كَتَبَ الكاتب الكبير الذى أحترمه كثيرًا عماد الدين أديب، كصحفى وإعلامى مهنى، بغض النظر عن توجهاته السياسية، فى صحيفة «الوطن» يوم الثلاثاء قبل الماضى مقالًا مثيرًا للجدل بعنوان «المواطن أحمد عز» تعليقًا على ما أثاره شقيقه الإعلامى عمرو أديب فى برنامجه الجديد على قناة «أون» الذى طرح سؤالًا: هل من حق أحمد عز العودة إلى السياسة؟، وكردٍ غير مباشر على القصف الإعلامى الذى تعرض له أحمد عز بعد ظهوره الإعلامى المثير للجدل من خلال مقالٍ نشره فى صحيفة «المصرى اليوم» بعنوان «دعوة للتفاؤل».
ذكر عماد الدين أديب أنه من الأشخاص الذين كانوا وما زالوا يحبون المهندس أحمد عز على المستوى الشخصى ويختلفون معه على المستوى السياسى. ودافع أديب عن الحق الكامل للمهندس أحمد عز فى ممارسة كافة حقوقه السياسية دون تمييز أو انتقاص.
وفى مقارنةٍ غير عادلة، ذكر أديب أنه فى عهد مجلس قيادة الثورة تم عزل «رجال النظام الملكى». ورغم ذلك خرج آلاف يشيعون مصطفى باشا النحاس يهتفون: «إلى جنة الخلد يا زعيم الأمة».
وفى إشارة صريحة للدولة قال أديب إنه يجب ألا يعطى لأى نخبة سياسية حاكمة فى أى عصر كان، ولا تحت أى ذريعة كانت، الحق فى أن يكون لها مطلق الحرية فى تقرير مصير الحقوق السياسية للمواطنين أو وضع أى قيود على حرية الأفكار والآراء والممارسات السياسية.
وذكر أديب نصًا «أنا أدافع، صراحة وبلا مواربة أو خجل أو تردد، عن حق المواطن أحمد عز فى ممارسة كافة حقوقه السياسية».
وللأسف الشديد فإن كلام عماد الدين أديب لا يمكن وضعه تحت طائلة المغالطات التى يمكن أن يتفوه بها أحد صغار الكًتاب، بل إن ما ذكره مقصود تمامًا لأنه يأتى ضمن حملة ممنهجة لإحياء وبعث النظام البائد الذى يحن إليه كثيرًا، وخاصة حواراته السرمدية مع «صاحب أول ضربة جوية فتحت باب الحرية». هذه الحملة الممنهجة هى التى أعادت حسين سالم وابنه إلى الفضاء الإعلامى فى برنامج عمرو أديب فى حلقة، وعثمان محمد عثمان فى حلقةٍ أخرى، وطرح السؤال اللوذعى الخاص بأحمد عز ومدى أحقيته فى العودة إلى العمل السياسى فى حلقةٍ ثالثة. علاوة على الظهور المبالغ فيه لجمال مبارك فى المحافل العامة. سؤال عمرو أديب- وإجابة شقيقه عماد الدين أديب- ربما يشجعنى على طرحِ سؤالٍ آخر ما دمنا فى عصر الأسئلة اللوذعية: متى يستضيف عمرو أديب جمال مبارك فى برنامجه؟!، لأننا سئمنا من المواربة، ولتكن كل الأوراق مكشوفة على الساحة.. وعلى عينك يا تاجر..!.
إن مقال أحمد عز «دعوة للتفاؤل» كما ذكرت بنفسى فى مقالٍ كتبته لبوابة «روز اليوسف» لم يكن سوى «دعوة للتشاؤم»، وبعدها ربط رواد شبكات التواصل الاجتماعى بين ما كتبته وبين «الشؤم» الذى أصاب مصر عندما كتب عز مقاله الأول فى «الأهرام» فقامت ثورة ٢٥ يناير، وتندر البعض بأن مقال عز الجديد قد يكون السبب فى ثورةٍ ثانية، ولِمَ لا .. فأحمد عز هو مفجر الثورات..!. ولكن أتوقع أن تكون الثورةُ القادمة ثورةً على فلول النظام السابق الذين بدأوا يطلون برؤوسهم من مكامنهم من جديد دون حياءٍ أو خجل، ويحاولون أن ينتزعوا ما ليس لهم فى صراعٍ مستتر مع الدولة المصرية التى بدأت عهدًا جديدًا، تعهد فيه الرئيس عبدالفتاح السيسى أنه لا عودةَ فيه إلى الوراء.
مصر لم تطبق قانونًا للعزل السياسي، ولكن من الممكن جدًا أن تُشَرع قانونًا لمحاكمة كل من أفسد المجال السياسي، وأدى إلى الوضع المزرى الذى وصلنا إليه. مصر لم تحجر سياسيًا على أحد، ولكن كانت تتوقع فى ظلِ رسائلَ مُبَطنة لرموز النظام السابق بالبعد عن المجال السياسي.. كانت تتوقع أن يكون من وصلتهم هذه الرسائل سياسيين يفهمون هذه الرسائل ويستوعبونها جيدًا، وتأتى هذه الخطوة بشكلٍ إرادى طوْعى تفاديًا لعواقب الأمور. ولكن بدلًا من ذلك نجد تكالبًا من أعضاء الحزب الوطنى «المنحل» على المقاعد البرلمانية والمناصب والإصرار على العودة للحياة السياسية من جديد بشكلٍ فج وممجوج.
أستاذ عماد تستطيع أن تحب أحمد عز كما تشاء، ولكن تأكد أن الشعب المصرى لا يحبه، لأن الشعب المصرى لا يحب من وضع يديه على ثرواته، ومن زوّر انتخاباته، ومن تلاعب بإرادته، ومن هو مسئول سياسيًا عن إهدار دماء أبنائه، ومن دمر مقدراته، وضيع شبابه، وأسلمنا وطنًا ليس سوى عبارة عن كَوْمَةٍ كبيرة من الخُردة. الشعب المصرى لَفِظَ تلك الخلطة المسمومة التى مزجت بين رجال الأعمال والسياسة، فلم نَرَ منهم خيرًا منذ أن تحلقوا حول الوريث المزعوم. يا سيدى أنت تروج سلعةً بائرة أكلها الصدأ.
المقارنة بين أحمد عز «رجل الحديد» الذى حوّل مصر إلى كَوْمَةٍ كبيرة من الخُردة ومصطفى النحاس زعيم الأمة، مقارنةٌ ظالمة وغير عادلة، فشتان بين الثرَى والثريا، مصطفى النحاس - أستاذ عماد - لم يكن من رجال النظام الملكى ولم يكن من الرأسمالية المستغلة والإقطاعيين، مصطفى النحاس كان زعيم الأمة بالفعل وله من المواقف الوطنية ما لا يمكن أن يطاله نظام مبارك والذين معه بأكملهم.
لا يمكن أن يُقنعنا عماد الدين أديب بأن «الباشمهندس» أحمد عز هو زَعِيمُ الأُمَة..!.