الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الدستور ومخاطر الاختطاف أو التفجير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما هي مطالب الأقباط التي يطالبون بوضعها في الدستور؟ سؤال يطاردنا بشكل متواتر، وبإلحاح يكشف عن ازدواجية تحمل ملمح من ملامح اللحظة المرتبكة، فبينما ترتفع الأصوات مطالبة بدستور مدني يأتي السؤال: ماذا عن تديين الدستور؟ وتتكرر الإجابة التي لا نحيد عنها، ليس لنا مطالب لكوننا "أقباط"، لكننا نقف في صف كل الوطنيين أن يكون الدستور مدنيًا يؤسس للمساواة والعدالة ويؤكد على أن مصر وطن يقوم على المواطنة.
وعلى الرغم من هذا تشهد الأيام التي تسبق الانتهاء من صياغة مسودة الدستور ارتفاع وتيرة التسريبات التي تنسب الى لجنة الخمسين تحمل أخبارًا عن صراعات بين أعضائها تقابلها أخرى نافية، وبعضها يتحدث عن صفقات ما أو ضغوطات من هنا وهناك، وبين هذا وذاك نخال أن الدستور يكتب في مظاهرة تحتشد بالهتافات كل يُحمِّلها رسائل الى قاعدته الانتخابية، وتتبدى ظاهرة تكاد تمزق وحدة الدستور تارة بالتهديد بالانسحاب وتارة بالرفض من هيئات تطالب بامتيازات خاصة لها لو استجيب لها لتحصنت كل الهيئات تشريعية وقضائية وتنفيذية ضد المساءلة ومن ثم الحساب، ولصارت موازناتها غير قابلة للرقابة أو حتى الكشف عن بنودها.
وغير خاف أن تفجير الدستور في مراحله المختلفة هو سعي القوى المعادية للثورة والتي تستخدم كل الوسائل للدفع الى العودة لدستور 2012 المعيب والمشوه ويخالون أن هذا يرتب لعودة النظام السابق بقوة، ولعل إثارة الفئات المختلفة وخاصة المهمشة عبر الأنظمة السابقة للمطالبة بحصة محددة في البرلمان القادم والمحليات واحدة من سبل التفجير، عمال وفلاحين ومرأة وشباب وأهل النوبة والبدو وغيرهم فضلاً عن الأقباط، والكل يهدد بالتصويت بـ"لا" حال طرحه للاستفتاء خلوًا من مطالبهم وحصتهم.
ولا يدرك كافة الأطراف أن هذا الدستور في كل الأحوال هو دستور انتقالي لمرحلة انتقالية تسلمنا الى الاستقرار بعد غليان طال، وعندما يتحقق الاستقرار سنجد أنفسنا أمام حاجة ملحة لكتابة دستور جديد يتسق مع استحقاقات ما بعد الارتباك، وهو بهذا يتطلب أن يخرج الكل من دوائر انتماءاته الضيقة الى رحابة الوطن ويؤجل الحاحات مطالبه الخاصة، والتأكيد على مدنية الدولة بالمفهوم الذي استقر في العالم كله فلا تكون دينية أو عسكرية، وعلى تبني نسق العدالة الانتقالية التي تفرضها المرحلة الانتقالية لإزالة آثار عصري الاستبداد والظلام اللتان اسقتطهما ثورتا يناير ويونيو على التوالي توطئة للدخول في عصر البناء الذي غاب طويلاً عمدًا وجهلاً.. وربما "تآمر".
وربما يكون من الأهمية بمكان أن ينتبه الأقباط الى فخ "الكوتة" الذي نصب لهم، وهو يداعب طموحاتهم بأن ينتقلوا من مربع المشاركة المنقوصة وربما الغائبة إلى مشاركة حقيقية وفاعلة في المشهد السياسي وفي المجال التشريعي بل وفي الحكم أيضًا، وهو حلم مشروع مؤجل بفعل طائفية النظم الحاكمة وطائفية الفضاء المجتمعي الذي تم تجريف قيمه المدنية عبر عقود ممتدة.
الكوتة لا تعدو أن تكون مسكنًا لا يبرح العرض ولا يقرب المرض، وهي نسق مفارق لحركة التاريخ سينسحب أثره الى كل مناحي الحياة ولن يجني منه الأقباط إلا الفتات الساقط من موائد الأغلبية المتنفذة وهي محكومة بالرؤى الطائفية، وستكون القاطرة التي تجر عربات الفئات والتكتلات العرقية والمذهبية والجغرافية ومحافظات الأطراف لطلب أنصبتهم، وهو أمر سيسلمنا لبدايات طريق التقسيم وفق تطلعات القوى الكبرى الدولية ومن يظاهرها من قوى إقليمية، ويترجم رؤاها أطياف محلية مازالت تحمل تصورات تاريخية سقطت مع سقوط حلقة الخلافة العثمانية (1923).
وهو ما فطن إليه الأقباط إبان ثورة 1919 وكانت الأجواء قاتمة والاستعمار جاثم على مقاليد البلاد وداعم لتوزيع الأنصبة على الأقليات والأقباط في مقدمتهم، فكان رفضهم قاطعًا، وعلى أرض الواقع واليوم ما هي تصورات المنادين بالكوتة القبطية لحجمها وعلى أي رقم ستعتمد، تعداد الأقباط كما تعلنه الأرقام الرسمية المسيسة (7%) أم كما تقول به علوم الإحصاء تأسيسًا على تقديرات الواقع (15% ـ 20%)، وفقًا لمعطيات المرحلة وضغوطاتها لن تبرح الكوتة حاجز الـ10% على أكثر التقديرات تفاؤلاً، وهي بهذا لن تجعل الوجود القبطي فاعلاً ومؤثرًا في سن التشريعات والعبور بالمطالب القبطية أمام رؤى الأغلبية، بل وسيؤثر على اختيارات الأغلبية لممثليهم ليأتوا من المعسكر الأكثر تشددًا وتطرفًا لمواجهة الوجود القبطي المفروض عليهم وفقًا للذهنية الشعبية التي تحكم الشارع اليوم وغدًا.. وسينعكس هذا بالضرورة على حصص الأقباط على الأرض في كافة المجالات وسيكون الرقم حاضرًا أمام متخذ القرار في المحافظات وفي الوزارات والإدارات المختلفة، بكل انعكاساته المحجمة لحقوق الأقباط وتؤكد كونهم أقلية على الأرضية السياسية.
لعل هذا ينبهنا الى أن علاج المرض المنتج لعرض صراخ الأقباط قد آن أوانه، علاج التطرف والإقصاء والفرز على أساس ديني، والبداية تأتي من وثيقة الدستور بتنقيتها من المواد ذات الصبغة الدينية ومواجهة التبريرات التي تساق لدعمها من جماعات الضغط المتطرفة، وتفعيل القوانين التي تؤكد المساواة والعدالة والمواطنة، حتى ننقذ الدستور من خطري الاختطاف والتفجير، حتى لا تسقط الثورة.