يملك القدرة على تعريتها، أو النفاذ إليها مرةً أخرى، فارتفعت بقوة على أكتاف الشباب؛ المتعلمة وغير المتعلمة، القبطية والمسلمة، المسنة والشابة.
هتفت فى الثورتين بصوت عال، توحد فيه كيانها الماضى والآنى والآتى مع كيان هذه الآلاف الثائرة؛ من الشباب، والنساء، والأطفال، الكل يدفعها إلى الأمام، ويحيطها، ويحميها.
كسَّرت كل التابوهات، التى حصرتها دومًا فى أدوار الخدمة والأمومة والإنجاب، بعيدًا عن المشاركة فى الحياة السياسية، فكانت فى ثورة يناير فى الصفوف الأمامية، جنبًا إلى جنب مع الرجال، وافترشت الأرض، وواجهت عصى الأمن المركزى، واعتداء البلطجية، وغازات القنابل المسيلة للدموع، واختراق الرصاص الحى، وضربت، وسحلت، وتعريت، واستشهدت، وتحملت ما لا يحدث للرجال حين ذُبِحت إنسانيتها خلال بعض الهجمات الأمنية لفض الاعتصامات، ومع ذلك استكملت المسار الثورى بكل إصرار وإرادة، رغم كل الإهانات، والانتهاكات.
تحاول مصر الآن استعادة وجهها المضىء وسط أخطر وأقسى وأصعب التحديات على كل المستويات، بعد استعادة صورة المرأة الحقيقية التى بدأت منذ أكثر من قرن، حينما خرجت فى مظاهرات عارمة فى ثورة ١٩١٩ ضد الاحتلال البريطانى، وشاركت فى قطع خطوط السكك الحديدية، والحصول على المنشورات، وتوزيعها، وإخفاء المناضلين فى بيتها، وسقطت شهيدة، ومع ذلك صدر دستور ١٩٢٣ دون أن يمنحها حقوقها السياسية، فتصاعدت دعواتها للمطالبة بها.
أسست أحزاب سياسية تدافع عن قضاياها منها؛ «الحزب النسائى الوطنى» الذى طالب بحقها فى جميع وظائف الدولة، و«الاتحاد النسائى المصرى» الذى طالب عام ١٩٤٧ بتعديل قانون الانتخاب، وإشراك النساء فى حق التصويت، وجميع الحقوق السياسية، وعضوية المجالس المحلية والنيابية.
وخرجت مظاهرات نسائية فى ١٩ فبراير عام ١٩٥١ خلال المؤتمر النسائى، تهتف بأن البرلمان للنساء والرجال معًا، واعتصمت سيدات حزب «بنت النيل» فى ١٢ مارس ١٩٥٣ بمبنى نقابة الصحفيين، وأضربن عن الطعام، مطالبات بحقوقهن السياسية كاملة.
وأخيرًا الْتفَتت النخبة السياسية لمطالب المرأة المصرية، فاستطاعت بموجب دستور ١٩٥٦ الحصول على حق التصويت والترشيح، وبدأت الحياة البرلمانية لها عام ١٩٥٧، فرشحت ٦ نساء أنفسهن للبرلمان، فازت منهن اثنتان، ثم جاء تعديل قانون الانتخابات عام ١٩٧٢ بتخصيص ٣٠ مقعدًا للنساء.
وظلت نسبة تمثيلها مرتفعة نسبيًا، رغم إلغاء تخصيص المقاعد للمرأة فى مجلس الشعب، حينما ارتفع عدد النائبات فى البرلمان إلى ١٨ نائبة من إجمالى ٤٥٦ عضوًا فى مجلس ١٩٨٧، إلا أن هذه النسبة تراجعت فى المجالس المتعاقبة، ليدق ناقوس الخطر فى مسيرة كفاحها السياسى.
ورغم كثافة مشاركة المرأة المصرية المبهرة فى ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، والاستفتاء على الدستور، والانتخابات الرئاسية ٢٠١٤، التى تؤكد نجاحها فى تجاوز حالة الاغتراب السياسى، الذى عانت منه سنوات طويلة، إلى حد اعتقاد بعض المحللين السياسيين، أن السياسة أصبحت من أولوليات المرأة المصرية فى الفترة الحالية، إلا أنه ما زالت تثار ثمة مخاوف مستقبلية، خاصة بعد استبعاد النساء بقوة من عملية صنع القرار السياسى، وغياب التمثيل المقبول فى الأحزاب، والبرلمان، وتهميشهن، والتعدى عليهن، والتحرش بهن.
تعد قضية المشاركة السياسية على رأس أجندة المرأة المصرية الآن، إلا أن ثقافة المجتمع ما زالت تلعب دور القوة الناعمة، التى تزيف وعى النساء، إلى حد أن يصير حدوث الخلل شيئًا طبيعيًا فى حياتهن، من خلال السيطرة الشخصية عليهن، واستلاب إرادتهن، ومصادرة أجسادهن، الذى نراه بارزًا فى عدة مظاهر منها؛ ما تبدو عليه ملابس النساء الآن، التى لا تعبر عن شخصيتهن المميزة، الضاربة فى عمق التاريخ، والمختلفة تمامًا عن أناقتهن فى الماضى، التى كانت رغم تحررها أكثر جمالاً، وتألقًا، واحتشامًا، والأهم أنها كانت تعبر عن هويتهن، وسحرهن.
إن غاية ما تسعى إليه المرأة المصرية عبر تاريخ نضالها الطويل هو الوصول إلى مقامها الرفيع، الذى تستحقه، وأن تخطو على سلم الكمال اللائق بها، فتمنح الحق الكامل فى المشاركة السياسية، والحياة، لكن الأهم أن يملك الرجل شجاعة الاعتراف، والمواجهة، وأن تملك هى القدرة على إجراء العملية الخطيرة بنفسها، ولنفسها، مهما بلغت قوة الألم، وعمق الجرح، وتدفق النزيف.