وصلنا فى هذا السرد التاريخى للسنة التى حكمها الدكتور محمد مرسى والإخوان لمصر إلى بداية أكتوبر ٢٠١٢، حيث كان مرسى قد عاد من نيويورك فى نهاية سبتمبر، بعد مشاركته فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو موضوع مقالنا السابق، وبمجرد عودته قام أحد المواقع الإخوانية بنشر تصريحات على لسان الرئيس ادعى فيها أنه قد دعا الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، إلى اعتناق الإسلام وإدارة الولايات المتحدة على هذا الأساس، وكان هذا الادعاء من قبيل مغازلة الاتجاهات السلفية، أى للاستهلاك المحلى لا أكثر ولا أقل، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، فقد التقطت الصحف الأمريكية هذا الخبر وقامت بإعادة نشره والتعليق عليه بأن هذا الكلام معيب، ففى أمريكا خمسة آلاف مسجد للمسلمين ولهم كل الحقوق ولا يصح لمرسى أن يقول مثل هذا لرئيس الولايات المتحدة، ثم لماذا لا يعتنق هو المسيحية، وطالبت الصحف الأمريكية البيت الأبيض بالرد على هذا الخبر وتوضيح ما إذا كان مرسى قد صدر منه هذا الحديث للرئيس أوباما أم لا؟ وفى غضون ساعات تطور الأمر إلى الحد الذى كاد أن يصل إلى أزمة دبلوماسية بين البلدين، وصار على الخارجية المصرية أن تتدخل فورًا لنزع فتيل تلك الأزمة، فالبيت الأبيض يريد توضيحًا لما نشره الموقع الإخوانى على لسان الرئيس، وفى نفس الوقت نفى البيت الأبيض للصحف الأمريكية أن يكون قد حدث هذا الحوار بين الرئيسين وأن لقاءهما كان عابرًا ولم يتطرق إلى أى موضوعات دينية، وبالفعل تم احتواء الأزمة بعد تكذيب الرئاسة للموقع الإخوانى وتأكيدها أن الرئيس لم يدل بهذا الحديث، وكان من الطبيعى أن يتم إحالة الأمر إلى النيابة العامة للتحقيق، كى لا يجرؤ أحد فيما بعد أن ينسب أقوالًا لرئيس الدولة، وبالفعل قام موظفو الرئاسة من المخضرمين بإعداد بلاغ للنائب العام ضد الموقع الذى تسبب فى حرج بالغ لمصر، ووصل البلاغ إلى مكتب الرئيس والذى رفض أن يوقع عليه مرددًا «المسامح كريم»، وعندما حاول موظف الرئاسة أن يقنعه بضرورة اتخاذ هذا الإجراء لكى لا يقوم أى موقع آخر أو صحيفة بنشر أحاديث أخرى على لسان الرئيس، تدخل أسعد شيخة مرددًا «الموضوع انتهى» ثم قدم مرسى لهذا الموظف قائمة جديدة ببعض الأسماء التى يريد تعينيها بالرئاسة، فأخبره الرجل بأن الموافقة التى تمت من الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة فى شهر يوليو الماضى قد شملت ثمانمائة موظف، وأنه لا توجد درجات مالية شاغرة لتعيينات جديدة فى مؤسسة الرئاسة، وهنا غضب مرسى وزعق فى وجه الرجل بكلمته المعتادة «انتوا بتشتغلونى، هو مبارك لو كان عايز يعمل حاجة كان حد بيقوله لأ»، فأخبره الرجل بكل أدب بأن الرئيس مبارك لم يطلب فى حياته أن يتم تعيين هذا الكم الهائل من الموظفين داخل الرئاسة، فما كان من مرسى إلا أن قال له «اطلبلى صفوت النحاس ع التليفون»، وأوضح النحاس للرئيس أن الأمر يسير وفق معايير قانونية ومالية، وأنه لا يستطيع مخالفة القانون، هنا تفتق ذهن الرئيس عن ضرورة الإطاحة برئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، وفى هذه اللحظات وصل إلى الرئاسة الدكتور هشام قنديل ومعه جميع الوزراء تقريبًا، حيث كان مرسى قد دعا إلى عقد اجتماع مع الوزارة لبحث الموقف الداخلى والقضايا المطروحة على الساحة المحلية، وفى هذا الاجتماع أعطى مرسى توصياته للحكومة باستعجال تقرير لجنة تقصى الحقائق حول وقائع الثورة، وكلف الحكومة أيضًا بضرورة وضع قانون جديد لحماية الثورة والتعجيل بالإجراءات التى من شأنها أن تحقق القصاص للشهداء والجرحى فى أحداث ٢٥ يناير وما بعدها، وقال بالحرف الواحد «لن نترك أحدًا على الإطلاق ممن أفسدوا وأجرموا فى حق الوطن دون محاسبة»، وأثناء الاجتماع دخلت الدكتورة باكينام الشرقاوى لتهمس فى أذن الرئيس بشىء لم يسمعه أحد، ليعتذر الرئيس للحاضرين ويبلغهم بأنه سيتركهم بضع دقائق وسيعود إليهم مرة أخرى، ولما عاد أخبرهم بأن الرئيس التركى حدثه هاتفيًا وأنه وافق على إقراض مصر مليار دولار، وعندما انتهى الاجتماع طلب مرسى من قنديل أن يعد قرارًا بتعيين القيادى الإخوانى، حسن البرنس، نائبًا لمحافظ الإسكندرية، وأن يعطه كامل صلاحيات المحافظ، وفى اليوم التالى وبمناسبة احتفالات انتصار أكتوبر العظيم أصدر مرسى القرار الجمهورى رقم ٢١٨ لسنة ٢٠١٢ والذى قضى بالإفراج عن مجموعة جديدة من السجناء، والتى ضمت عناصر تكفيرية وجهادية وبعض الفلسطينيين الذين تم القبض عليهم فى سيناء والذين كانوا يقومون بتدريب تلك العناصر الجهادية على أعمال القتال، وفى هذا الوقت كان مكتب الإرشاد بكامل هيئته يعد لاحتفال مهيب فى ذكرى أكتوبر وهو موضوع مقالنا المقبل.
آراء حرة
30 يونيو المقدمات والنهايات «16»
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق